العدد 4576 - الأربعاء 18 مارس 2015م الموافق 27 جمادى الأولى 1436هـ

رحلة الأفكار في معرض ماليفيتش في لندن حتى 6 أبريل

الإماراتي شريف اتبع هذا التقليد في الثمانينيات

الوسط (فضاءات) - جعفر الجمري 

تحديث: 12 مايو 2017

عانت الريادة والرؤى والأساليب المبتكرة في الفنون وحتى الآداب في بداياتها من تهكُّم الذين اعتادو على الأنماط الجاهزة والمُعتادة والمُكرَّسة. مثل أولئك يكونون عرْضة للسخرية وتسخيف الأعمال التي يقدِّمونها للمرة الأولى في مجتمعاتهم التي عادة ما تظل أسيرة الشكل الواحد، والاتجاه الواحد.

أحد أولئك الروَّاد، الفنان التشكيلي الروسي كازيمير ماليفيتش، الذي اشتهر بلوحته "المربَّع الأسْوَد" في العام 1915، ليصبح بعد 100 عام من جرأته الأولى، أحد مؤسسي الاتجاهات الفنية الحديثة، برؤيته المتعلقة بأساس أسبقية الأشكال والألوان على تصوير العالم الحقيقي. "البنائيون" مثل يوبوف بوبوفا وغوستاف كلوتسيس، لم ينفصلوا عن المؤسس ماليفيتش، برؤية اللون والشكل كلغة عالمية للاتصالات في النظام الاجتماعي الجديد. دول عديدة في العالم اليوم تحتفي بالرائد ماليفيتش، من بلده الأم روسيا، وأوروبا وأميركا اللاتينية، وصولاً إلى منطقة الشرق الأوسط. أتيح للإمارات، وتحديداً دبي، في ثمانينيات القرن الماضي أن يتصدَّى أحد أبنائها، الزميل الفنان المفاهيمي حسن شريف لتبنِّي وتقديم الاتجاه نفسه. لم تكن بدايته مريحة. تم استقبال كثير من أعماله بروح السخرية والتهكُّم أيضاً، ليصبح بعد سنوات واحداً من الفنانين الذين لا يمكن تجاوزهم في أي إضاءة تتناول الحركة الفنية في المنطقة. في رحلة الأفكار التي تتجسَّد في معارض هنا وهناك، ضمن الاتجاه الذي أسَّسه ماليفيتش، يُعاد الاعتبار لذلك الفنان الذي استقبله العالم بداية الأمر بالتهكُّم والسخرية، وتوَّجَهُ بعد رحيله رائد مدرسة واتجاه فني امتد إلى أكثر من بقعة في العالم.

في العاصمة البريطانية (لندن)، بـ "وايت تشابل"، معرض هو الأحدث، يضيء أعمال وأفكار ماليفيتش، ويستمر حتى 6 أبريل/ نيسان 2015.

تقرير بالكو كاراز، من صحيفة "نيويورك تايمز"، يوم الاثنين (16 مارس/ آذار 2015)، لم يتجاوز شريف في تناوله ماليفيتش؛ إذ كان له نصيب من الإضاءة. هنا أهم ما جاء في التقرير.

من التهكُّم إلى مدرسة في الفن

عندما أظهر الرسام الطليعي الروسي كازيمير ماليفيتش للمرة الأولى ما كان ليصبح عملاً فنياً بتوقيعه، وكان عبارة عن مربَّع أسْوَد بسيط يطفو على خلفية بيضاء بسيطة، هتف بعض الذين شاهدوا العمل بنبرات تنمُّ عن عدم الاحترام والتهكُّم.

العمل المعروف باسم "المربَّع الأسود"، كان محور "المعرض المستقبلي الأخير من لوحات" 0.10 " في بتروغراد العام 1915. وكان يُنظر إلى العمل على أنه فضيحة من ناحيتين: موضوعه - وهو بعيد كل البعد عن الفنون التصويرية السائدة في تلك الفترة، وللموضع الذي احتله في المعرض: حيث عُلِّق العمل عبر زاوية الغرفة، قريباً من السقف، في بقعة مخصَّصة للرموز الدينية بالنسبة إلى الأُسَر الروسية التقليدية.

"المربع الأسْوَد" شهد إعلان ماليفيتش استقلاله عن المعايير السائدة، بالمحبة ورضاه عن التفوقية، على أساس أسبقية الأشكال والألوان على تصوير العالم الحقيقي.

وبعد مئة سنة، سيتجنَّب زوَّار معرض وايت تشابل "مغامرات المربَّع الأسود: فن التجريد والمجتمع 1915-2015"، في العاصمة البريطانية (لندن) ما اعتُبر فضيحة ومثار تندُّر وتهكُّم. وبدلاً من ذلك، فَهُمْ مدعوون إلى رحلة مع أفكار ماليفيتش من خلال مكان وزمان معاصريه وتلاميذه البعيدين من روسيا إلى أميركا اللاتينية. وسيكون المعرض مفتوحاً حتى 6 أبريل المقبل، بجمعه أعمالاً من 100 من فناني العصر الحديث والمعاصر.

التحدِّي... التساؤل

وقالت مديرة المعرض إيونا بلازويك: "هدفنا من المعرض هو استكشاف سياسة الفن التجريدي الهندسي. إنه نوع من التحدي الحديث عن شيء هو عبارة عن خط ولون وشكل نقي، من دون أن نطرح تساؤلاً".

وقالت بلازويك: "كان الشكل الذي تجاوز اللغة والخصوصية الثقافية، والجغرافيا، والطبقة الأهم من ذلك، وكان وسيلة للخروج من المعرض الفني (باعتباره مكاناً... حيِّزاً مُغْلقاً)، بعيداً عن النخب، توجُّهاً إلى الجماهير".

استند القائمون على المعرض إلى أربعة موضوعات: التجريد في الأفكار الطوباوية، ودراسة الهندسة المعمارية، والاتصالات، ويتم عرض الأعمال الفنية زمنيَّاً، من عصر ماليفيتش إلى يومنا هذا.

ماليفيتش كتب في العام 1915: "أقول للجميع: التخلِّي عن الحب، والتخلِّي عن الجمالية، والتخلِّي عن عناء الحكمة، أمر مثير للسخرية وعديم الأهمية".

ويُظهر المعرض كيف أن الفنانين في جميع أنحاء العالم استلهموا واستجابوا للطوباوية المثالية تلك. وكما خرجت روسيا من الثورة، رأى البنائيون مثل يوبوف بوبوفا وغوستاف كلوتسيس اللون والشكل كلغة عالمية للاتصالات في النظام الاجتماعي الجديد.

أحادية الصورة واللون

وأضافت بلازويك أن "الجماهير كرهت الصور أحادية اللون، ومثل تلك الصور مازالت تربك الناس. كبشر نحن ننظر لأنفسنا من خلال ما نراه. نُصَاب بالذعر عندما لا نرى أنفسنا، وأظن أن كثيرين يعتقدون أن مثل ذلك الأمر بمثابة إهانة لهم".

واختتمت بالقول: "المعرض يهدف إلى تغيير أفكار معيّنة وثابتة عن التجريد. مهمة معرض وايت تشابل، هي تغيير الشريعة التي وسمتْ تاريخ الفن، ويشير إلى أن التجريد يتجاوز الأنظمة والحدود وحتى الجنسين، من الشرق الأوسط إلى أميركا اللاتينية.

التأثير سَافَرَ بعيداً

الفنانة البرازيلية ليغيا كلارك، والتي كانت طالبة لدى فرناند ليجيه بفرنسا، دعت إلى مزيد من الإثارة الملموسة في الفن. لوحتها "Bichos"، أو "المخلوقات"، ضمن مجموعة تعود إلى ستينيات القرن الماضي، وتتكون من الطائرات المعدنية التي تدعو المشاهدين أو المشاركين - وتلك هي التسمية التي تحبِّذها - إلى ترتيبها في أشكال مختلفة.

المعرض يعطي مكان الصدارة للمجلات الدورية الطليعية. هذه الدوريات، صدرت ربما لعدد واحد فقط، وتلك أمثلة معروفة عن الفنانين الذين عملوا ويعملون كناشرين. وراء الأغطية المجرَّدة، أعاد الفنانون إنتاج بياناتهم ورؤاهم وأعمالهم الفنية، بوصفها ناقلات تلاقح بين الفنانين والحركات الفنية، في نهاية المطاف، في جميع أنحاء أوروبا والعالم.

الفنان المفاهيمي شريف

الفنان المفاهيمي الإماراتي حسن شريف قامت أعماله على هذا التقليد في ثمانينيات القرن الماضي، عندما أقنع رئيس تحرير صحيفة في دبي بنشر عمود أسبوعي قدَّم من خلاله ماليفيتش وموندريان للجمهور المحلي.

حتى والمعرض يكشف مجموعة من تأثير عمل ماليفيتش الأشهر والأبرز "المربَّع الأسْوَد"، يُذكِّر معرض وايت تشابل المشاهدين بالمسار الوعر الذي سافر من خلاله العمل منذ القرن الماضي وإلى يومنا هذا.

المعرض في وايت تشابل هو الأحدث ضمن سلسلة من المعارض التي أثبتت سحْراً جديداً مع هذا الموضوع وتناولاته. المعرض الاستعادي لماليفيتش في تيت مودرن العام الماضي (2014) أثبت شعبية، في حين تناولت معارض أخرى ردَّ فعل الروس الطليعيين في الحرب العالمية الأولى، وامتداد ذلك إلى أطراف الحداثة.

"إنه من الرائع رؤية ماليفيتش وقد أصبح تياراً في الفن الآن" ذلك ما قالته الأستاذ في جامعة كينت ورئيسة جمعية ماليفيتش، كريستينا لودير. وأضافت "عندما بدأتُ البحث رجوعاً إلى سبيعينات القرن الماضي، كان نوعاً من المناجزة القيام بشيء يتعلق بروسيا لأنها تعتبر في محيط ليس جزءاً من الفن الأوروبي".

ضوء من السيرة

يُذكر، أن كازيمير ماليفيتش فنان روسي، ولد في العام 1879 وتوفي في العام 1935، ويعتبر مؤسِّس حركة السوبرماتزم (Suprematism) (التفوقية)، وهي حركة فنية أسَّسها مالفيتش في العام 1913، واستمرت موجتها حتى عشرينيات القرن العشرين، وبذلك يكون أحد أعلام الفن التجريدي الهندسي، وأحد فناني البنائية الروسية.

عبَّر ماليفيتش عن هدفه المتمثِّل بالوصول بالرسم إلى أنقى مستوى له (a purely painterly work of art) بعيداً عن مبدأ المحاكاة التقليدي، ومن هنا تبرز أهمية لوحته الشهيرة "المربَّع الأسود" التي يصل فيها إلى أبعد مراحل التجريد.





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً