حتماً، تندهش كلتا عينيك من أول وهلة لرؤيتها، تنبهر بحجمها وزخرفتها ورسمها وديكوراتها، وتطيل النظر والتركيز وبتمعن في كل زاوية وركن فيها، تلك هي دار الأوبرا السلطانية في مسقط.

في هذه الدار تصدح أحلى الأنغام، والصوت البلسم والأعمال الفنية الباهرة، بقيادة الأوركسترا السيمفونية السلطانية العمانية التي تأسست في العام 1985، وتضم خيرة الشابات والشباب العُماني الذين يستحقون الثناء على التزامهم وتفانيهم نحو الفن، ولهم محطات بارزة في مسيرتهم الفنية التي تجاوزت 140 حفلاً موسيقيّاً داخل السلطنة وخارجها.

كان لي شرف التواجد في تلك الدار بمرافقة الزميلات ليالي الصالح ورولى الصفار والشاعرة آيات القرمزي، وذلك لحضور حفل الفنان المناضل مارسيل خليفة، حيث كان الحفل على فقرتين، تضمنت الفقرة الأولى ولمدة تقارب الساعة، عزف مقاطع جميلة من «سيمفونية العائد»، من ألحان الفنان مارسيل خليفة، وقيادة الموسيقار هاروت فازليان.

أما الفقرة الثانية، التي تجاوزت الوقت المخصص لها واستمرت قرابة الساعة والنصف، فقد تضمنت مجموعة من أغاني الفنان مارسيل بصحبة فرقة الميادين.

صدَحَ صوت مارسيل وفريقه، وشاركته الجماهير الغفيرة في دار الأوبرا، واختلطت الموسيقى بالأصوات والألوان، وكانت مزيجاً باهراً ممتعاً تتمنى ألا تأتي لحظة نهايته.

أغنية «أمي» ألهبت الجوَّ الإنساني في القاعة، وأغنية «جواز السفر» كانت رسالة إنسانية لجميع من أسقطت عنهم الجنسية، وأغنية «ريتا» التي بدأت صغيرة والآن قد هرمت لكن مازالت محوراً لجميع المشاعر الإنسانية الجميلة بلا منافس. وجاءت أغنية «شدوا الهمّة» من أجل التعبير عن الصمود والتحدي لدى الجماهير العاشقة للحرية.

إبداعٌ جميلٌ متواصل من كل من عضوات وأعضاء الأوركسترا العمانية، وجلّهم من الشباب العُماني، وإبداعٌ جميلٌ وتطورٌ دائمٌ، لفرقة الميادين بقيادة الفنان الملهم مارسيل خليفة، الذي هو إنسانٌ ومناضلٌ في البدء قبل أن يكون مؤلفاً وموسيقيّاً، وهو مغنٍ ملتزمٌ بالقضايا الإنسانية العادلة بثورته على الظلم والعنف والحروب، وبسموه بالنضال إلى جوهره الأعمق من أجل تحرير الإنسان، حيث اجتمع مع الشاعر الفلسطيني محمود درويش في هذا المجال.

هنيئاً لمن حضر الحفل، وهنيئاً لنا بالأوركسترا العمانية، وهنيئاً لنا بالفنان مارسيل خليفة، وهنيئاً للعمانيين ما بلغوه من فنّ وتطور بليغ في وجود الدار، وتوافر مثل هذه البرامج، ومزيداً من التطور مستقبلاً. وهنيئا لي بهذه الصحبة على رغم قصر زمنها الذي لم يتعدَّ أربعاً وعشرين ساعة... لكنها كانت غنيةً جدّاً بالمرح والأوقات الممتعة، والضحك الوفير الذي حتماً يقوّي مناعة جسد الإنسان.