العدد 4575 - الثلثاء 17 مارس 2015م الموافق 26 جمادى الأولى 1436هـ

حاملة الطائرات الأميركية «كارل فينسون» المدينة التي لا تنام في عرض البحر

مقاتلة تهبط على مدرج حاملة الطائرات بعد عملية عسكرية
مقاتلة تهبط على مدرج حاملة الطائرات بعد عملية عسكرية

الخليج العربي (حاملة الطائرات كارل فينسون) - عقيل ميرزا 

17 مارس 2015

ليست مجرد سفينة، بل هي مدينة ذات كثافة سكانية عالية، لا يمكن للزائر أن يتجول لوحده في مرافقها، فطرقاتها وعرة بالأجهزة والمعدات على جانبي الطرقات الداخلية، والتجول فيها يشبه التجول في أدغال نائية.

الرموز الموضوعة في طرقاتها لا يفهمها إلا سكان هذه السفينة، فالزائر من دون مرافق من سكان السفينة يتيه في حشد من الممرات الضيقة التي لا يتوقف المارة من المرور بينها ليل نهار.

إنها حاملة الطائرات الأميركية العجوز التي تحمل اسم عضو مجلس الشيوخ الأميركي كارل فينسون تقديرا لجهوده في سلاح البحرية الاميركية.

أكثر ما يذكر الزائر بها طريقة الوصول إليها على ناقلة الجنود، الطائرة المظلمة الخالية من النوافذ، والتي تقلع من مطار البحرين الدولي من دون أن تخبرك بالمدة التي يمكن أن تستغرقها الرحلة، ومن دون ضيافة أيضا أو وجبة ساخنة أو حتى باردة، وبالتأكيد من دون سماعة أذن، أو شاشة لمس صغيرة كتلك التي تتنافس شركات الطيران في توفيرها للمسافرين.

كان الهبوط على متن حاملة الطائرات التجربة الفريدة التي لا يمكن ان تفارق الذاكرة، لأنك لا ترى الهبوط ولكن تشعر به، فالمدرج لا يكفي لهبوط اعتيادي، ولكن في انتظار الطائرة القادمة سلك على ظهر الحاملة وظيفته أن يمسك الطائرة واستيقافها على المدرج عنوة، والويل لك إن لم تكن مربوطا بمجموعة من الأحزمة من كل الاتجاهات، وليس غريبا أن تفشل محاولة الهبوط بهذه الطريقة لتحلق الطائرة مجددا وتهبط مجددا.

وليس الإقلاع من حاملة الطائرات أفضل حالا من الهبوط إليها، لأن السلك الأرضي هو من سيدفعها دفعا، لتجد نفسك وكأنك رميت من شاهق إلى واد سحيق.

أول خطوة تخطوها على ظهر هذه السفينة يستقبلك أزيز الطائرات الذي لا يتوقف وعلى الفور ينتابك شعور عارم بأنك في عالم آخر، فليس حولك سوى حشد من المقاتلات التي تنتظر دورها للإقلاع أو الهبوط، فأنت في مطار متحرك، يحمل على ظهره أكثر من سبعين مقاتلة، يخترق أزيزها الحجب.

هي سفينة ولكنها مدينة تعج بأكثر من ستة آلاف إنسان، وبهم من يعمل في الوظائف الدنيا، وبهم من يعمل في الوظائف العليا، كما أن بينهم الرجل، وبينهم المرأة ايضا، وبينهم العسكري، وبينهم المدني، وبينهم الطيار، وبينهم الطباخ، مجتمع كامل يتحرك في مياه الخليج وفي سمائه في آن واحد، ويعلم بأغوار الماء الذي تشق حاملة الطائرات طريقها عليه، ويعلم أيضا بدهاليز الهواء الذي تحلق فيه طائرات الـ(F18) وإن كانت هناك مدينة لا تنام فهي حاملة الطائرات الأميركية كارل فينسون.

الحياة في بطن هذا الحوت المترامي الأطراف تشبه الحياة في أية مدينة أميركية مزدحمة، فالأسواق مفتوحة ليل نهار، وتبيع كل ما يحتاجه البحارة، من علبة الفول السوداني، إلى الحلي، وأدوات التجميل، كما يمكنك أن ترتاد المطعم الذي تحب، فالمطاعم درجات، ويمكنك أن تسجل في ناد صحي، ويمكنك أن تشاهد السينما، ويمكنك أيضا أن تلعب كرة السلة، أو أن تسهر في حفلة غنائية في إجازة نهاية الاسبوع.

بين ستة آلاف سرير للبحارة والجنود والموظفين، يوجد فندق أيضا، مخصص لزوار حاملة الطائرات، والغرفة في هذا الفندق بها سريران، ومكتبان، ومغسلة، وعدد من الخزائن، وتلفزيون أيضا، يمكن لك من خلاله مشاهدة ما تشاء من البرامج إضافة إلى مشاهدة مدرج المطار في أعلى السفينة.

مجتمع بهذه الكثافة السكانية يعيش في دهاليز ضيقة لا يمكن أن يخلو من مشكلات بعضها جنائية، لذلك تم تخصيص سجن للعقاب، وأكثر ضيوف هذا السجن بحسب أحد البحارة هم متهمون بتهم تتعلق بالعراك والتصادم، والمناوشات التي تصل بعضها بالأيدي، وقضايا سرقة أيضا وآداب.

من على إحدى شرفات الحاملة يحلو لك أن تراقب العمل على أحد القوارب المحمولة، لشباب في بداية العقد الثالث من العمر، يكنسون الأرض، ويتبادلون المزاح، شأنهم شأن أي من هم في أعمارهم ويعملون في مكان ما من أرجاء المعمورة، فالحياة تسير بانسيابية وببساطة أحيانا، وليس غريبا أن ينسى البعض أنه يعيش في عرض البحر، ويسكن بارجة تخوض حربا ضروسا، مع «تنظيم داعش» الذي ربما لم يسمع به بعض من ساكني هذه البارجة.

لا تخلو حاملة الطائرات هذه على رغم ضيق مناماتها، من مكاتب فارهة وفاخرة لا تصدق بأنها في سفينة تبحر، فلقاءات المسئولين في هذه المكاتب، تشعرك بحجمهم، وبنفوذ كلمتهم على متن هذه السفينة، ولكن في الوقت نفسه لا تتفاجأ لو قام أحدهم وأنت تقابله بتقديم القهوة أو البسكويت إليك أو إلى أي من ضيوفه.

نظرة إلى «كارل فينسون» من أعلى السفينة لا تجعلك تفكر بما هو موجود في أسفلها، ولكن بمجرد أن تغوص في أعماقها تنسى سطحها، فالطائرات المتكدسة على ظهر السفينة، يمكنك أن تشاهد بعددهم في بطن السفينة في الورشة الفنية الخاصة المعدة لصيانة الطائرات، وليس مستحيلا أن ترى فتاة مهندسة تقوم بصيانة أحد أجنحة الطائرات بينما ترى في المقابل رجلا مفتول العضلات يقوم بمساعدتها، في توفير ما تطلبه منه من مفك أو مفتاح، لترى كيف أن العقل وحده هو من يحرك هذه المدينة العائمة.

مشهد آخر يجعلك تستغرق في مراقبته، وهو استنفار كل من هم على ظهر السفينة ليقوموا بجولة مسح من بداية السفينة إلى نهايتها أكثر من مرة في اليوم، لانتشال أي جسم صغير حتى ولو بحجم إبرة، خوفا من أن يتسلل إلى محركات الطائرات، ولا يقوم بهذا التنظيف أو المسح المنظفون فقط بل كل من هم على ظهر السفينة، فالطيار والمهندس والمنظف، والعامل، كلهم يتسابقون في البحث عن هذه الأجسام المتناثرة.

كان «كارل فينسون» في يوم من الأيام واحدا من البحارة في سلاح البحرية الأميركية، وهو اليوم أصبح مدينة مكتظة بالبحارة تجوب البحار والمحيطات، على متنها أكثر من سبعين مقاتلة، تخوض عددا من الحروب.

طائرة هوليكوبتر تهبط وأخرى تقلع
طائرة هوليكوبتر تهبط وأخرى تقلع
تثبيت الصواريخ تحت أجنحة المقاتلات
تثبيت الصواريخ تحت أجنحة المقاتلات
مجموعة من الصواريخ تنتظر تثبيتها بالمقاتلات
مجموعة من الصواريخ تنتظر تثبيتها بالمقاتلات
الفنيون يفحصون المقاتلات قبل وبعد الإقلاع
الفنيون يفحصون المقاتلات قبل وبعد الإقلاع

العدد 4575 - الثلثاء 17 مارس 2015م الموافق 26 جمادى الأولى 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 14 | 5:43 م

      اشكركم كثيراً

      حين قرات العنوان من الخارج ،، احببت ان ادخل لارى ماهو بداخل العنوان و بعد قرائتي تمنيت ان القصة لم تنتهي و تمنيت صورً اكثر من تلك الصور ف شكراً لكن و شكرا لكاتب القصة الجميلة المشوقة

    • زائر 11 | 5:25 ص

      سلمت اناملك

      اسلوب رائع حسيت روحي في فلم سينمائي

    • زائر 8 | 3:41 ص

      تعليقات غريبة

      تصفون المقال بايدي بحرينية كأنه مجبوس و لا برياني و الثاني يتكلم عن الروعة و الرحلة ..
      يا عمي حاملة طائرات امريكية تفوح رائحة الموت بجوانبها و تفاصيلها .. سفينة شاحبة ينزل بها توابيت الجنود و المقاتلين اللذين يلقون حتفهم بالحروب ..
      الهبوط و الاقلاع بالطائرة محفوف بالمخاطر و الكاتب نقل لك الخطورة بان تعاود الهبوط تكرارا لعدم وجود المساحة الكافية عدى عن ذلك الهبوط الى شاهق

    • زائر 10 زائر 8 | 4:14 ص

      يا عمي الناس عجبهم اسلوب الكاتب الرائع

      ما ادري ليش كلامك سلبي لهالدرجة ، الناس عجبهم اسلوب الكاتب المبدع اللي خلاهم في وسط الحدث وكيفية وصفه للامور
      انصحك بالنظر للنصف الممتلئ من الكوب

    • زائر 12 زائر 8 | 7:59 ص

      شغل عرب

      تحصل نفسه اليي مسوي تقرير قاعد يعلق ويمدح هههه شغل عرب

    • زائر 7 | 1:55 ص

      تجربة ممتعة

      عقول وقدرات بشرية تبهر العالم بتقنياتها المتقدمة وعقول محسوبة على البشرية تبهر العالم بدرجة تخلفها وطائفيتها

    • زائر 6 | 1:41 ص

      أسلوب رائع

      أعجبني أسلوب الكاتب الرائع والمشوق ودقته في اختيار الكلمات

    • زائر 5 | 1:20 ص

      رحلة تفوق الروعة

      تخيلت و انا اقرأ التقرير بأنني من ذهبت على متن هذه المدينة العائمة ،،

    • زائر 2 | 11:18 م

      رحلة ممتعة

      تقرير ممتع يشعر القارئ بأنه يتجول في المكان نفسه..
      وافق جديد خارج عن المألوف وبايدي بحرينية....بالتوفيق وإلى الأمام

    • زائر 9 زائر 2 | 4:05 ص

      كم قيمة الصرروخ ؟؟؟

      اقول لو الصواريخ لي تضرب بها البشر تعطون بها اموال الى الناس كان افضل

اقرأ ايضاً