احتفل العالم الأسبوع الماضي بـ «اليوم العالمي لعمل المرأة»، هذه هي التسمية الأصلية لهذا اليوم، وهي مناسبة سياسية بامتياز وتُذكر بأول إضراب نقابي للعاملات في مصنع الملابس العام 1909 في نيويورك، احتجاجاً على تدني أجورهن.
شعار هذا العام حمل عنوان «تمكين النساء هو تمكين للإنسانية فلنتخيل معاً»، وحسب الأمم المتحدة فإنه يهدف إلى وضع رؤية للعالم تستطيع فيه كل امرأة من ممارسة خياراتها الحياتية في المشاركة السياسية، والحصول على التعليم ومصدر الدخل والعيش في مجتمعات خالية من العنف والتمييز.
إنه يومٌ للتذكير بمدى الإنجاز الذي أحرزته الدول الموقّعة والمصادقة على كل الاتفاقيات الدولية المعنية بالحقوق ومكافحة كل أشكال التمييز، وليس مجرد يومٍ للاعتراف والتقدير والحب والاحترام. فقد عاشت المرأة على مدى عقودٍ طويلةٍ من الزمن في بيئةٍ معاديةٍ لها؛ بيئة تضعها في منزلة أدنى من الرجل، لم تنصفها القوانين ولا التشريعات ولا الثقافة ولا السياسة ولا الاقتصاد. وظلت القوة والسيطرة والنفوذ والقرار والتسيّد والثروة والحكم والاستبداد بيد الرجل، أما هي فهي «الآخر» التابع الخاضع الممتثل المطيع.
حركة تحرّر المرأة في الغرب كانت في البداية ذات بعد اقتصادي، عندما وجدت النساء أن أجورهن في العمل أقل من الرجل حتى وإن تساوى العمل، فثارت من أجل الأجور العادلة المتساوية. أما في الشرق فقد نشأت الحركة لاستعادة حقوق ثابتة وتاريخية للمرأة لكنها سلبت منها في ظل تحكّم المجتمع الذكوري، وكان الإعلان العالمي لحقوق الإنسان حجر الأساس لحقوق الإنسان والمرأة أيضاً: «يولد الناس من نساء ورجال أحراراً متساويين في الكرامة والحقوق، ولكل إنسان من ذكر وأنثى الحق في الحياة والحرية، وفي الاعتراف بشخصيته القانونية وحق التنقل وحق الحصول على الجنسية، وللمرأة والرجل معاً حق التزوج وتأسيس أسرة ولهما حقوق متساوية عند الزواج وأثناء قيامه وعند انحلاله».
وقد جاء العهد االدولي للحقوق المدنية والسياسية ليعزّز قضية عدالة الأجور والفرص والترقّي، فأكد على الأجر المنصف والمكافأة المتساوية بين المرأة والرجل دون تمييز، على أن يضمن للمرأة خصوصاً تمتعها بشروط عمل لا تكون أدنى من تلك التي يتمتع بها الرجل. وفي العام 1979 جاءت اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو)، وتعد وثيقة الحقوق الدولية للنساء الأهم حيث دشّنت عصراً جديداً للمرأة، وأضحت جواز مرورها إلى الحياة المتساوية مع الرجل.
وتعرّف الاتفاقية مصطلح التمييز بأنه «أي تفرقة أو استبعاد أو تقييد يتم على أساس الجنس، ويكون من آثاره أو أغراضه، توهين أو إحباط الاعتراف للمرأة بحقوق الإنسان والحريات الأساسية في الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية أو في أي ميدان آخر؛ أو توهين أو إحباط تمتعها بهذه الحقوق أو ممارستها لها، بصرف النظر عن حالتها الزوجية وعلى أساس المساواة بينها وبين الرجل.
وتمخّض المؤتمر العالمي للمرأة المنعقد في بيجين العام 1995، عن إعلان ومنهاج بيجين، الذي ينطلق مما تحقق من توافق وآراء في جميع مؤتمرات المرأة الأربعة الدولية لكي يعزّز المزيد من التمكين للمرأة، ملزماً الحكومات باتخاذ جميع التدابير اللازمة للقضاء على جميع أشكال التمييز، وذلك عبر تصميم وتنفيذ ورصد سياسات وبرامج لهذه الغاية الطموحة. وتقيس الأمم المتحدة وضع المرأة اليوم بمقدار ما أحرزته هذه الدولة أو تلك من منهاج بكين.
وفي تقرير التنمية البشرية للعام 2002، وُجد أن ضعف تمكين النساء في المنطقة العربية أحد أكبر مسببات التخلف، وقد حققت ثورات الربيع العربي للمرأة ما عجزت عن تحقيقه مئات الندوات والاستراتيجيات والدراسات والاتفاقيات المحلية والأممية التي انشغل بها العالم العربي منذ سنوات لتعزيز النهوض بالمرأة وتمكينها ومساواتها بالرجل ودمجها في المجتمع، وجعلها جزءاً أساسياً في نهضته ونموه وعصرنته. وانخرطت المرأة مع الرجل في الانتفاضات والاحتجاجات المطالبة بالحريات والحقوق والديمقراطية وكان السؤال الحتمي: كيف تُمكَّن المرأة إذا كان الرجل نفسه غير مُمَكّن؟ لذلك لم تستطع قلةٌ من النساء الواصلات إلى قمة الهرم في العمل الحكومي أو الخاص أو النيابي، تحقيق أية إضافةٍ نوعيةٍ تذكر في مواقعهن، ولم يعملن على إحداث التغيير الإيجابي في ثقافة المكان وبيئته المعادية للتمكين السياسي الحقيقي وللتغيير، وتمثلن قيم الرجال في التسلط وفي ممالأة الحكم لضمان بقائهن في المنصب فحسب.
وساهم إجهاض الثورات العربية وتسليحها وتحوّلها إلى حروب وصراعات أهلية، وانقضاض الأصولية الدينية لتقلّد سدة الحكم، في خسارة المكتسبات التي تحقّقت للنساء في الماضي وفي زيادة نسبة النساء الفقيرات والأرامل والمهجّرات المعدمات والمعنّفات، وصار الحديث عن التمكين في بعض الدول العربية ترفاً وليس مطلباً وضرورةً واحتياجاً.
وعوداً على بدء، فإن يوم المرأة العالمي مرتبط بالإصلاح السياسي الحقيقي الشامل، ومحفّز للمضي قدماً في إعلان ومنهاج عمل بيجين، والتزام بتنفيذ مقاصده وبنوده. إنه خارطة طريق تقتضي المزيد من العمل والمشاركة في صنع القرار للنساء والرجال معاً، ولن تحقّق النساء ما لم يحقّقه الرجال، فمعركة النساء هي معركة الأوطان من أجل الديمقراطية والعدالة والحقوق والمساواة والاعتراف بجميع الأصوات، ونبذ التمييز والتهميش.
إنّ حقوق المرأة إن هي إلا جزء لا يتجزأ من حقوق الإنسان، كما أنها جزء من العهود والمواثيق الدولية التي صادقت عليها أغلب بلداننا العربية.
إقرأ أيضا لـ "عصمت الموسوي"العدد 4574 - الإثنين 16 مارس 2015م الموافق 25 جمادى الأولى 1436هـ