العدد 4571 - الجمعة 13 مارس 2015م الموافق 22 جمادى الأولى 1436هـ

فيلم «بيردمان»... ارجموا الشيطان

«هذا ما أتحدث عنه. مشاهد ترتجف لها العظام، ضخمة وصاخبة وسريعة. انظر الى هؤلاء الناس. انظر الى اعينهم تتلألأ. إنهم يحبون هذا الهراء. يحبون هذه الدما. يحبون الاثارة لا يحبون هراء المسرحيات الكثيرة اللغو والمحبطة والفلسفية».

هكذا كان «بيردمان» يوسوس في خيال «ريغان» وهو يحلق بالقرب من اذنه كالشيطان، كانت البنايات تتفجر خلف «ريغان». النار تندلع في المكان. يصرخ الناس من الرعب ويهربون علهم يتمكنون من النجاة. التنين المرعب منتصب فوق احدى العمارات مطلقاً ناره فوقهم. صوت صفارات الشرطة يدوي في المكان مع رشاشاتهم النارية. إنها تماما اللحظة التي يظهر فيها البطل الخارق في افلام هوليود ليحسم الأمور. «هذا ما أتحدث عنه» يقول «بيردمان» محاولا إقناع «ريغان» بالرجوع الى عالمه السابق وتقمص دور البطل الخارق «بيردمان... الرجل الطائر» من جديد.

وسط أفلام السياسة، الحرب في العراق، ظلم السود، وعباقرة الرياضيات، حصل فيلم الكوميديا السوداء «بيردمان» للمخرج المكسيكي أليخاندرو غونزالس إناريتو على نصيب الأسد من الأوسكار. «بيردمان» هو أحد الأسباب التي جاءت من أجلها الأوسكار، انه جزء مما تريد قوله الأوسكار الى الناس وهي الابتعاد عن النمط التقليدي الذي قلما تبدي له الجائزة اي اهتمام. بل على النقيض فقد رشح فيلم «المتحولون» هذه السنة الى 7 جوائز «غولدن راسبيري» وهي جائزة تمنح لأسوء فيلم، وحصل منها على جائزتين هما أسوء إخراج، وأسوء ممثل. ببساطة جزء من نمط هوليود صار على المحك وجاء «بيردمان» لمعالجته وتصحيحه.

«ريغان» حسب قصة الفيلم هو ممثل تقمص شخصية «بيردمان» في عدة أجزاء منذ زمن. وكان قد اعتذر عن اخذ دور البطل في الجزء الجديد للفيلم، من أجل العمل على مسرحيته المقبلة. «ما الذي يدفع مثلك للتخلي عن بطولة سلسلة أفلام مقتبسة من القصص المصورة لإعداد رواية لـريموند كارفر على المسرح؟» يوجه الصحفي سؤاله الى «ريغان» في الفيلم.

هنا، تذكرت مسرحية «الزومبي» للمخرج البحريني عيسى الصنديد الذي عالج فيها عزوف الناس عن المسرح. وتذكرت ايضا ان الجمهور بالكاد يملأ ربع الصالة في المهرجانات المسرحية الجادة رغم ان الدخول مجاني والدعوة عامة، بينما كانت التذاكر تنفذ قبل ايام من العرض على المسارح الهزلية في البحرين ودول الخليج. «ريغان» ترك بطولة الفيلم لكي ينهي مسيرته المهنية بشكل لائق يدعو الى الفخر. في المقابل كان أعمدة الفن في الخليج والعالم العربي ممن امتعونا بأعمال لا استطيع ان اقول الا انها باتت جزءا أصيلا من التراث، أقصد أعمال بحجم «درب الزلق» و»مدرسة المشاغبين» وغيرها. للأسف هؤلاء الأعمدة، كانوا يتفننون في تشويه صورتهم في كل مرة. انهم يأخذون المطرقة ويحطمون كل عملاق كوناه عن مسيرتهم في قلوبنا، حتى صغر هذا العملاق داخلنا وبات قزما يدعو للسخرية عبر مشاركتهم في أعمال هزيلة تدعو للخجل. إنه ختام المسيرة. إنه شيء نتذكره لكم قبل رحيلكم، ليتكم كنتم قد اعتزلتم الفن قبل أن تنهوا مسيرتكم بهذا الشكل المريع. أيضاً تذكرت اننا بعد أشهر من الآن سندخل شهر رمضان الكريم وستنتج دول الخليج وحدها أكثر من أربعين عملا. كم منها متشابه؟ وكم منها سيأتي بجديد؟.

«بيردمان» الشيطان موجود فوق رؤوسنا منذ زمن، ويوسوس لنا مثل ما كان يوسوس الى «ريغان»، لكننا لسنا «ريغان» لكي نخالفه. اننا ننصت الى هذا الشيطان في كل عام بدل مواجهته. انه يرجمنا بدل أن نقوم برجمه، بل ونبحث عنه كل ما غاب عن محطة. ختاما إلى نقاد ومثقفي الخليج، هذه دعوة صادقة الى طرح جائزة شبيهة بجائزة «غولدن راسبيري» مخصصة للأعمال الخليجية. علنا نرتقي قليلا.

العدد 4571 - الجمعة 13 مارس 2015م الموافق 22 جمادى الأولى 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً