العدد 4578 - الجمعة 20 مارس 2015م الموافق 29 جمادى الأولى 1436هـ

المرأة قبل النفط... حسينية الماحوزي

تاريخ الميلاد: 1905م - 1942م

المكان: بلاد القديم

سرد: عبدالكريم علي العريض (ابنها)

هذا ما سرده لي والدي عبدالكريم العريض عن والدته حسينية.

تحدثت محفوظة نقلاً عن أمها حسينية أن جدتها علوية شج رأسها في حادث أليم حيث ضربها على رأسها أحد الأشرار. كان جدها السيد علي بن السيد إسحاق يعيش مع أسرته في بلاد القديم وقد خرج الجميع من المنزل إلى البساتين البعيدة، إذ كانت منطقة الخميس وما جاورها من المناطق الخطرة في تلك الفترة، حيث فُقد فيها شيخ البحرين الشيخ علي بن خليفة (كتاب «تاريخ الجزيرة العربية»، البهائي ص 187). بقيت الطفلة وحدها في المنزل تلعب في البهو ومن ثم دخل بعض الرجال الغرباء إلى المنزل بقصد السرقة إلا أنهم لم يجدوا ما يسرقونه، فذهب أحدهم ليشرب الماء فرأى الطفلة تلعب وحدها وما كان منه إلا وأن ألقى القدح على رأسها من دون أن يلتفت إلى ما فعله في الطفلة التي انطرحت على الأرض والدماء تسيل من رأسها. وعند خروجه من الدهليز كان هناك حمار مربوط من رجله في زربه في الجدار، فكر الرجل في أخذ الحمار وجلس القرفصاء وأخذ يفك قيد الحمار، وما أن فك قيد الحمار حتى «نطله» في بطنه وخرج من الباب وهو يصرخ وسقط بالقرب من عين قصاري. انتشر الخبر وأصبحت القصة مشهورة في القرية باسم حوبة العلوية علوية (الحوبة أو الكارما السيئة هي ردة فعل لعمل شيء). أخذ أهالي القرية ينذرون لها بعد أن شافاها الله والقدرة الإلهية هي التي أنقذتها من الموت، وقعت تلك الحادثة في يوم موت الشيخ على بن خليفة حاكم البحرين نفسه.

عندما خسر والدي ما يملك من رأس مال في تجارة اللؤلؤ، أعطته أمي ما لديها من مصوغات ذهبية مما تملكه من ميراث من أمها وهو في حدود الكيلوجرام من الذهب لكي يصلح وضعه في السوق. غير أن الأزمة العالمية وكساد سوق اللؤلؤ لم تسانده في ذلك وصرف المال في أغراض احتياجات الأسرة إلى أن توفى في العام 1942م.

قالت محفوظة:

لقد رأيت جدتي علوية عندما أتت لزيارة ابنتها حسينية في منزلنا في المنامة سنة 1938م. كانت جميلة جداً ولها شعر ذهبي وبشره بيضاء نضرة وطول معتدل وقوام رشيق. كانت زيارتها لنا في بيتنا في المنامة قصيرة جداً. أتت عصراً في سيارة أجرة وكانت تنتظرها على باب البيت لتأخذها إلى بلاد القديم فيما بعد. كانت السيارة من صنع شركة فورد موديل 1928م، على ما تتذكر أختي محفوظة، فقد خرجت من المنزل لكي أركب السيارة معها وأمسكت بثيابها وبكيت ولكن أختي أمسكت بي وأدخلتني المنزل وأغلقت الباب بإحكام. توفيت علوية عن عمر ناهز67 سنة وكان ذلك في العام 1939م.

كان لدى جدتي علوية ابنتان وولدان هما حسينية وهاشمية، وأما الولدان فهما ناصر وعيسي. في البداية تزوج أبي من هاشمية، ولكنها توفيت بعد تسعة أشهر من الزواج. وبعد ذلك بفترة تزوج من أختها حسينيه، والدتي، فأنجبت بنتين وثلاثة أولاد وهم طيبة، محفوظة، وكريم، وصالح وطاهر.

تزوجت حسينية في سن السابعة عشرة. أهدتها والدتها في ليلة زواجها طاقية توضع على الرأس بها وريقات من الذهب عددها اثنا عشرة ورقة، وهذه الوريقات عادة تهدى أيام النيروز إلى موظفي الدولة الكبار في الدولة الصفوية، مع مجموعة من المصوغات القديمة مثل الأساور وقلادة وبعض الخواتم. هذه المجموعة كانت ميراث من والدتها كما قيل لي، والمصنوعة في القرن السابع عشر، وبعضها جُلب من إيران.

تمتلك عائلة آل إسحاق أراضي زراعية كثيرة وحدائق. وقد تم بيع أرض بمبلغ كبير جداً في قرية الصالحية الواقعة بالقرب من مقبرة أبوعنبرة، وهي مليئة بأنواع مختلفة من الفواكه والخضروات ومختلف أصناف النخيل، وتسقى مباشرةً من عين قصاري الصغيرة (عين الدوبية). قرر سيدعلي بن سيدإسحاق وهب الأرض إلى مسجد السدرة الواقع في بلاد القديم، وكذلك عدد من قطع الأراضي المليئة بالنخيل والحدائق للتمويل والمساعدة في تدريس العلوم الدينية. هذا الوقف مسجل ومحفوظ بالحفر على أحد حيطان المسجد. كانت والدتي الزوجة الثانية لأبي علي العريض فقد كان متزوجاً من خديجة بنت أحمد بن رضي قبل 25 عاماً. وله من الأبناء مدينة، ومريم، وعبدالعزيز (الذي توفي في حادث سباق الخيل بالقرب من قلعة الديوان في زفة حسن بن عبدالرسول بن رجب) قبل ست سنوات من ولادتي، وذلك في العام 1928م. كانت حياة والدتي مع والدي حياة مرفهة على رغم وجود زوجه ثانية تعيش في المنزل نفسه. كان بيت العائلة كبيراً ويقع في فريق الحطب عند مدخل سوق المنامة من الجهة الشرقية، وهو عبارة عن طابقين، جدرانه من الحجر البحري والطين الأبيض والجبس العربي، وبه بئران وحمام في الزاوية الجنوبية. يتخلله شارع الشيخ عبدالله الذي يفصله عن بيوت الجيران. أما سقفه فكان مغطى بسعف وجذوع النخيل، وفي الجهة الشرقية يوجد مكان مسقوف يستخدم للنوم صيفاً. سقفه مصنوع من الحجر ويوجد به حمام ومغطى على شكل الجمل (جملون). لقد ورث أبي هذا البيت من والده محمد حسين العريض الذي كان معروفاً في السوق بتجارة اللؤلؤ، وهو أحد التجار المرموقين في القرن التاسع عشر.

تزوج محمد حسين ابنة عمه مدينة، حيث رزقت بولد أسمته علي هو ابنها الوحيد ولذلك كان يطلق عليه (علي مدينة). بعدها تزوج من امرأة من عائلة أبوديب ورزق منها كلاً من عبدالله وحسناء. أما زوجته الثالثة فهي خديجة بنت شيخ نصر العصفور وأنجبت له محسن، وعبدالنبي، ومنصور، ورضي، ومريم، وشيخة.

كان لدى والدتي مطحنة مصنوعة من الحجر تطحن بواسطتها النبق (السدر) الذي يجلبه لها والدي من مزرعة بلاد القديم، وكذلك أوراق الحناء التي كانت تجففها وتطحنها وتبيعها للنساء. كان لديها بقرة سوداء اللون. في يوم من الأيام ذهب أخي صالح إلى البقرة فنطحته في وجهه وبدأ ينزف. فقرر والدي أن يبعث البقرة إلى بلاد القديم إلى منزل خالي السيد ناصر الماحوزي. كانت هذه البقرة مصدراً للدخل بالنسبة إلى والدتي فقد كانت تبيع حليبها إلى الجيران. لذلك أصبحت حزينة لخسارة ذلك المدخول الذي كانت تنفقه على أولادها. تدهور الاقتصاد بالنسبة لوالدي وخسر والدي الكثير من رأس ماله نتيجة الانخفاض الذي أدى إلى سقوط سوق اللؤلؤ. كانت الخسارة في حدود الـ 30,000 روبيه، وذلك خلال الحرب العالمية الثانية (1939-1945). ذكر ذلك الشملان في كتابه «تجار اللؤلؤ في الخليج»، ما أضاف إلى حزنها أن والدي باع كل ما كانت تمتلكه من ذهب ومجوهرات. شكلت تجارة اللؤلؤ أكبر خسارة لوالدي وكانت الخسارة تتلو الأخرى. بدأ ببيع ما يمتلك من عقارات، فكانت دالية الماحوز هي البداية، حيث بيعت على أخيه منصور العريض بمبلغ بخس. وكان كلما يبيع عقاراً يصرفه من دون أن يفكر في الادخار والاستثمار. ولديه مثال اعتقده ساذجاً يقول فيه: «اصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب». أخبار الحرب العالمية كانت تسيطر على تفاصيل الحياة، وعلى تخزين المؤونة في المنازل. بدأت المواد الغذائية في الانحسار شيئاً فشيئاً من الأسواق مثل السكر، والرز، والدقيق، والقمح والزيت. خزن أبي ما يكفي من المؤونة في المنزل تكفي لشهرين. أغلق الخباز مخبزه لعدم وجود الدقيق وكان قد استأجر دكانه من أبي فتوقف الخبز والدخل في آن واحد. كانت أياماً صعبة علينا. وكانت صورة جورج الخامس وبناته إليزابيث ومارجريت ملصقة على أحد جدران غرفة النوم. كانت غرفة النوم تحوي فانوساً موضوعاً على طاولة صغيرة، وسريراً مصنوعاً من خشب الأبنوس الهندي وصندوقاً منقوشاً بثلاثة رفوف من الأسفل. كان في الغرفة مخزن وبه أرفف لتخزين الحاجيات وكنت دائماً أتسلق إلى الأرفف لكي ألعب هناك. وعلى الجانب الآخر يوجد حمام وبه سخان ماء (سماورد) لتسخين الماء في فصل الشتاء للاستحمام. وأما الأرض فكانت مغطاة بحصير القش المصنوع من الأسل والتي تنبت على ساحل سترة. كذلك توجد سلة مطرزة معلقة على الجدار. يوجد في الغرفة ثلاثة رفوف مبنية في الجدار تسمي روزنة (وهي فتحات داخل الجدران تعامل على أنها رفوف لوضع حاجيات البيت عليها) وضع فوقها الخزف الصيني والأواني النحاسية والتي كانت تستخدم للضيافة، وبندقية قديمة بست طلقات ومجموعة من الكتب.

العدد 4578 - الجمعة 20 مارس 2015م الموافق 29 جمادى الأولى 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً