ثمة رسائل تبثها أرقام المليارات الاستثمارية الضخمة التي رشحت عن مؤتمر «دعم وتنمية الاقتصاد المصري» الذي عقد مؤخراً في منتجع شرم الشيخ.
التدفق الاستثماري «النظري» للمليارات المتجهة إلى الخزينة المصرية في هيئة هبات وودائع واستثمارات في مشاريع، عده المحللون قفزة سياسية اقتصادية عابرة في المشهد الإقليمي، لاسيما مع تأكيد الرئيس عبدالفتاح السيسي في خطابه على ضرورة الإسراع في التنمية وحل مشاكل الطاقة، والتخطيط لاستصلاح أربعة ملايين فدان وإنشاء محافظات جديدة، ما يعني حسب الرئيس حاجة مصر إلى قرابة «300 مليار دولار أميركي» كي تتمكن من تجاوز عثراتها وتلبية احتياجات 90 مليون مواطن مصري.
لا شك أن مشاركة الدول المانحة والمستثمرة بالمؤتمر والمقدر عددها بنحو 100 دولة، وثلاثين رئيساً من العالم، وممثلي كبرى الشركات العالمية، قد منحت زخماً لمصر الدولة، وعبرت عن إعادة تموضع إقليمي ودولي بل واصطفافات جديدة.
تدفق استثماري
في سياق الرصد الإعلامي، قدرت حصيلة المؤتمر بتوقيع اتفاقيات استثمارية مباشرة بلغت حوالي 72 مليار دولار، بعضها لمشاريع استثمارية مموّلة سيتم سدادها على مدى سنوات، وتبلغ قيمتها 18.6 مليار دولار، فيما وصلت قروض الصناديق الدولية إلى 5.2 مليارات، أي بإجمالي قدره 60 مليار دولار، مضاف إليها 12.5 مليار دولار من السعودية وأبوظبي والكويت وعُمان. بل إن المتداول يشير إلى قيمة تصل إلى 130 مليار دولار من إجمالي المساعدات الاقتصادية واتفاقيات استثمارية وتفاهمات وتعهدات تصدرها قطاع الإسكان بواقع ست اتفاقيات قيمتها 77 مليار دولار، منها إنشاء عاصمة إدارية جديدة على طريق القاهرة ينتهي العمل من تنفيذها خلال تسع سنوات، وتنقل إليها الوزارات والسفارات ومقار الشركات والمؤسسات الدولية الكبرى وجامعات وفنادق. وماذا أيضاً؟
الكثير... الكثير، منها 15 اتفاقية قيمتها 35.7 مليون دولار لإنشاء محطات للطاقة الكهربية، لاسيما ومصر تعاني من انقطاعات طويلة ومتكرّرة للكهرباء بسبب عجزها عن توفير الوقود اللازم لتشغيل محطات التوليد المتهالكة، وإنتاجها لم يعد كافياً بحسب الخبراء في ظل الزيادة المتنامية للسكان؛ وكذلك مشاريع لوجستية تتعلق بتجارة الحبوب والغلال والتوسع في إنشاء المصانع ومشروعات تعدينية وتنمية سياحية وغيرها. والأهم من هذا وذاك أربع اتفاقيات أبرمت في القطاع النفطي بلغت قيمتها الإجمالية 17.2 مليار دولار. ولكي يتحقق المخطَّط له، نفذت الحكومة حملة ترويج وعلاقات عامة انعكست على حجم المشاركين، إضافةً لإصدارها حزمةً من القوانين المحفزة للاستثمار، تمت بتعديل قانوني الاستثمار والضرائب على الدخل والأرباح، وقانون الخدمة العامة وغيرها.
مكاسب سياسية
اتفق معظم المحللين بأن عقد المؤتمر ونتائجه ما هو إلا شهادة ثقة ودعم سياسي لـ «نظام السيسي»، فالمكاسب السياسية المتحقّقة برأيهم لا تقل أهميةً عن نتائجه الاقتصادية، خصوصاً مع مرحلة الاضطراب الأمني الذي تمرّ به مصر بعد عزل رئيس الأخوان المسلمين محمد مرسي، ما يعني أن المؤتمر حقق اعترافاً إقليمياً ودولياً بشرعية نظام السيسي، الأمر الذي قد يساعد على إنجاز النمو في السنوات المقبلة ويضمن استمرارية الأخير لولاية أخرى.
بيد أن ذلك لا يتحقق إلا بشروط موضوعية وذاتية، تتعلق بطبيعة تكوين النظام ومستوى أدائه وممارساته التي يفترض أن يحكمها مؤشرات الحكم الصالح.
المكاسب المتحققة عبرت عنها اللقاءات التي عقدها السيسي على مدار أيام المؤتمر، وقد قدّرت بـ30 لقاءً ثنائياً مع وزراء ورؤساء حكومات، كان أبرزها اللقاء مع ولي ولي العهد السعودي الذي أكّد على استمرارية دعم السعودية لمصر وعدم تغيّر موقفها، ما يعني تجاوز أزمة «التسريبات الصوتية» مع دول الخليج، ودلالاتها ما قدّم لمصر من دعم مالي بلغ 4 مليارات دولار من كل من الكويت والسعودية والإمارات، في شكل ودائع أو استثمارات، وكذلك 500 مليون دولار من سلطنة عُمان.
المكسب السياسي البارز تحقّق من خلال لقاء السيسي ووزير الخارجية الأميركي جون كيري، وحديثهما عن التعاون العسكري لمواجهة تنظيم «داعش»، والوعود التي أطلقها الأخير عن فكّ تجميد التسليح الأميركي عن القاهرة، وتطرقهما للملف السوري حيث أكد السيسي بأن «الرئيس بشار الأسد يجب أن يكون جزءاً من الحل»، مشدداً على أن «تجاهل الأسد سيدخل سورية في دوامة التقسيم والصراع الطائفي، وهو ما لا تقبل به مصر والدول العربية، على رغم اختلافها مع سياسة الأسد». وكذلك إشارة السيسي لعدم ممانعة مصر شراء أسلحة أميركية جديدة في إطار خطتها لتعزيز قدرات الجيش، على أن يتم التواصل بين وزيري دفاع البلدين.
أما في الاتجاه الأوربي، فتم التباحث مع رئيس وزراء إيطاليا حول زيادة الصادرات المصرية إلى روما، وتدريب القوات الليبية لفرض الأمن وتزويدها بالسلاح؛ ومع وزير الخارجية البريطاني لزيادة الاستثمارات البريطانية؛ وكذلك مع مديرة صندوق النقد الدولي ورئيسة البنك الأوروبي للإنشاء والتعمير، مع الحديث عن إجراءات جديدة من شأنها تقليص عجز الموازنة وتنفيذ إصلاحات اقتصادية في مدة قصيرة. ما تفسير كل هذا؟
تفسيره بنظر المراقبين إن «السيسي» بات حليفاً لا يستغنى عنه في المشهد السياسي العربي، خصوصاً إذا ما تأملنا في تصريح رئيس وزراء إسبانيا الذي ذكر «إن الحرب التي تخوضها مصر ضد الإرهاب ليست فقط حرب مصر بل إنها حرب لمصر ولكل الشرق الأوسط وللعالم بأسره».
المؤتمر الاقتصادي ساعد على تنشيط علاقة مصر مجدّداً بالقارة السوداء الذي تمثل بمشاركة عشر دول افريقية، وقد يساعد مصر على تخفيف التوتر الذي شهده ملف المياه مع أديس بابا، خصوصاً مع حضور إثيوبيا والسودان التي بحث مع رئيسها توحيد المواقف المصرية-السودانية تجاه سدّ النهضة، حيث أكد عمر البشير رفضه الإضرار بحصة مصر، وإن بلاده ستكون داعمةً لمواقف القاهرة على أن يتم ذلك بالتنسيق بين وزيري الري في البلدين.
تحديات المستقبل
ختاماً ومع الصورة الزاهية التي رسمها الإعلام العربي لنتائج مؤتمر «شرم الشيخ»، تبقى تحديات الوضع الداخلي المصري بالمرصاد، فنجاح المؤتمر الاقتصادي سيحدّده مدى الجدية في مواجهة مؤسسة الفساد المتغلفة في الاقتصاد وأجهزة الإدارة العامة، كما ستحدّده أيضاً عملية إنجاز المشاريع والاستثمارات وتحويل ما كتب على الورق إلى مشاريع حقيقية من لحم ودم، وليست خرائط ومجسمات مرصوصة يحتاج إلى تحقيقها سنوات ضوئية كما فعلت من قبلهم دول أخرى.
فمصر تعاني ما تعاني من الأزمات الاقتصادية المتلاحقة منذ ثورة 25 يناير، إضافةً إلى الأوضاع الأمنية المتدهورة بفعل التفجيرات وتردّي أوضاع حقوق الإنسان بسبب حالة الاحتراب مع جماعة الأخوان المسلمين، فكل ذلك يمثل بيئةً طاردةً للاستثمار والمستثمرين.
إقرأ أيضا لـ "منى عباس فضل"العدد 4575 - الثلثاء 17 مارس 2015م الموافق 26 جمادى الأولى 1436هـ