العدد 4581 - الإثنين 23 مارس 2015م الموافق 02 جمادى الآخرة 1436هـ

مطالب التغيير تطرق أبواب الشغالات

عصمت الموسوي

كاتبة بحرينية

لا تهرب الشغالة في البحرين كما قد تتصورون. إنها تهرب وهي لاتزال في بلدها، ذلك أن نية الهرب والتخطيط له وهواتف الشركات أو الأشخاص المتآمرين على تهريبها والوعود وحتى العقود مع أرباب العمل الجديد، موجودةٌ كلها في حقيبتها، حتى توقيت الوقت محسوب بدقة.

إنها تسحب أغراضها قطعةً قطعةً، في كل طلعة وإجازة، ويوم الهرب تهرب بخفة وبلا أمتعة، دون أن تثير الريبة. أما الأسباب فهي عديدة ولا تحصى، أولها صيحات التغيير وثقافة حقوق الإنسان وحقوق العمالة، وما تتضمنه عقود عملهن الجديدة من شروط ومسئوليات على طرفي العقد، كالإجازة السنوية والأسبوعية والراتب التصاعدي وأوقات العمل المحدّدة وغيرها. يهدّدن بالشكوى لدى السفارة أو التنظيمات المؤازرة للعمالة الوافدة أو الرحيل.

صارت الواحدة منهن تمشي شامخةً مرفوعة الرأس، مدركةً لوزنها وأهميتها ولحجم الاعتماد عليها ومقدار ارتهان الأسرة لها! وتهرب من أجل عرض عمل أفضل أو وظيفة مختلفة. تهرب من أجل العمل الحر، والخروج الحر، والعلاقات الحرة، فإذا كانت على قدر من الجمال أوجدوا لها وظيفةً في فندق أو مرقص، وإن لم تكن كذلك أوجدوا لها وظيفةً في شركات التنظيف وخدمة البيوت وفقاً لنظام الساعة أو غيره.

وهي تهرب أيضاً لسوء المعاملة أو لنقض الاتفاق المبرم بينها وبين المكتب على المستحقات وشروط العمل، وما لها وما عليها. تهرب حتى ممن يعاملها معاملةً طيبةً ويمنحها الراتب الجيد والمعاملة الحسنة، فقط حباً في التغيير أحياناً، أو لأن الخارج يبدو لها أحلى وأمتع، وأكثر تحرراً وأقل قيوداً والتزاماً.

وتهرب لأن الهروب سهل والقبض عليها صعب، وتهرب ممن يذيقها الويل ويضنيها ويبخل عليها و يؤخر رواتبها. تهرب بالتواطؤ مع أصحاب مكاتب العمل أحياناً وإن بدا خلاف ذلك.

وتهرب بعد اكتساب الخبرة لتحسين شروط عملها الجديد، ومن النادر جداً أن تعود الشغالة الهاربة أو أن تتمكن العائلة من العثور عليها لأنهم -وأعني بهم عصابة تهريب الشغالات - يختارون بعناية أماكن الهرب، حيث البعد عن المكان الأصلي، فإذا كانت من المنامة اختاروا لها جزر أمواج، وإذا عادت الشغالة إلى بيت مخدومها بعد هربها فليس لأنها قد تابت أو شعرت بوخز الضمير، إنما لأسباب عديدة أيضاً، منها التحايل من أجل البحث عن جواز سفرها وبطاقة هويتها، أو لأن العرض الذي حصلت عليه لم يعد يلائمها، أو لأن الأرباب الجدد غدروا بها أو نقضوا عهودهم معها، أو عندما لم يتطابق الطلب مع العرض.

وليس مستغرباً أن تعلموا بأن من يساعد على تهريب الشغالات ليسوا عصابات أو أناساً خبثاء من المتخصصين وأصحاب السوابق وممن يسرقون الشغالات والعمالة المدربة الجاهزة المجانية فحسب، وإنما قد يكونون جيرانكم الذين هم على بعد عدة مجمعات من بيوتكم، بعد أن يغروها بزيادة عدة دنانير في راتبها. أو قد تهرب لأن عائلة أجنبية أغرتها بالعمل لديها براتب أعلى وعمل أقل. وقد دبّرت سيدة بحرينية مكيدةً للإيقاع بشغالتها الهاربة عبر ملاحقة هواتف صديقاتها، فاكتشفت أنها تعمل لدى مدير أجنبي.

وأغلب الشغالات الهاربات يتحتم عليهن العودة إلى رب العمل الأصلي في النهاية للمطالبة بجواز السفر بعد انقضاء مدة عملهن أو تخلّص أرباب العمل منهن، أو خشيتهن من ملاحقة القانون. لهذا تطرق الشغالة الهاربة باب مخدومها مرةً أخرى... هكذا ببساطة وبكل برود أعصاب واستهانة بحق الكفيل وخسارته.

مع ذلك يظل هذا المصير أرحم من تورّطها في جريمة أو قتل أو حمل أو موت عارض أثناء هربها، وحيث يجبر القانون الكفيل على تحمل كل تكاليفها أو إعادتها إلى بلدها على حسابه الخاص. وثمة من العائلات من يسجن شغالته ويمنع عنها الهواتف والاتصال بالآخرين لتلافي الهرب، مع ذلك لا يسلم. هذا ليس مقالاً للتخويف، إنما للتنبيه فحسب، فلا أمان للجيل الجديد منهن على الإطلاق. لقد مضى زمن الشغالات الجميل، أولئك اللاتي كن يرافقن العائلات من المهد إلى اللحد.

فلبينية مسلمة، ساعدت على تهريب عشرات الشغالات، تقيم في أحد بيوت المنامة القديمة، تمنح الشغالات الجدد الراغبات في الهرب كل الطمأنينة والثقة، وتشجعهن على الهرب وتقول لهم «ها أنذا أعمل خارج القانون دون أن يعثر عليّ أحد». ولدى العائلات البحرينية قصص لا تحصى عن هروب الشغالات، ويظل السؤال ماذا تفعل العائلات «المقروصة» بهذه الظاهرة، وأين تذهب ولمن تشكو؟ ومن يعوّض خسائرها وكيف تحتاط لتلافي هرب الشغالات؟

آه... الويل لامرأة عاملة وأم لعدة أبناء، حين تستيقظ على خبر هروب الشغالة صباحاً! تنقلب الحياة رأساً على عقب، وتعمّ الفوضى. نعم لقد أصبحنا مرتهنين لهن وصار وجودهن مصدر قلق وخوف وتوجس... أما غيابهن فمصيبة.

إقرأ أيضا لـ "عصمت الموسوي"

العدد 4581 - الإثنين 23 مارس 2015م الموافق 02 جمادى الآخرة 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 10 | 12:28 م

      نطالب بوضع قوانين تحفظ حقوق المواطنين

      الحل هو وضع عقوبات صارمة على من يستفيد من الخادمات الهاربات وتشغيلهم في اماكن اخرى
      ومنها السجن لسنوات مع دفع غرامة مالية كبيرة جدا تصل لعشرة الاف ، بحيث يصعب على الجميع الاستفادة من الهاربات .

    • زائر 9 | 11:38 ص

      بعد عدة تجارب!

      إختياركِ موفق للمواضيع.
      لا خادمة في البيت بعد عدة تجارب فاشلة مع الخدم، نعم لم يعد البيت نظيفا بدرجة كبيرة لكن بالتأكيد نحن في وضع أفضل من تعقيدات ومشاكل الخدم

    • زائر 8 | 6:48 ص

      الموضوع مهم وحساس بس

      احس المقالات السابقة كانت اقوى ادبيا وفكريا

    • زائر 7 | 4:11 ص

      أفضل

      الخادمات لديهم عيوب ومزايا الا ان عيوبهم قد تكون أكثر من مزاياهم وخصوصا عندما تكون ملمة بكل ما في البيت والبعض منهم يكون مظلومة بسبب جفاء صاحب البيت الذي يرفض سفرهم رغم مضاء سنتين كامليتين من هنا قد تضظر الخادمة ال الهروب والعمل ف أماكن أكثر حرية ....

    • زائر 6 | 1:18 ص

      الويل والثبور

      الله لا يحوجنا إليهم وإن شاءالله نقدر نربي عيالنا بدون مساعدة

      الله كريم

    • زائر 3 | 12:27 ص

      لا اله الا الله

      شغالتي سافرت بعد ما عملت عندي قرابة ثلاث سنوات جددت لها الفيزا- اندونيسيه - قالت بعد فترة تبي تسافر تشوف اهلها لم امنعها وقالت بترجع سويت تذكرتها ذهابا ورجوع ولكنها لم ترجع واشهد بأنها كانت نعم الشغاله امينه وتشتغل بامانه وكنت كل سنه أعطيها زيادة راتب

    • زائر 5 | 12:27 ص

      لا اله الا الله

      شغالتي سافرت بعد ما عملت عندي قرابة ثلاث سنوات جددت لها الفيزا- اندونيسيه - قالت بعد فترة تبي تسافر تشوف اهلها لم امنعها وقالت بترجع سويت تذكرتها ذهابا ورجوع ولكنها لم ترجع واشهد بأنها كانت نعم الشغاله امينه وتشتغل بامانه وكنت كل سنه أعطيها زيادة راتب

    • زائر 2 | 10:41 م

      المواطن هو الخاسر الأكبر من قانون العمل

      عندما هربت العاملة من منزلي فجرا كان بترتيب مكتب الخدم الذي أحضر لها تكسي تحت الطلب عند الباب وشكتني لوزارة العمل من عدم دفع الرواتب لها وعندما تبين عكس ذلك قال لي صاحب المكتب ماذا تريد منها أكثر خدمتك سنة ونصف وهذا يكفي اتركها وشأنها ولن تخسر شيئا لا تذكرة ولا زيادة في الوزن. في الآخير عرفت أن صاحب المكتب هو من هربها من البيت ويعترف بذلك ويكابر ويهدد بأن له هامور كبير في الوزارة يستيطع أن يؤديني. فعملت له رليز ، ماذا عساني أن أفعل وأنا مهدد من قبل هامور كبير في الوزارة.

    • زائر 1 | 10:35 م

      الخدم !

      الحل تشديد القوانين بما يحفظ حقوق الكفيل...نعم للخادمه حقوق..وللنخدوم حقوق..
      الحل الحكومي هو تشديد القوانين ومنع اي مبعد من الدخول للدول الخليجيه...يعني لي شردت ماتطب اي دوله خليجيه لان غصابات التهريب تشتغل بكل دول الخليج ولربما تكون نافيات مرتبطه ببعض..
      الحل الشعبي هو عدم القبول باي عامل فري فيزا يعمل بدون تصريح...والتبليغ عنهم...
      لربما ان وجد انستجرام خاص على شاكله runawaymaidsbh راح يكون اكبر حساب انستجرام بالبحرين والخليج هههه

اقرأ ايضاً