تبتسم لك تلك الزهرة لتعبر عن حبها في كل صباح، لترسم لك أفق السعادة، فيطربك العصفور من أغاني المحبة، لترفع عينيك فتهبك الشمس مقداراً من الدفء والسخاء، فتلتفت من حولك فترى يداً رؤومة تمسح شعرك وتضمك إلى قلبها، وصديقاً يهديك تهنئة في عيد ميلادك وزميلاً يخفف حملك ويشد من أزرك، وجاراً يزيل الأذى عن طريقك، وطفلاً صغيراً يعانقك ويرسم لك في دفترك وجوه الابتسامة، وقد تمشي في الشارع فتجد من يرشدك إلى مبتغاك ويحملك دعوات بالسلامة، وفناناً يلون جدارية في حي معدم صغير، فينشر الفرحة في قلوب الصغار ويزرع أملاً بالحياة عند الكبار، وطبيباً يداوي جرحك ويلف ضمادك، ليطمئنك أنك ستعيش عاماً جديداً وتحيا من جديد من دون خوف ومشقة وتعب.
ولأن مفهوم السعادة يتوسع ولا ينحصر في دائرة محددة، فإنه في كل يوم يكبر مثلما هي أعمال العنف والدمار وفي المقابل يتوالد معها ويضادها في الآلية والمسار ويتغلب عليها، فمهما ازدادت حدة العنف يزداد مقدار نشر السعادة ومفاهيمها في العالم. وانطلاقاً من أهمية هذه القيم الحياتية العظيمة خصصت الأمم المتحدة العشرين من مارس/ آذار في كل عام، يوماً عالمياً للسعادة التي تتمثل في مضامين كثيرة لا تحصر وإنما تتكاثر مثلما يتكاثر كل ما هو على هذا الكوكب الصغير.
وقد أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 19 مارس/ آذار 2013، اعتماد يوم العشرين من مارس من كل عام، اليوم العالمي للسعادة، وذلك بهدف اعتبار السعادة والطموح في حياة الناس هدفاً أساسياً في جميع أنحاء العالم.
وجاءت مبادرة الإعلان عن يوم للسعادة باقتراح من مملكة بوتان، وهو البلد الذي يملك مؤشراً للسعادة القومية الإجمالية، ويقوم على فكرة أن التنمية المستدامة يجب أن تأخذ نهجاً شاملاً نحو التقدم وإعطاء أهمية متساوية للجوانب غير الاقتصادية لتحقيق الرفاهية.
واليوم الدولي للسعادة يركز على جهود الدول والمجموعات ممن يعملون على إعطاء أهمية للرفاهية بما يتجاوز اقتصارها على الثروة المادية، ويأتي ذلك في إطار اهتمام الأمم المتحدة بالتركيز على فكرة أن النمو الاقتصادي يجب أن يكون شاملاً وعادلاً، ومتوازناً، بما يسهم في تعزيز التنمية المستدامة وخفض الفقر.
إضافة إلى ذلك، ترى الأمم المتحدة أنه من أجل تحقيق السعادة العالمية، فإن التنمية الاقتصادية يجب أن تكون موازية للرفاهية الاجتماعية والبيئية.
الإنسانية قبل كل شيء
بالحديث مع الأمين العام لجمعية الهلال الأحمر البحرينية فوزي أمين صرح بأن المبادئ التي انبثقت من خلالها نواة الجمعية هي الإنسانية والحيادية والطوعية والوحدة والعالمية وعدم التحيز، حيث إنها الأسس التي تنطلق منها إسهامات الجمعية في جميع المجالات الإغاثية سواء أكان داخل البحرين أو خارجها والتي تدشن من خلالها شعارها في كل عام.
وأضاف أمين أن الخدمات التي تقدمها الجمعية تنقسم إلى قسمين: خدمات خيرية وخدمات إنسانية، فالقسم الأول يشمل كل القرى والمدن البحرينية التي في حالة عوز وفقر، والذي يضمن أن تكون 350 أسرة شهرياً تحت رعاية الجمعية من الناحية المادية، حيث ترصد موازنة مالية لهذه الأسر، وكذلك تقديم الإعانات السريعة في حالة نشوب حريق في المنازل أو تضررهم من خلال سقوط الأمطار.
وعن الخدمات الإنسانية المقدمة خارجياً فإن الجمعية تقوم بإغاثة كل المستضعفين على وجه الأرض مبتعدة عن كل شي ينافي المبادئ الإنسانية، فحالياً قامت بحملة تحت اسم قلوب دافئة، حيث تم إرسال كمية من البطانيات وأجهزة التدفئة إلى اللاجئين السوريين في مناطق لبنان، كما قامت بحملات إلى السودان والفلبين وإيران وفلسطين والأردن وتونس ومصر وكثير من الدول التي تضررت من الكوارث البيئية.
وأشار إلى أن هناك اتصالاً مستمراً ودائماً مع الجمعيات المماثلة لجمعية الهلال في كل دول العالم وكذلك مع كل المنظمات العالمية المنصبة في هذا المجال، ليكون هناك تعاون في عملية الإغاثة والمساعدة في حال وجود حوادث وكوارث كبيرة حتى يتم تقديم يد العون، كما ترسل الجمعية وفداً يقوم بزيارة هذه الأماكن المتضررة ومعاينة الحالات ومعالجتها طبياً وتهيئتها نفسياً، إلى جانب ذلك المجال لإنمائي عن طريق بناء المدارس في عدد من الدول كالمالديف وتايلند وإندونيسيا.
وأكد أمين أن الجمعية هدفها تشجيع المجتمع على العطاء من خلال الخطوط الساخنة التي توفرها حتى يتمكن الجميع من التبرع ولو بدينار واحد، كما أنها تقوم حالياً بحملة من أطفال البحرين لسورية عن طريق جمع الألعاب المكدسة في البحرين وشحنها إلى أطفال سورية في الأردن حتى يشعر الطفل بأنه قادر على الإسهام والتنمية ومساعدة الجميع في كل مكان، فمجال التطوع يرحب بالجميع ولا ينحصر في فئة معينة .
وعن المشاريع القادمة هناك دورات تدريبة عن كيفية التعامل مع العمالة المنزلية، وذلك بالتعاون مع السفارة الفلبينية ودراسة المشاكل وما هي الحلول الجذرية للتعامل معها وتفاديها من قبل الخادم والمخدوم وتطبيق مبادئ الإنسانية، وهناك مشاريع مشتركة أيضاً تنسق مع الدول الخليجية في مجال الإنماء والتعمير حتى يتم نشر السعادة في كل بقعة في العالم.
نزرع البسمة في قلب اليتيم
بالحديث مع القائم بأعمال المدير العام في جمعية الكوثر للرعاية الاجتماعية كاظم الموسوي، أكد أن مسار الجمعية يتطور يوماً بعد يوم، والتي مضى على تأسيسها أكثر من عشر سنوات، ففي كل يوم تزداد الثقافة المجتمعية بأهمية نشر الرحمة والتسامح والعطف بين الأفراد.
وأضاف أن الجمعية هدفها ليس مادياً وإنما تقدم الدعم المعنوي في مجالات عدة، منها الصحي والنفسي والثقافي والاجتماعي إلى جانب أنها تحتضن جميع الأيتام من كل الفئات العمرية، كما أن الجمعية تقوم بإحصائيات دقيقة ومعرفة الأسر اليتيمة حديثاً حتى يتم التواصل معهم وتسجيلهم في برامج الجمعية، حيث وصل عدد اليتامى المسجلين حتى الآن إلى 1200 يتيم في المركز.
وأردف أن مشروع التنمية التي تقوم به الجمعية باستمرار حاز على جائزة وزارة التنمية الاجتماعية والذي يتضمن الكثير من الفعاليات الترفيهية والثقافية إضافة إلى تعزيز دور أم اليتيم عن طريق المحاضرات والورش التدريبية.
وأكمل أن هناك تواصلاً كبيراً ودعماً من وزارة التنمية الاجتماعية وكذلك من القطاعين الحكومي والخاص الذين لا ينقطع عطاؤهم في رعاية اليتيم، إضافة إلى الأفراد أنفسهم الذين يقدمون كل المساعدات المادية التي تشمل التكفل الجزئي أو الشامل وأيضاً المعنوية المتنوعة من تعليم وتثقيف وفحص صحي.
وعن المشاريع القادمة فإن الجمعية تفكر في إنشاء مركز شامل يحتوي على جميع الخدمات التي يحتاجها اليتيم ولكي يتم تأهيله بكل الوسائل المتاحة مجتمعياً حتى ترتقي باليتيم وتبين دوره وتنمي السعادة في قلبه.
كل الألوان مصدر للسعادة
ينظر إلى لوحاته بتمعن حاذق فيضيف لوناً آخر حتى تكمل وتصبح بالنسبة إليه مصدر سعادة دائمة، هكذا أشار الفنان التشكيلي عباس الموسوي وهو يتحدث عن الفن الذي يعتبره رسالته الإنسانية في إيصال كل معاني السعادة والحب والتسامح والسلام بين الشعوب في العالم.
وقال إن الفن حاجة في الإنسان فمنذ القدم في الكهوف قام الإنسان بالرسم بالفحم على جدران الكهوف من خلال النور المنبعث والمتسرب إلى داخل الروح، فالإنسان يستطيع أن يجعل كل ما هو حزين سعيداً، فما بالك بالفنان الذي ينقل الحياة والشكل في اللوحة التي هي أمامه فيجعل عالمه مليئاً بالإحساس بالسعادة.
وأضاف أن السعادة في كل شيء حولي، ليس فقط في اللوحات التي أرسمها أو في الألوان التي أمزجها، التي هي لا تقتصر على ألوان معينة بل كل الألوان توهبني السعادة، فعندما أحضر للعمل الفني وأقوم بشراء المعدات وأفكر ماذا أرسم وأنا بداخلي مقدار كبير من السعادة عندها أكمل بهذه الطاقة لوحتي فأعيش نشوة الانتصار من خلال ردود فعل الناس فأعرف عندها أني تمكنت من إيصال الرسالة الحقيقية الإنسانية إلى هذا العالم.
وتابع أن الفنان عندما يمتلك في داخله مخزوناً من الجمال والحب فإنه بلاشك سينتج عملاً شيِّقاً بألوان الربيع والعطاء والبهاء، مهما كانت ألوان اللوحة المقدمة، فقد يرسم لوحة عن الفقر والمجاعة ولكنه في داخله رسالة ترشد الناس إلى الالتفاف والتبصر فيما حولك، فهو سعيد إذاً، كما أنه يرى الجمال في المرأة والخيل العربي، حيث إن المرأة تحمل السعادة في كل صورها وفي كل أدوارها في الحياة من الطفولة إلى الأمومة، فهي السعادة الأزلية للكون التي لا تخفى.
وأكمل أن الحملات التي ترسم على الجدارية والمناهج التربوية الفنية الحديثة والفعاليات التي تنحصر في مواسم معينة وترتبط بأحداث عالمية، ساهمت في تعزيز أهمية الفن وكيفية تجسيد الرسائل الحياتية والقيم الإنسانية كالتسامح والمحبة والرحمة بطريقة أخرى، ما جعل الكثير من الأطفال يحلمون بأن يصبحوا فنانين ينقلون هذه الرسائل.
وأكد أنه لا يمكن الرجوع إلى الخلف، فإن الفنان دائماً يبحث عن صور وأفكار جديدة يعبر فيها عن القضايا العالمية، كمثل حملة الفن من أجل السلام التي انطلقت في تسعينيات القرن الماضي والتي هي مازالت مستمرة ومكثفة مواكبة كل القضايا وبشكل دائم في كل أنحاء العالم مخترقة الحدود الجغرافية.
السرطان لا يعني نهاية الحياة
خلف كل وخزة إبرة يوجد سبيل للحياة والأمل بيوم جديد وعطاء مختلف يحمل كل الحب والرحمة والسلام، هي جويرية الشوملي فتاة ذات تسعة عشر ربيعاً أصيبت بمرض السرطان في الثانية عشرة من عمرها ما جعلها تأخذ ألف خطوة إيجابية نحو الأمام راسمة الابتسامة على وجهها لترسل للجميع إيماءات بالسعادة والمودة مهما كانت الظروف والآلام.
وقالت الشوملي إن حكايتي بدأت عندما قمت بإنشاء حساب لي على «تويتر» وقمت بعرض قصتي على شكل تغريدات يومية من خلال تغريدة أطلقتها تحت عنوان «السرطان لا يعني نهاية الحياة، وإنما حياة جديدة مكللة بالحب والتفاؤل»، بعدها قمت بوضع تغريدات أتحدث فيها عن قصتي حتى تكون هناك توعية للناس عن هذا المرض ولتتغير نظرتهم اتجاه المصابين به.
وأكملت: حصلت على تشجيع كبير في وسائل التواصل الاجتماعي ودعوات عديدة بالشفاء وازداد عدد المتابعين لي، ما زرع الطاقة الإيجابية في داخلي وشجعني على المضي إلى الأمام، لتدشين كتاب بعنوان «أمنيات طفلة ستقهر السرطان بإذن الله» الذي لاقى إقبالاً كبيراً من المجتمع، حيث كانت تصلني رسائل من المرضى أنفسهم تشكرني على القيم الإيجابية التي زرعتها في داخلهم والتغلب على كل صعب في الحياة وكل ألم، وخصوصاً عندما يتعاطون العلاج الكيماوي، وكذلك من الأصحاء الذين شكروا الرب على نعمة الصحة والابتعاد عن السلبية في الحياة مهما تعرضوا لمواقف حزينة ومحبطة.
وأكدت أن السبب الرئيسي الذي دفعني إلى نشر الإيجابية والدافعية في قلوب الناس هو تخلي عدد كبير من الأصدقاء عني بسبب المرض الذي أنهك جسدي، ولكني كنت أملك أملاً قوياً بأنني سأتشافى وأقوى على المرض.
هكذا هو مفهوم السعادة لا يمكن أن يصب في نهر واحد بل إنه يصب في كل الأنهار التي تتدفق خيراً وعطاء في كل الجهات والأماكن مبتعدة عن كل ما يشوبه المنع والحقد والبغضاء.
العدد 4577 - الخميس 19 مارس 2015م الموافق 28 جمادى الأولى 1436هـ