أقرت الحكومة الإسبانية العام الماضي قراراً مميزاً وجريئاً في إطار رغبتها في تصحيح «خطأ تاريخي»، في (السادس من يونيو/ حزيران 2014) مشروع قانون يُسهّل حصول أحفاد اليهود (السفارديم)، الذين طردوا في العام 1492 من المملكة الإسبانية، على الجنسية. وبموجب هذا القانون المقترح، توافق إسبانيا على منح جنسيتها لليهود الذين يثبت أنهم من «السفارديم» المنحدرين من اليهود الذين أبعدوا العام 1492، عندما أمرت الملكة إيزابيل القشتالية، وزوجها الملك فرديناند، ملك أراغون، الكاثوليكيان، بطرد جميع من رفضوا اعتناق المسيحية. وكان «مرسوم الحمراء» الصادر في العام 1492، والذي طُرد بموجبه اليهود «السفارديم» من إسبانيا، بقي ساري المفعول رسميّاً حتى العام 1967.
القرار تجاهل مطالب الموريسكيين المسلمين «الموريش» الذين تقطن أغلبيتهم الساحقة بشمال المغرب، بعد تهجيرهم قبل خمسة قرون من الأندلس.
أحد الإجراءات التي كانت بمثابة التأكيد على نظرية المؤامرة هذه في وقت لاحق، هو المرسوم الذي قضى بإبعاد اليهود عن إسبانيا في (الحادي والثلاثين من مارس/ آذار 1492)، والذي ربط طرد اليهود بطرد المسلمين عبر عدة عوامل: عندما يجب على هؤلاء مغادرة البلد، فلابد للآخرين (المسلمين) من فعل ذلك أيضًا، بمعنى أنه على المتحالفين معهم أنْ يلحقوا بهم. علاوة على ذلك تستمرُّ الفكرة المهيمنة، القائلة بتآمر اليهود والمسلمين على المسيحيين والمسيحية منذ الخلافات المسيحية - اليهودية الأولى، وعبر تاريخ حملات هجوم المسيحية المعادية لليهود والمعادية للإسلام من العصور الوسطى وحتى العصور الحديثة. لذلك لم يكُن مفاجئًا أنْ يتضمن التحريض المسيحي المعادي للإسلام حتى العصور الحديثة «الحجج» ذاتها الموجودة في الحرب التحريضية المسيحية المعادية لليهودية، لا بل إنَّ مصطلحي «اليهود» و «المسلمين» قد تحولا إلى مصطلحين يمكن استبدالهما ببعضهما بعضاً.
وقد رأت الحكومة الاسبانية أنها ارتكبت خطأً تاريخيّاً قبل خمسة قرون بحق يهود اسبانيا، ومهما تكن الآراء السياسية، فإن الخطأ كان يجب أن يصحح من وجهة نظر الحكومة الإسبانية.
وقد نقل موقع «يوريو نيوز» في (أغسطس/ آب 2014) نقلاً عن اسحق غرو «سفارد تاريخ ومشروع للمستقبل. هل هي العودة؟ نأمل هذا. بالنسبة لنا، هذا القانون هو إلغاء لقرار طرد اليهود».
المسلمون كان لهم تأثير كبير في غرناطة، قصر الحمراء، هو النصب الرئيسي الذي بقي من الثقافة الإسلامية. معظم المساجد دمرت بين العامين 1492 و1571. وتم طرد المغاربة تدريجيّا بين العامين 1609 و1613.
قصر الحمراء في غرناطة هو رمز لدور الثقافة الإسلامية في تشكيل الثقافة الإسبانية الحالية. السؤال الذي يطرح نفسه، هو: هل سيرد الاعتبار لأبناء هذه الثقافة الأسلامية، كما يحدث الآن مع ثقافة السفارديين.
بينما رأت الصحافية الأوروغوانية، أليخاندرا ابو العافية أن الحصول على الجنسية الاسبانية يعني نهاية 500 عام من الحنين إلى الماضي: «بالنسبة إلي جواز السفر الاسباني يمثل العودة إلى الوطن المفقود، انه مفتاح. لا أعتقد أن السفارديين في جميع أنحاء العالم سيعودون إلى إسبانيا. ببساطة، انهم سيحصلون على الجنسية الإسبانية وسيبقون في دولهم. معظمهم لا يرغبون في البقاء في اسبانيا. انهم احتفظوا بمفاتيح منازلهم كرمز للحنين. الآن، إنهم يريدون استرداد باب منازل أجدادهم، وإسبانيا هي الباب».
وبحسب التقارير فان من الصعوبة معرفة عدد من يمكن أن يستفيدوا من القانون الجديد. لكن بعض التقديرات تشير إلى أن هذا العدد يصل إلى ثلاثة ملايين شخص على الأرجح. ويقول المؤرخون إن مئتي ألف يهودي على الأقل كانوا يعيشون في إسبانيا قبل عمليات الإبعاد العام 1492. أما من رفضوا الفرار أو اعتناق المسيحية فقد أحرقوا أحياء.
القرار الاسباني للأسف، وفي ظل هجمة الإرهاب التي تغزو العالم من قبل المسلمين، قد تجاهل مسلمي اسبانيا الذين كانوا الأغلبية العظمى من المهجرين، عقب إعلان محاكم التفتيش ضد مسلمي الأندلس بعد سقوطها، والذين كانوا أيضا ضحايا عمليات تعذيب وقتل ممنهج أشرفت عليه الكنيسة الكاثوليكية، لمجرد الشك في عدم اعتناقهم المسيحية.
غير أن أصوات أحفاد الموريسكيين المسلمين قد تعالت في السنوات الأخيرة مطالبة بمنحهم الجنسية الإسبانية، كنوع من رد الاعتبار لما عاشه أجدادهم مع مآسي التعذيب والتهجير، وهو المطلب الذي تتجنب إسبانيا مناقشته، علماً بأن أندلسيي المغرب سيكونون المستفيدين الفعليين منه، وخاصة أن جلهم لديهم وثائق تاريخية تثبت أصولهم الأندلسية، ليس هذا فقط، بل ان البعض مازال يحتفظ بمفاتيح أبواب منازلهم على غرار اليهود السفارديم. والخطأ نفسه الذي ارتكبته اسبانيا قبل خمسة قرون مازال يتكرر في عصرنا الحالي، لكن بصور ومسميات مختلفة وقد يأتي اليوم الذي يتم فيه الاعتذار، واعادة الأمور إلى نصابها الطبيعي.
إقرأ أيضا لـ "ريم خليفة"العدد 4580 - الأحد 22 مارس 2015م الموافق 01 جمادى الآخرة 1436هـ
موضوع شيق
ننتظر المزيد من كتاباتك الشيقة
500 سنة وعندهم مفاتيح بيوت أجدادهم !!!
هذا لنعرف مدى الجهل الذي نحن نعيش فيه فالكثير كن الأسر لوقت ليس ببعيد لا يملك حتى وثيقة ملكية لمنزلك !!!