ورد في معجم المعاني الجامع، أن كلمة احترام هي اسم مصدرها احترمَ، ومنها احترام الذَّات بمعنى الشعور بالكرامة، ونقيضها قليل الاحترام للآخرين أي مُهين لهم، ومنها جَدِير بِالاِحْتِرَامِ – أي بالتقديرِ والاعتبار- من يحترم، يوقِّره ويُكبر، واحترمه يعني كرّمه وأكبره، هابه، ورعى حرمتَه وأحسن معاملتَه حباً ومهابةً.
إن قيمة الاحترام في مجتمعاتنا المحلية قيمة يكتنفها التشويش والالتباس بسبب تداخل المعاني والمفاهيم، خصوصاً في إطار علاقة الرجل والمرأة في مؤسسة الزواج، فهذه المجتمعات درجت في سياق التنشئة الاجتماعية وإعادة إنتاج الثقافة السائدة التي تتمظهر في اتجاهات السلوك، درجت على تمرير مقولات شائعة غالباً ما يتم تغليفها بمبررات ايدولوجية دينية أو اجتماعية مستندة على منظومة العادات والتقاليد والأعراف، وهي في نهاية المطاف أقاويل تحط من قدر المرأة وكرامتها وكيانها بل وتمثل انتقاصاً لذاتها، ومن أمثلتها القول بأن «لا كرامة بين زوجين»، خصوصاً عندما يقع خلاف بينهما ويتم الضغط على الطرف الأضعف الذي غالباً ما يكون الزوجة، بأن تتنازل عن أبسط حقوقها الإنسانية في حرية التعبير عن رأيها ورفضها لما يوجه إليها من إهانات أياً كان شكلها ومستوياتها. فـ «لا كرامة» هنا تعني ببساطة شديدة «لا احترام»، وتعني القبول بأفعال الطرف الآخر برضا وقناعة أو تماهياً وتنازلاً على مضض أو خوفاً ورهبة من عواقب ردود الأفعال العنيفة والقاسية.
في هذا الشأن يقول ريتشارد كارلسون مؤلف كتاب «لا تهتم بصغائر الأمور مع أسرتك»: «إن قرين الإنسان شريك له في كل شيء، وأفضل أسلوب لمعاملة شريك العمر، هي معاملته كصديق حميم، وأن يكون هناك شعور متبادل بالتقدير، وأن لا يستخف أحدهما بالآخر مطلقاً».
إن الاحترام قيمة إنسانية عالية، وهو نقيض الإهانة التي تتجلي في التصرفات والسلوكيات غير المنضبطة أو التلفظ بالألفاظ القاسية والغليظة التي لا يراعى فيها مشاعر الشريك أو الصديق أو الشخص المقابل. الاحترام هو تلك القيمة التي إن وجدت، أضفت على العلاقات الإنسانية والحياة الزوجية مناخاً صحياً يفسح المجال إلى توليد لحظات الألفة والمحبة والمودة بشكلها الطبيعي والمستمر. والاحترام حالة تبادلية طوعية، بها ما بها من تعبير عن مستوى الارتقاء والتحضر الذي وصل إليه المرء في تفكيره وسلوكياته وغنى تجاربه الحياتية والمهنية.
قرأت مرة أن «المرأة قد تتنازل عن الحب، لكن لا تتنازل عن الاحترام»، بيد أن هذا القول برأيي المتواضع غير واقعي ويفتقد الموضوعية كما يتسم بالمبالغة، لماذا؟ لأنه لا وجود لأحدهما دون الآخر، أي إنه لا حب دون احترام، فالإثنان صنوان، بل ولأن احترام الشريك أو الصديق أو أي طرف تجاه الآخر، به ما به من تعبير عن احترام الإنسان لذاته وتقديرها والحفاظ عليها بأن لا تتمادى في ممارسة تحقير الآخر وإهانته.
في الحياة الزوجية وفي مختلف المجتمعات البشرية، لاسيما تلك التي تسودها العلاقات الأبوية «البطريركية الذكورية»، أثبتت التجارب أن كثيراً من أدعياء الوعي والثقافة لا يختلفون عن غيرهم في ممارسة سوء معاملة الشريك وإظهار عدم احترامهم وتقديرهم له، وشكاوى الزوجات في هذا الشأن كثيرة وتتعدّد من سوء معاملة الأزواج وقلة ما يتلقينه من احترامهم بما يشوبه من ممارسة لعنف لفظي وسلوكي يقضي في نهاية المطاف على المودة والحب والاحترام والاستقرار النفسي والأمان الاجتماعي في الحياة الزوجية.
حين ينعدم الاحترام تُفتقد قدرة الاستماع والإنصات للآخر وتسود المعاملة الندية والتقليل من الشأن والتحقير الذي يتجاوز أحياناً إلى العدوانية في أبشع صورها السلبية والغيرية، الظاهرة والمستترة، خصوصاً حين يكون أحدهما ذا شأن أو متفوقاً على الآخر مهنياً أو اجتماعياً أو تعليمياً، فضلاً عن تحميل الآخر اللوم والمسئولية عمّا يحدث من نواقص في الأسرة، صغيرها وكبيرها، فيكون عندها الشمّاعة التي تلقى عليها كل التبعات، وبذلك تفتقد التشاركية بين الشريكين في مشاعر الفرح والحزن، حيث يتمترس كل طرف منهما في ركنه في حالة تحفز ودفاع قوي عن النفس أمام الآخر، حتى وإن اقتنع أيٌّ منهما في أعماقه بخطأ موقفه، وبأن ما يحدث أسبابه تافهة، وقد تتطوّر الحالة فيفقد اللسان قدرته على حفظ الأذى، ويبدأ الاستهزاء والتحقير والشتم، وقد تمتد اليد لتأخذ دورها وحقها فتتجلى صور ممارسة العنف على المرأة في أبشع الصور وأحطها.
إن إشكالية هذه النوع من العنف المعنوي والنفسي، إنه يترك ندوباً وجروحاً نفسية غائرة على المدى البعيد، وأنجع الحلول للقضاء عليه هو تتبع ما يقوله صديقنا ريتشارد كارلسون:
- «أن تعيش حياتك بالحب كأولوية قصوى، وأن تضع توافه الأمور في نصابها الصحيح، وتفتح وعيك بجمال ومتعة الحياة، وأن تبدأ يومك بالحب، فتشدّ عزيمتك لتكون ودوداً صبوراً عطوفاً ورقيقاً في كل الأمور...
عش يومك بالحب، وتغاضَ عن نقائص الآخرين ونقائصك، وابذل جهداً كريماً ومجامِلاً ومتعاطفاً وعبّر عن امتنانك دائماً كي تختتم يومك بالمودة والحب والاحترام وتعيش بسلام».
إقرأ أيضا لـ "منى عباس فضل"العدد 4579 - السبت 21 مارس 2015م الموافق 30 جمادى الأولى 1436هـ