لم نتوقّع يوماً أنّ تولي مملكة البحرين اهتماماً كبيراً للمعوقين في الإعلام المرئي والمسموع والمكتوب فقط، وأن تكون العكس في الواقع المعيش، إذ أنّ عصر السبعينيات الذهبي قد انتهى، وانتهت معه الأفعال التي تأتي من السلطة لذوي الاحتياجات الخاصّة، ليتم تنفيذها على أرض الواقع في الوقت نفسه، للتسهيل على معاناة المعوقين، واليوم تأتي التوجيهات من أعلى السلطة، ولكنها تصطدم بالواقع البيروقراطي للوزارات، فلا نشهد إلاّ تصريحات الوزراء في الصحف والاعلام الداخلي والخارجي، من دون تحقيق فعلي على أرض الواقع.
أمامنا معاناة مواطن معوق اسمه «عزيز»، وهو عزيز نفس وصاحب كرامة، لم يطلب أو يتذّمر كالآخرين، بل إنّما يطالب بحق من حقوقه فقط، وهي قبل حقوق الآخرين، ذلك أنّ المعوق في جميع أنحاء العالم له مكانة خاصة، في المعاملات أو الإسكان أو التسهيلات، ولكن في البحرين هو في آخر القائمة، إلاّ في الاحتفالات والمناسبات، أمّا بقيّة الأيام فإنّ معاناة المعوق مستمرّة.
عزيز منذ أن تزوّج يسكن في بيت والده، ككثير من الأسر البحرينية، وعمله بعيد عنه وليس لديه سيّارة لتوصله، ويمشي كلّ يوم من مسجد قباء إلى حديقة الكازينو، ومن يسكن «لمحرّق» يعلم جيّداً المسافة بين مسجد قباء والكازينو إذا كان الماشي سليماً، فما بالكم بمعوق يمشي كل يوم ولا يتأخّر عن عمله، وكثير من موظّفي الحكومة الأصحّاء يتأخّرون عن أعمالهم!
لك الله يا عزيز، فهو العزيز القدير، الذي بيده تغيير حالك إلى حال أفضل، وهو الذي سيجعل المسئولين في بلدية «لمحرّق» أو وزارة البلديات يوفرون المواصلات لك أو لغيرك من المعوقين، ونحن نعلم المعاناة التي تعيشها كلّ يوم من أجل العمل والكسب الحلال.
حجم المشكلة التي يعاني منها «عزيز» ليست في العمل فقط، وإنّما في أمور الحياة، فتصوّروا معاناة الذهاب للمستشفى أو المدارس لأبنائه، أو التسوّق، وهي أمور معيشية نظنّ بأنها سهلة ولكنها شاقّة بالنسبة للمعوق، وخصوصاً ذوي الاعاقة الحركية، التي يعاني منها أقرباؤه أكثر من أي أحد آخر.
أما الإسكان، هذه القضيّة الشائكة للأصحّاء، فما بالكم بأصحاب الإعاقة، وعزيز يقطن في بيت أبيه مع زوجته وأبنائه وربّما أخوته، ومازال ينتظر بيت الاسكان على رغم تحديد نسبة للمعوقين في توزيعات الاسكان، ولا ننسى بأنّ الوزارة صرّحت سابقاً بأنّها تعمل على بناء مساكن خاصّة تتوائم مع حالات المعوق، فأين هي هذه البيوت؟ ولماذا لا تتعاون هذه الوزارة مع الجمعيات المعنية بالمعوقين من أجل تسهيل حصول المعاق على حلم العمر، وهم أصعب من الآخرين في الحصول على حقوقهم كاملة؟
إنّ المشكلة ليست في القيادة، فلقد وجّه سمو رئيس الوزراء الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة أكثر من مرّة الوزراء بخصوص حل المشكلات والتواصل مع المواطنين بصفة عامة، والعمل على حل كل ما يعترض المعوق بصفة خاصّة، فأينكم يا وزراء من توجيهات رئيس الوزراء؟
«عزيز» هذا المواطن العزيز ينتظر بفارغ الصبر اتصالاً فعلياً من وزارة البلديات، لتنصفه في معضلته وتنصف المعوقين الآخرين في الوزارة، كما ينتظر من وزارة الاسكان أخذ معضلته بجدّية وليس اتصالاً هاتفياً فقط لإسكات المواطن الفقير وإعطائه جرعة من المسكّنات حتى يرضى ويعيش الأمل الذي طال انتظاره. وما نقول إلاّ كما قال رسول الله (ص): «إنّما تُنصرون بضعفائكم». فلا تنسوها!
إقرأ أيضا لـ "مريم الشروقي"العدد 4572 - السبت 14 مارس 2015م الموافق 23 جمادى الأولى 1436هـ