«بوكو حرام» يقولون بأنهم مسلمون. «داعش» بأفرعها تقول ذات الأمر، ومعها «القاعدة» بأفرعها، والمئات من الجماعات المتطرفة في العالم ممن تدَّعي الانتساب إلى الإسلام... كلهم يقولون بأنهم مسلمون! إذاً ماذا عنا نحن الذين لا نؤمن لا بقول ولا بفعل تلك الجماعات؟ ألسنا مسلمين ونقول أننا ننتسب إلى الإسلام أيضاً؟ إذاً، أين الفاصل بيننا وبينهم؟ وهل ينتمي كل واحد منا إلى إسلام مختلف عن الآخر يؤسس لحياته المختلفة؟
لن نجادل في همجية أفعال أولئك النفر، لكن الحقيقة الواضحة هي أن ما يُباعدنا عنهم هو الفهم المختلف بيننا وبينهم لـ «لإسلام». نعم، قد تكون تلك الجماعات مخترقة ومُسيَّرة عن بُعد، لكن الأكيد هو أن العديد منهم يفعلون ذلك بنزعات ذاتية، بعيدة عن تأثير الخارج، الذي إنْ كان له حضور فيها فهو حضور لوجستي وظيفي لا أكثر. في المحصلة فإن ذلك الفرز يجعلنا نتساءل: كم يُمثل مَنْ يحملون ذلك الفهم من المسلمين؟
لو حصرنا كل الجماعات المتطرفة التي تدَّعي الانتساب إلى الإسلام وقدَّرنا أعداد منتسبيها سنكتشف أنها جرم صغير لا يكاد يُرى بيننا. فمن «داعش» و»القاعدة» في العراق وسورية واليمن والمغرب العربي، و»بوكو حرام» في نيجيريا و»حركة الشباب» في الصومال، وغيرها من الجماعات في الشرق والغرب لن تزيد مسمياتها عن المئتي جماعة، حتى ولو كان لها تذارر هنا وهناك، ونتج عنه جماعات صغيرة تعمل بشكل «كونفدرالي».
ولو تجاوزنا وقلنا أن كل جماعة من تلك الجماعات لديها قرابة الـ 10 آلاف مقاتل، فإن ذلك يعني أن نسبتهم في أفضل الحالات لن تتجاوز الـ 0.1 في المئة من تعداد كل المسلمين الذين وصل نَسَمُهُم المليار والـ 620 مليون إنسان. وإذا ما تسامحنا مع افتراضنا الأول وقلنا ما يردده الكثيرون بأن القضية لا تنتهي في هؤلاء كقوة عضلية منضوين في تلك التنظيمات، بل هي أيضاً في المؤيدين لها، والذين يتحدثون في وسائل الإعلام الاجتماعي.
حسناً، سنحاول أن نضم أولئك أيضاً (رغم افتراضيتهم الوجودية) كي نعرف هل النسبة لهؤلاء ستضيف أرقاماً أخرى؟ مؤخراً نُشِرَت دراسة تقول بأن هناك 43 ألف حساب في «تويتر» مؤيد لـ «داعش». ونحن هنا سنضيف عليه ضعفاً آخر، نوزّعه على بقية التنظيمات، لنفترض بأن الرقم هو 86 ألف حساب، ثم نُحوِّل أصحاب تلك الحسابات إلى أنصار حقيقيين ثم نتساءل: كم ستزيد النسبة يا تري؟
ستبقى النسبة على ما هي عليه وهي: 0.1 في المئة من مجموع المسلمين. ولو تجاوزنا أيضاً وقلنا «افتراضاً» وبتسامح مع الأرقام أن في كل بلد إسلامي من البلدان الـ 57 لديهم نصف مليون مناصر فكم ستكون النسبة؟ إنها لن تتجاوز الـ 1.7 في المئة. بمعنى أن هناك 98.3 في المئة من المسلمين لا ينتمون ولا يُقرُّون بما تقوله وتفعله تلك الجماعات المتطرفة.
أقول هذا الكلام كي ننظر بمجهر أكبر للقضية ونُعيد الاعتبار إلى أنفسنا. يجب أن نقتنع بأن تلك الجماعات هي نقطة في بحر. ربما يكون صوتهم أعلى لسبب واحد وهو أنهم يرفعونه في حضرة العقل لا أكثر. فحين يصرخ مجنونٌ وحيدٌ في محضر من العقلاء فإن صوته سيكون هو المسموع دون أن يعني ذلك أن لا وجود فيزيائي في المكان إلاَّ هو. فمجرد أن يتحدث البقية سيغيب الصوت النشاز.
وهذا هو المهم في الموضوع. أن نتحدث كما هم يتحدثون، شريطة أن يكون حديثنا صريحاً وواضحاً، دون أن يسبقه «لكن» و»لو». فجزء من المشكلة أن البعض مازال يمنح الموضوع أبعاداً سياسية تُبرِّر ما جرى كوجود الظلم والظلامات، وبالتالي يصبح الموضوع نتيجةً لأشياء سابقة أصلية، تجعلنا نُفاضل بين البدء في معالجة هذه أو تلك! وبالتالي يغيب الدَّاء العضال بين أدواء أخرى أقل منه، فتضيع معه أولويات العلاج.
أعود إلى مسألة إعادة الاعتبار لأنفسنا، فهي إحدى أهم (وربما الأمضى) وسائل التأثير وإزاحة تلك القلّة عن الصورة والمشهد. وقد تحدثت في وقت مضى من الآن أنني وخلال مشاركتي في إحدى الندوات العالمية المعنية بـ «فقه رؤية العالَم والعيش فيه»، وجدت العشرات من رجال الدين من مختلف أنحاء الدنيا، من أصحاب الاعتدال والعقل وقد ضيَّعتهم جعجعات التطرف وبذاءة ألسنته الموغِلة في الشتيمة والسُّباب. حيث لا نسمع صوتاً لهم بسبب «غفلة» الإعلام العربي والإسلامي عنهم رغم حاجتنا لأصواتهم.
الذي يهم اليوم، هو أن نرى «كثرتنا» المنطقية (وليس كثرة الدهماء) أمام «قِلَّة» الجنون والتعصب تلك، فنعيد بذلك الاعتبار لديننا ومجتمعنا. عندما تحرَّكت جماعة الألوية الحمراء في إيطاليا كمنظمة سرية إرهابية في بداية السبعينيات من القرن الماضي لم تستطع أن تستمر لأن منطق الغالبية الإيطالية هو الذي ساد وأزاحها، لأنه لم يكن يؤمن بحوادث الاغتيال ولا الخطف ولا السطو على البنوك تحت حجج واهية. الأمر ذاته تكرّر في البيرو واليابان وألمانيا التي شهدت حركات تطرف في فترات سابقة.
نحن اليوم أمام تحدٍ تاريخي كبير، يتطلب منا أن نؤمن ونقتنع بأنفسنا وبمنهجنا. وأن نحفظ الأجيال من براثن هذا الفكر الغريب، الذي رغم ما قال به ورغم حجم الاستخدام الاستخباراتي له، لم يستطع أن يُصبح رقماً بيننا، لأن هويته غريبة عن أصل الهوية الشامل، التي لا يؤمن بها أصحاب الأديان السماوية فقط، بل الإنسانية جمعاء.
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 4580 - الأحد 22 مارس 2015م الموافق 01 جمادى الآخرة 1436هـ
قالوا
قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا غ– قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَظ°كِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ غ– وَإِن تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا غڑ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (14) (الحجرات)
هذا هو الفرق بيننا وبينهم .... الأيمان يا طويل العمر ... نتنياهو لو نطق الشهادتين لأصبح مسلما
متابع
اليمن السعيد ينتظرك
ضرب الكتب التكفيرية
يجب ضرب هذا الفكر الأعمى في التراث التكفيري كذلك والموجود في الكتب
عالم الدين متطرف و معتدل في نفس الوقت
عالم الدين عندما يذهب لمؤتمرات التقريب يكون معتدل ، و إذا ذهب لمؤتمرات الحرب يكون متطرف .. و كل هذا بسبب أنه يعتمد على غيره في الرزق ، و من لا يملك رزقه لا يملك حريته.
شكرا لكم من القلب يا استادى الفاضل
نعم لقد وضعت اصبعك على الجرح ولكن كيف لنا ان ننسئ او نتناسى هناك دول عربيه انغمست وانخرطت وهناك منابر من اعواد وقف عليها علماء كما يحلوا لهم فى نفس تلك الدول الداعمه بتسليح وتمويل هاده الحثاله البربريه الهمجيه منصرين اهل السنه لا ادرى اى سنه هاده والخوف الثانى من ..............الشيعى وهادا لا بد ان نضعه فى الاعتبار لان قسموا المقسم وجزؤ المجزء فهم اليوم بين خيارين لا ثالث لهما مقاتله التكفيريين السلفين ام الطرف الاخر الدواعش واخواتها قتلوا من السنه ومن الشيعه وسيقتلون حتى الدين وقفوا معه
حالش و داعش
حالش و داعش وجهان لعملة واحدة
انه تمويل المال السياسي لهم
لقد تم توفير المال السياسي والإعلام الموجه لتكفير الاخر تحت السيطرة المباشرة من داعميهم لكن خرجوا من نطاق الطاعة العمياء الى دائرة اتخاد القرار فبدأت مشاكلهم وترتد على من صنعهم ويبقى تأثير الأقلية ذات الإمكانيات المالية او العسكرية والاقتصادية والإعلامية الكبيرة مؤثر في الأكثرية الصامتة ونقول علاج ذلك هو محاربة وتقليم أظافرهم في بيئتهم الحاضنة وهي المعروفة لكن المصالح الاقتصادية تمنع اتخاد مواقف قوية من الغرب المتوحش الداعم لأنظمة استبدادية في العالم