بعد ثلاثة أيام من الاشتغال التاريخي والحضاري، اختتم المؤتمر الدولي “المدن التاريخية والتجديد الحضري” أعماله مساء اليوم الأربعاء (25 مارس / آذار 2015) ، وذلك في مقر المركز الإقليمي العربي للتراث العالمي، بحضور عدد كبير من خبراء التراث العالمي ولاإنساني من منظمات إقليمية ودولية مختلفة، حيث خرج المجتمعون بمجموعة توصيات ترفع للجهات المعنية بعد مناقشة المؤتمر على مدى أيامه مواضيع المحافظة على المدن التاريخية والمناطق الحضرية وكيفية إدارتها.
وتقدّم فريق الخبراء المشارك في المؤتمر بالشكر للمركز الإقليمي العربي للتراث العالمي، وعلى رأسه رئيس مجلس إدارة المركز الشيخة مي بنت محمد آل خليفة ، ومدير المركز منير بوشناقي وكل من شارك في إنجاح أعمال المؤتمر، وذلك لاستضافة المركز لهذا المؤتمر الذي يعد ضرورة في وقت تعيش فيه المنطقة العربية ظروفاً تؤثر بشكل سلبي على إرثها الثقافي والمعماري العريق.
وأوصت مخرجات المؤتمر العامة بالاعتماد على المواثيق الدولية التي أعدتها كل من اليونيسكو والإيكوموس في عمليات الحفاظ على المدن التاريخية، كميثاق أثينا 1931، وميثاق فينيس 1964 وتوصية منظمة اليونيسكو لعام 2011. كما وأوصى المؤتمر بالسعي لاستخراج أدوات قانونية على المستوى الوطني للدول، العمل على تعريف القيم الثقافية للمجتمعات وربطها بعملية إعادة التأهيل المستدام للمدن التاريخية وتنظيم ورش عمل للعصف الذهني في الدول العربية بالتعاون مع منظمة الأليكسو من أجل الوصول لآلية عمل وفلسلسة للحفاظ على التراث الثقافي في المنطقة.
كما وأكد المؤتمر في توصيات خاصة بالأدوات التقنية للحفاظ التاريخي وإعادة التأهيل الحضري، على ضرورة القيام باستبيان يأخذ في عين الاعتبار العوامل الاقتصادية والاجتماعية من أجل تطبيق مبادرات إعادة التأهيل الحضري للمدن بنجاح، إضافة إلى تخطيط وتطبيق مشاريع مبدئية في مجال التعرف بشكل عملي على الحاجات الاجتماعية والاقتصادية للمدن التاريخية في الوطن العربي. وفي ذات السياق أوصى المؤتمر بضرورة إشراك الأطراف المختلفة في المجتمع المحلي بعملية تخطيط وتطبيق مشاريع إعادة تأهيل المشاهد الحضرية بما يجعلها مشاريع مستدامة.
وأقر المؤتمر عددا من التوصيات المستقبلية التي أكدت على تنظيم مؤتمر خاص حول دور الأوقاف الدينية في حفظ التراث الإسلامي، تطوير مؤهلات الخبراء العرب بدعم من المنظمات الدولية المعنية بالتراث مع تنظيم ورش عمل متعددة تشارك فيها الجهات الحكومية والخاصة، وإعداد ميثاق يكرس لمنع تدمير التراث الثقافي في المنطقة تشارك في إعداده المؤسسات المحلية والعالمية ذات الشأن، وبالاعتماد على مواثيق دولية سابقة.
أما بخصوص مداخلات المؤتمر في يومه الأخير، فتناول المؤتمر مجموعة مواضيع ألقاها خبراء عرب وعالميين، بدأت مع أستاذ التخطيط العمراني في جامعة فيرارا بإيطاليا دانييلي بيني حيث تحدّث عن مشروع التجديد العمراني في مدينة القاهرة التاريخية.
وأشار بيني إلى أن عملية التجديد الحضري هي عملية إعادة القيم الثقافية والتاريخية للمجتمع وإعادة إحيائها، موضحاً أن مشروع تجديد المدينة دعم الخصائص التراثية للنسيج العمراني فيها وأعاد إحياء الحرف اليدوية التقليدية والممارسات الاجتماعية التي تميّزها وتعطيها هويتها الفريدة.
بدوره قدّم أخصائي برامج بمركز التراث العالمي في اليونيسكو بباريس كريم هنديلي عرضاً تناول فيه نتائج ورش عمل المركز في تونس والكويت، حيث تقدّمت تونس بطلب ترشيح مدينة سفاقس التاريخية على قائمة التراث العالمي.
وأشار هنديلي إلى أن مشروع ترشيح مدينة سفاقس تطلب مجموعة ورش عمل شاركت فيها جميع الأطراف المعنية بالمدينة من مسئولييين حكوميين، أصحاب مشاريع محيطة بالمدينة والمنظمات الأهلية، مؤكداً ان أهم ما تمت مناقشته لترشيح المدينة هو معالجة محيط الموقع بما يحفظ هوية وثقافة المدينة.
كما وتطرق هنديلي إلى مشروع ترشيح أبراج الكويت لقائمة التراث العالمي، موضحاً أن مركز التراث العالمي أقام ورشتي عمل من أجل تقييم وإعداد ملفات حول التراث الثقافي المعاصر الذي تتميز به الكويت.
وفي مداخلة لاحقة تحدث مدير المحافظة على التراث الثقافي وترميمه في وزارة الثقافة الجزائرية مراد بوتفليقة حول مكانة العمارة الاستعمارية في التجديد الحضري، مستعيناً بأمثلة من مدينة الجزائر حيث تحتوي على العديد من المعالم التي تأثرت بالطابع العمراني للمجتمع الأوروبي الذي تواجد في المدينة فترة الاستعمار الفرنسي للجزائر.
أما مسئول برامج التراث الثقافي في المركز الإقليمي العربي للتراث العالمي بالمنامة كمال البيطار، فأكد في مداخلة حول مدينة حلب أن التراث الثقافي المعماري للمدينة تعرض لدمار هائل بعد الأحداث في سوريا عام 2011م، موضحاً أن التراث الثقافي لحلب بحاجة إلى مساعدة عاجلة من جميع المعنيين بالتراث حول العالم من أجل إنقاذه من التعرض لمزيد من الدمار.
وأشار البيطار إلى أن خبراء التراث وضعوا للمدينة خطة إعادة تأهيل منذ العام 1994م وحتى العام 2007م حيث تمت توسعة دائرة التطوير الحضري للمدينة إضافة إلى ترميم الساحات العامة والمباني التاريخية في المدينة واستعادة الأرشيف المعماري والثقافي لحلب.
وفي سياق متصل قدّمت المهندسة المعمارية ومفوضة المحافظة على آثار البوسنة والهرسك عمرة يدوفيش ، شرحاً حول عمليات الترميم التي حصلت في البلاد بعد الحرب التي عرضت التراث الثقافي والمعماري للبوسنة والهرسك للعديد من المخاطر والدمار.
وأشارت يدوفيش إلى أن عمليات الترميم في البوسنة والهرسك تعطي المزيد من الأمل بإمكانية إنقاذ التراث الثقافي في مدينة حلب وسوريا بشكل عام.
وقالت يدوفيش إلى أن حوالي 3000 معلم تاريخي ومعماري في البوسنة والهرسك قد تعرض للدمار بشكل جزئي أو كامل، مؤكدة في ذات الوقت أن عملية إعادة تأهيل التراث الحضري في المدن التي تعرضت للدمار يجب أن تشمل مشاركة المجتمع المحلي.
واختتم المؤتمر مداخلاته مع مستشار شئون التراث العراقي إحسان فتحي ، الذي أكد على أهمية التراث العراقي الذي يعود لآلاف السنين، مشيراً إلى تعرضه لعمليات تدمير عشوائية وممنهجة منذ بداية القرن الماضي، مستعينا بأمثلة من مدن كبغداد، أربيل، الموصل وبابل.