العدد 4578 - الجمعة 20 مارس 2015م الموافق 29 جمادى الأولى 1436هـ

قراءة في كتاب «تعدد السبل» للشيخ الفضلي

القطيف (السعودية) - عبدالله بن علي الرستم 

20 مارس 2015

في الفصل الأول من كتاب «تعدد السُبُل: الإسلام بين حفظ الهوية الحضارية للشعوب والتزام النظام الإسلامي» الصادر عن بيت الحكمة الثقافي ببيروت العام 2011 لمؤلفه الشيخ عبدالهادي الفضلي، يبدأ الكاتب، كعادته في كل كتبه، من التعريف بالمصطلح والمفاهيم ذات العلاقة بالفكرة المطروحة، فهو ينطلق من تعريف (السُبُل) تعريفاً ومفهوماً قرآنياً وتعريفاً اصطلاحياً معاصراً. وينبثق من هذا التعريف بعض المفاهيم، فالسُبل كاصطلاح معاصر يتفرع إلى معنيين هما: النظام والحضارة. وفي هذا الصدد لا يتوانى من تفريع المسألة حتى لا يلتبس الأمرُ على القارئ، فهو يفرّق بين الثقافة والحضارة والمدنية والنظام، ومن خلال هذا التفريع تتفرع لديه الحضارة إلى حضارة إقليمية وأخرى عالمية، وهناك حضارة قابلة للصمود وحضارة ليس لها قابلية الصمود.

ولا يخفى على الشيخ أن ينتقل من خلال طرح المفاهيم للمصطلح إلى طرح الشواهد التاريخية التي بدورها تقرّب الفكرة، ومن شواهد ذلك: أن الحضارة الإسلامية اكتسحت بلاد الشام في صدر الإسلام بما في ذلك صمود اللغة التي جاء بها الإسلام وهي العربية؛ لتحل محلّ اللغة الرسمية لبلاد الشام وهي السريانية التي تحولت إلى تدريس في الجامعات لئلا تندثر بدلاً من فاعليتها في أرضها التي هاجرت منها، ويقصد بذلك أن الإسلام بقوة حضارته لايزال صامداً إلى هذا الوقت.

في الفصل الثاني يطرح الكاتب شيئاً من التاريخ كمقدمة إلى مسألة تعدد السبُل، حيث تطرق إلى حلف الناتو الذي أنشئ لأجل إسقاط النظام الاشتراكي والذي يعد رأس هرمه الاتحاد السوفياتي، ما جعل النظام الرأسمالي والذي يمثله حلف الناتو يوجه البوصلة إلى الحضارة الإسلامية لغرض تعميم النظام الغربي وتوحيده على مستوى العالم وإلغاء ما يضادّه من حضارات، وخصوصاً الحضارات التي تمتلك الشمولية العالمية والصمود والتحدي.

ثم يتطرق الشيخ إلى كتاب (الفرصة السانحة) لمؤلفه الرئيس الأسبق للولايات المتحدة الأميركية ريتشارد نيكسون والذي يطرح فيه أفكاراً كثيرة منها: إذا أراد العالم الإسلامي النهوض من واقعه المتخلف أمامه ثلاثة خيارات اثنان ليسا من صالح الغربيين وواحد في صالحه، وهي: خيار الرجعية: وهو أن يقوم العرب برفع شعار القومية فيتوحدوا ضد عدو واحد، وخيار الأصولية الإسلامية: وهو أن يقوم المسلمون برفع شعار الإسلام كنظام بديل عن الاشتراكية والرأسمالية اللذين لم يلبيا طموحهما، وخيار التقدم: ومثال ذلك تركيا التي أخذت النظام العلماني بدلاً من الإسلام مع بقاء المسلمين فيها.

وأشار الشيخ الفضلي إلى أن مؤلف الكتاب يرى أن الصراع مع الحضارة الإسلامية وتصفيتها لأجل هيمنة القوى الغربية وحضارتها على العالم أجمع، ويتطرق إلى رأي طُرح في إحدى المجلات الأجنبية التي ناقشت العقائد الثلاث القائمة (الإسلام والمسيحية والماركسية) لتنتهي أن الإسلام يبقى نظاماً صالحاً للتطبيق والمعاصرة، ويؤكد بعدها أن الحضارة الإسلامية تشكل تهديداً للحضارة الغربية، ولذا يحاولون هدم كل حضارة تقف في وجههم لتعم العالم حضارة ذات اتجاهٍ واحد.

يُعرّج الشيخ بعدها على الإسلام الحاضن للحضارات المتعددة في ظل النظام الواحد، حيث يستشهد بآيات من القرآن الكريم وأنه يحافظ على الهويّات واللغات والانتماءات في ظل النظام الإسلامي الذي لا يلغي خصائص كل فئة وملّة، باعتبار أن النظام الإسلامي يحوي كل هذه السبُل المتعددة باستثناء الوثنية.

في الفصل الثالث والأخير يحدد الشيخ الموقف العملي من تعدد السُبُل، ويقول من خلال التاريخ إن المشركين وفلاسفة اليونان يؤمنون بالله سبحانه خالقاً، بيد أنهم لا يؤمنون بأنه مدبر لهذا الكون، فهم إما يجعلون له وسائط أو يلجأون إلى تفسيرات ماديّة.

في حين أن القرآن الكريم قال إن التدبير هو من الله سبحانه وتعالى (... ثم استوى على العرش يدبّر الأمر)، وبهذه الآية يضع الإسلام رؤية متقدمة حول العقيدة؛ ليضع الإنسان على الموضع الصحيح في معتقداته، فلا هو (الإسلام) الذي يهمّش ويلغي خصائص البشر كالانزواء ونحو ذلك، ولا هو الذي يذهب إلى تأليه البشر والاعتماد على الجوانب المادّية، فهو بذلك أمرٌ وسطٌ بين التأليه والتهميش، فهو الفاعل والخليفة في الأرض من دون استقلالية عن الخالق.

ويختم الشيخ بقوله (إن هذه الرؤية التي يقدمها الإسلام، نظرياً وتطبيقياً، في التعامل مع الحضارات الإنسانية، تضع الإسلام نظاماً وفكراً له القدرة على قيادة الحياة على هذه الأرض، بمرونة وصلاحية عالية، تعطي للإنسان الأمل في أن يعيش بسعادة وكرامة وهبتها له السماء، ومن دون منّة من نظام أو قوّة مسيطرة، كما هي الحال مع بقية الأنظمة والحضارات الأخرى).

وأكد الشيخ من خلال الأسئلة التي وجهت إليه على الالتفات إلى ما يحيكه الأعداء ضد النظام الإسلامي والابتعاد عن الخلافات الجانبية بين المسلمين، مع إشارته إلى الدور الفكري في تعرية الاشتراكية من جذورها، سواء كتابات غربية أو عربية أو إسلامية، مؤكداً على دور الشهيد الصدر وروح الله الخميني في مناقشة الاشتراكية وأن نجمها سيأفل حينها وقد أفل نجم الاشتراكية.

العدد 4578 - الجمعة 20 مارس 2015م الموافق 29 جمادى الأولى 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً