«ﻣﺎ ﺯﻟﺖُ ﺃﺅﻣﻦ ﺃﻥ الإﻧﺴﺎﻥ ﻻ ﻳﻤﻮﺕ ﺩﻓﻌﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﻭإﻧﻤﺎ ﻳﻤﻮﺕ ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﺍﻷﺟﺰﺍء؛ ﻓﻜﻠّﻤﺎ ﺭﺣﻞ ﺻﺪﻳﻖٌ ﻣﺎﺕ ﺟﺰء، ﻭﻛﻠّﻤﺎ ﻏﺎﺩﺭﻧﺎ ﺣﺒﻴﺐٌ ﻣﺎﺕ ﺟﺰء، ﻭﻛﻠّﻤﺎ ﻗﺘﻞ ﺣﻠﻢٌ ﻣﻦ ﺃﺣﻼﻣﻨﺎ ﻣﺎﺕ ﺟﺰء، ﻓﻴﺄﺗﻲ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﺍﻷﻛﺒﺮ ﻟﻴﺠﺪ ﻛﻞ ﺍﻷﺟﺰﺍء ﻣﻴﺘﺔً ﻓﻴﺤﻤﻠﻬﺎ ﻭﻳﺮﺣﻞ».

هذا ما كتبه جبران خليل جبران، ولوهلة قد يشعر بعضنا أنه ضربٌ من السلبية، أو ربما ليس تماماً، لكنه سيقول إنه منافٍ للدعوة لاستمرار الحياة باعتباره كلاماً يحمل نظرة سوداوية تعبّر عن مشاعر قد يحاول بعضنا نسفها من حياته.
مقولة جبران تلك قرأتها من حساب إحدى صديقات الفيس بوك، لكنها استعمرتني ووجدتني أكتبها وتكتبني مباشرة؛ فنحن كذلك شئنا أم أبينا.
وما نكون إن لم نكن مجموعة الأصدقاء والأحبة والأحلام والأمنيات؟
تكوّنت شخصياتنا بهذا المزيج من المشاعر والأشخاص وارتباطنا بما/ من حولنا.
من نكون إن لم نكن مجموعة المواقف والذكريات التي تربطنا بأحلامنا ومن حولنا، ما قرأنا وما عشنا من تجارب، ما شاهدنا من دراما حقيقية أو على شاشات التلفاز أو في السينما أو المسرح؟
من نحن إن لم نكن ضمائرنا وتاريخنا وكل لحظات حياتنا بمرّها وشهدها؟
من نحن إن لم نكن أفكارنا ومعتقداتنا وخلاصة علمنا ودروس الحياة التي مررنا بها؟
حين يفلت منا حلمٌ أو نتنازل عنه أو نودعه سلة المهملات بحجة استحالته، فإننا نستقطع جزءاً من عزائمنا، جزءاً من قوتنا ومشاعرنا وإيماننا بأنفسنا، وهو ما يعني أننا خسرنا جزءاً منا.
وكلما تناقص من حولنا شيء، أو ودعنا أحداً وداعاً دائماً، نفقد جزءاً من تكويننا؛ باعتبارنا سننسى تفاصيل هذا الراحل مع الوقت وسنحتفظ بالخطوط العريضة والعنواين الفرعية والرئيسية في دفتر يومياتنا معه، حتى وإن حاولنا اقتناص كل لحظة والمحافظة عليها في ذاكرتنا وتغليفها جيداً بأرقى أنواع «السلفان» كي لا تفلت.
حين يتوهم بعضنا أن بإمكانه العيش بذات القوة وذات الذاكرة وذات الشخصية وإن خسر جزءاً من تكوينه الأشمل: الأحلام، الشخوص المحيطة، المواقف، الذاكرة، المكان... سيكون في العميق من الوهم وفي البعيد عن الصواب، خصوصاً بعد كل الدراسات العلمية التي خلصت إلى معنى ما كتبه جبران بشكل أو بآخر؛ باعتبار الإنسان كائن اجتماعي بحاجة للآخر مهما كانت قوته.
ولهذا علينا المحافظة على ما يمكننا الحفاظ عليه: الأحلام والأمنيات والأصدقاء والأهل وكل ما ليس لنا يد في رحيله، كي نشعر بأنفسنا بشكل أعمق، ونحافظ على تكوينها بشكل سليم؛ فيكفينا ما خسرناه وسنخسره من غير أن تكون لنا يد في رحيله قبل وداعه وداعاً يليق بنا قبل أن يليق به أحياناً.