لا نعلم إن كان المقصود بالجدل المحتدم اليوم هيئة الثقافة والآثار أم رئيستها! هناك من رقص وفرح وأقام الحفلات بسبب فصل الثقافة عن السياحة، وتكليف وزير التجارة والصناعة بالسياحة، وقبل يومين قرأنا في الصحف المحلّية أنّ وزير الأشغال والبلديات سيكون المسئول عن هيئة الثقافة والآثار! ولا نعلم إلى أين سيستقر الحال بهيئة الثقافة والآثار ورئيستها المتميّزة! ولماذا تُلقى الثقافة في العرض هكذا؟ مع احترامنا لوزير الأشغال، ولكن هناك رئيسة مسئولة عن الثقافة هي من وجب الاستفسار منها!

نعلم أنّ الشهادة مجروحة في حق مي بنت محمّد آل خليفة، ويكفينا فخراً بأنّ الشعب البحريني أحبّها كإنسانة قبل أن يحبّها كوزيرة أو رئيسة للهيئة، أيضاً نتعجّب من هذا الحال، عندما تقود مي بنت محمّد آل خليفة ملف الثقافة وتستثمر فيه، وهناك من يريد إيقاف عملها الرائد، الذي قلنا سابقاً بأنّنا نتمنّى من الوزراء أخذ دورة تدريبية في هذا العمل!

ماذا نقول لكم اليوم ونحن نشاهد الجميع يقف ضد هيئة الثقافة ورئيستها، وعلى رأسهم بعض النّواب، الذين لم يتوقّفوا عن مهاجمتها منذ دخولهم البرلمان، ولكأنّ مشكلات البحرين تتمثّل في ربيع الثقافة ووزارة الثقافة سابقاً وهيئة الثقافة حالياً ورئيسة الثقافة!

وكالعادة لا ينتفض هؤلاء النّواب لتحسين المستوى المعيشي للمواطن البحريني، ولا يستنهضون القوى من أجل محاسبة المفسدين وسرّاق الأراضي، وطبعاً لم نجدهم يستنفرون بحثاً عن أموال النفط التي تحدّث عنها سابقاً عضو مجلس الشورى حالياً عادل المعاودة، ولكننا نجدهم يستصرخون بأعلى صوتهم على ربيع الثقافة وعلى من سيحضر.

ألهذه الدرجة هناك خوف من قبل هؤلاء النّواب على مسألة الثقافة؟ هل هناك حرب ضروس يشنونها على رئيسة الثقافة؟ أم إنّها تتكلّم بشكل عام ونحن نتصيّد عليها الأخطاء فقط! ما نقول إلاّ «أسمع كلامك أصدقك، أشوف أمورك استعجب»!

الحملة التي يشنّها هؤلاء النّواب لاستضافة هيئة الثقافة إحدى فعاليات مهرجان ربيع الثقافة خلال شهر ابريل/ نيسان المقبل، الصحافية والكاتبة اللبنانية جمانة حداد، ومطالبة وزارة الأشغال بمنع دخول هذه الكاتبة إلى أراضي البحرين، ما هي إلاّ خطوط خطيرة نتمنّى على القيادة التدخّل فيها، فالخلط بين هيئة الثقافة وربيع الثقافة من قبل هؤلاء النوّاب ليس بجديد، وقد ذكّرناهم مراراً بأنّ ربيع الثقافة لا دخل له بهيئة الثقافة، وأنّه تابع لمؤسسة أهلية تدعمها الحكومة ونتمنى منها عدم التوقّف عن دعمها، بسبب إيمانها بما تستثمره هذه المؤسسة من أجل البحرين وأهلها!

نتكلّم عن الفكر المتطرّف وعن محاربة الفكر المتطرّف، ولكننا نحارب أي فكر آخر ولو كان أمسية شعرية وموسيقية لجمانة حدّاد باسم «مأدبة شعر»، ونتّهمها بالزندقة والإلحاد ولا نريدها دخول أراضينا، كما حدث من زوبعة في السابق للمفكّر الإسلامي عدنان إبراهيم.

التطرّف هو عدم إيماننا بثقافة الآخرين، والتطرّف هو خلط الأمور الشخصية بأخرى عامّة، ولو كانت أمسية جمانة حدّاد عن الإلحاد لساندنا النوّاب، ولكن هذه الأمسية هي عن الموسيقى والشعر فقط، ولا دخل لها لا بالدين، فلماذا هذا الاستنفار يا نوّاب؟

نتمنّى من هؤلاء النوّاب الاستنفار لأملاك الدولة، والاستنفار لمحاسبة المفسدين وعلى رأسهم قضيّة «ألبا/ ألكوا»، كما نرجوهم محاسبة الوزراء واستجوابهم في البرلمان، قبل أن يُقال عنهم «أبوي ما يقدر إلاّ على أمي»!

ختاماً منبر الثقافة هو ليس منبراً دينياً، وإنّما هو منبر ثقافي يحتوي كل الثقافة وبشتّى أنواعها، الثقافة الدينية والاجتماعية والتاريخية والموسيقية وغيرها، وخلط الأوراق يؤدّي إلى تدهور ثقافة المجتمع، وهو ما أوصلنا إلى ما نحن عليه اليوم من تطرّف. فلننفتح على العالم، ولدينا الحجج في إقناع الآخرين بوجهة نظرنا، وليحضر القاصي والداني إلى البحرين، ونحن في أمان، فهل وصلت الرسالة؟ وجمعة مباركة.