العدد 4571 - الجمعة 13 مارس 2015م الموافق 22 جمادى الأولى 1436هـ

قرية الدراز: بين الحقائق التاريخية والأساطير المروية

إن عملية توثيق تاريخ القرى والمناطق في البحرين بصورة علمية، تعتبر من العمليات الصعبة نتيجة لقلة المصادر التاريخية التي كتبت بمنهجية علمية، ولتناثر نتائج الدراسات الآثارية، التي أجريت في القرى في البحرين، بين العديد من الدراسات التي لم ينشر أغلبها حتى اليوم. أضف إلى ذلك كثرة الاجتهادات الشخصية والاعتماد الكبير على المعلومات النقلية الشفاهية التي لم توثق بصورة دقيقة. كل تلك الأسباب أدت لترسيخ مفاهيم خاطئة حول تاريخ نشأت القرى، ناهيك عن تسرب عددٍ من القصص والحكايات الضعيفة والمتناقضة والأقرب للأساطير تم ربطها بتاريخ عددٍ من القرى. لقد أوضحنا في الحلقات السابقة أن غالبية قرى البحرين تأسست في الفترة ما بين القرن الثاني عشر والرابع عشر وذلك لأسباب تم توضيحها بصورة مفصلة. فأعداد سكان البحرين تزداد في فترة وتتناقص في فترة أخرى اعتماداً على العديد من الظروف والتي يمكنك الرجوع لها في سلسلة المقالات التي نشرناها حول «نموذج تطور المجتمع البحريني القديم».

في هذه الحلقة سوف نتناول حكاية شعبية متوارثة، تم ترسيخها في عقول العامة حتى أصبحت عند البعض من المسلمات، غير أنها حكاية ضعيفة أقرب للأسطورة من الحقيقة. هذه الحكاية يبني عليها البعض تاريخاً لعدد من مناطق البحرين. هذه الحكاية لا يوجد دليل آثاري واحد يقويها، بل أن الدلائل الآثارية تعارضها، إنها القصة التي أرتبطت بعين أم السجور.

تاريخ الدراز وعين أم السجور

نقل الشيخ يوسف البحراني في كتابه «الكشكول» (ج1، ص 78 - 81)، رواية مفادها، أنه في عهد الخليفة الأموي عبدالملك بن مروان بن الحكم (685 - 705م)، كانت البحرين، التي كان يحكمها حينها الأمير زيد بن صوحان العبدي، على خلاف مع الدولة الأموية؛ وفي سبيل تسوية تلك الخلافات قام عبدالملك بن مروان بتجهيز جيش قاده بنفسه ليدخل به البحرين. وفعلاً دخل بالجيش واستقر في الطرف الغربي لكبرى جزر البحرين، وكان مجيئهم من أول الدراز إلى بني جمرة. وكانت قلعة البحرين يومئذ في البلاد القديم عند المشهد وهي القلعة التي بناها الملك دقيانوس وهو الذي تجبر وهرب منه أصحاب الكهف والرقيم. وقام زيد بن صوحان بتقسيم الجيش إلى فرق وعلى كل فرقة قائد، وهؤلاء القادة هم: صعصعة بن صوحان، وإبراهيم بن مالك الأشتر، وسهلان بن علي. وقد وقعت مقتلة عظيمة، ولم يقدر عبدالملك بن مروان على جيش البحرين إلا بالحيلة؛ حيث استمال العديد من رجال البحرين بالرشوة. ثم قام بعدها بدفن العديد من العيون، وأهمها عين أم السجور وكانت أقوى عين في البحرين.

وقد نقل هذه الرواية محمد علي التاجر في كتابه «عقد اللآل في تاريخ أوال» (التاجر 1994، ص 38 - 40)، وبعد ذكره لتفاصيل الرواية أوضح بعدها مدى ضعف هذه الرواية؛ حيث ذكر أن التاريخ يحدث بمصرع زيد بن صوحان في واقعة الجمل وبمصرع إبراهيم بن مالك الأشتر في الكوفة مع مصعب بن الزبير، كذلك، لم يذكر لنا التاريخ مجيء عبدالملك بن مروان بنفسه إلى البحرين؛ لهذه الأسباب ضعف التاجر هذه الرواية، بما داخلها من المتناقضات، ولتفادي التشويش في القسم التاريخي آثر التاجر نقل هذه الرواية عند الحديث عن قرية الدراز وليس في الجزء التاريخي (التاجر 1994، ص 40).

تأسيس قرية الدراز

جزء من منطقة الدراز الحالية (كمساحة من الأرض وليس كمسمى لقرية)، تم استيطانه في فترات ما قبل الميلاد وبالتحديد في الحقب الدلمونية المبكرة إلا أن المنطقة هجرت لاحقاً. أما قرية الدراز الحالية فقد بدأ الاستيطان فيها قرابة القرن الرابع عشر الميلادي، وذلك بحسب أقدم أثر إسلامي عثر عليه في هذه المنطقة، وبالتحديد بدأ الاستيطان بالقرب من رأس أبو صبح (Larsen 1983, p. 302)، وبالقرب من هذه المنطقة تم بناء أول مسجد في الدراز وهو مسجد أبو صبح. فهذا المسجد له ذكر قديم، وقد كان من المساجد المشهورة التي يزورها سكان البحرين في تلك الحقبة. وأقدم إشارة لهذا المسجد وردت في هامش لمخطوطة قديمة تعود للعام 1556م. وقد نشر هذا الهامش المهم جاسم العباس في حسابه على «الإنستغرام» (سنوات الجريش). وقد قال آل عباس عن هذه المخطوطة إنها «عبارة عن كتاب فقهي اسمه «الروضة البهية» للشهيد الثاني العاملي. والنص الذي يهمنا في المخطوطة هو حاشية على الكتاب وهذا نصها:

«مسألة التقصير في زيارة مساجد أهل البحرين من مسجد أبو صبح إلى مسجد سباسب إلى مسجد سبسب إلى عسكر الشهداء إلى سهلان إلى عسكر سبد مسافة التقصير وهي ست وتسعون ألف ذراع فما زاد يكسّر بحيث تكون على الزائر المساجد المشرفة مساجد البحرين المتعاهد زيارتها بالدوران (أو الدوزان أو الذوزان) مسافراً يجب عليه التقصير وبه شهد الشهود الثقات وهم الشيخ علي بن محمد ويوسف بن إبراهيم المقابيان والشيخ علي بن مبارك (والشيخ ...) والشيخ حسن بن علي النحيل مشافهة منهم للذرع سنة 963هـ (أي العام 1556م). وهي واردة في نص سؤال وجهه أهالي البحرين للمحقق الكركي في فترة مرجعيته والمتوفى في العام تسعمائة وأربعين هجرياً. وقد نقل ناسخ الكتاب السؤال في الحاشية» انتهى.

وهذا يعني أن مسجد أبو صبح بني في حقبة زمنية تقع ما بين 1350 - 1500م، وأنه كان من المساجد المشهورة التي تزار في تلك الحقبة. يذكر، أن هذه المسألة ذكرها، أيضاً، محمد علي التاجر في كتابه «منتظم الدرين»، ونقلها عنه الشيخ عبدالأمير الجمري في كتابه «ملامح تأريخية عن بني جمرة»، إلا أنه في النسخة المطبوعة من كتاب «منتظم الدرين» والتي عنى بتحقيقها الشيخ ضياء بدر آل سنبل، ذكر اسم مسجد أبو صبح محرفاً؛ حيث جاء برسم «مسجد الوضيح» (ج1، ص 404).

اللهجة الدرازية والعزلة الاجتماعية

يعتبر عامل الانعزال من أهم العوامل التي تؤدي للتباين في اللهجات بين المجموعات الحضرية التي تعيش في قرى في منطقة جغرافية محددة. ولا يقصد بالانعزال البعد الجغرافي فقط، بل الانعزال الاجتماعي أيضاً؛ فقد أثبتت الدراسات أن العامل الأكثر تأثيراً ليس المسافة بين المجموعات الحضرية في القرى بل مدى التعامل والتواصل بين هذه الجماعات (Miller 2011). فمجموعات القرى مهما كانت متقاربة فمع الزمن يبدأ ظهور بعض الظواهر اللهجية الخاصة بكل قرية. قد لا تكون تلك الظواهر ملحوظة وقد تكون متفاوتة بصورة واضحة، وهذا يعتمد على مدى التواصل الاجتماعي بين هذه القرى. لو أخذنا مجموعة من قرى شارع البديع المتقاربة كمثال لرأينا مدى تقارب هذه القرى بسبب تقاربها الجغرافي ولكن يمكن تمييز بعض الظواهر اللهجية الخاصة ببعض القرى؛ وهذا دليل على وجود نوع من الانعزال الاجتماعي.

بينما لو أخذنا لهجة كلهجة قرية الدراز لوجدنا بها ظواهر صوتية ولهجية واضحة تختلف عن باقي القرى التي تحيط بها، وتجعل منها لهجة مميزة. وهذا دليل على وجود عزلة اجتماعية قديمة. فمن خصائص اللهجة الدرازية نطق حرف الجيم «ياء»، وكذلك تختلف في حركة حرف الجر اللام وذلك عند ما تسند للضمائر المتصلة؛ حيث توجد صورتان مميزتان لهذه اللام الأولى تتميز بها لهجة قرى شارع البديع وهي نطق هذه اللام بالكسر عند إسنادها لياء المتكلم، أي تصبح «لِيِّ» أو «إلِيَّ» فيقال، على سبيل المثال, (هدا لكتاب لِيِّ أو إلِيَّ أي هذا الكتاب لِي)، وهي صورتها كما في الفصحى. أما الصورة الثانية فهي بالفتح، أي يقال «لَيِّ» أو «إلَيَّ»، وهي الصورة السائدة في اللهجة الدرازية، وكذلك مناطق أخرى بعيدة عن قرى شارع البديع، وقد فصلنا ذلك في سلسلة مستقلة حول اللهجات في البحرين. وغير ذلك من الظواهر اللهجية والألفاظ التي ميزت اللهجة الدرازية عن غيرها من لهجات القرى المحيطة بها مما يعزز نظرية وجود عزلة اجتماعية قديمة.

يذكر أن قرية الدراز والقرى المحيطة بها تأسست في الغالب في نفس الحقبة الزمنية وهي الحقبة ما بين القرن الثاني عشر والرابع عشر الميلادي. غير أن الدراز تأسست وبقيت في عزلة اجتماعية، بينما القرى المحيطة تأسست متجاورة وفرقتها الشوارع والعمران، إضافة لحدوث هجرات لقرى بأكملها، وهذا ما سوف نحاول توضيحه في الحلقات القادمة.

العدد 4571 - الجمعة 13 مارس 2015م الموافق 22 جمادى الأولى 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 18 | 1:00 م

      الدراز

      اولاً نحن ابناء الدراز وكل القرى لايمكن ان نسمي ابنائنا بأسماء غير قراهم فمثلاً هل تقبل انت ان نسميك الدرازي وانت من باربار وهل تقبل ان نسميك جاسم وانت اسمك حسين كل شخص ينتمي الى مكانه لايقبل ان يُسمى ابنائه بغير مناطقهم الاصلية ونحن ابناء الدراز نفتخر بدرازيتنا وانت اهل باربار تفتخرون ببرباريتكم ونبقى اخوة احبة وكلاً يفتخر بمنطقتة كم انا بحرينيين نفتخر ببلادنا ولا يمكن ان نقبل بان نسمى اي بلد غير بلادنا

    • زائر 17 | 10:01 ص

      درازي

      وخير شاهد على نفي وجود العزلة المصاهرات القديمة بين الدراز وجيرانها فأغب سادة الدراز من المرخ او مقابة وعائلة العرب من اقدم العوائل نصفها في بني يمرة ونصف في الدراز عائلة ال محمود المعروفون بحذاقتهم في البحر يلتقون مع عائلة العجرة اليمرية في جد

    • زائر 16 | 9:57 ص

      درازي

      دراسة اللغة المنطوقة أصعب من المكتوبة قيل ان الدراز من بني تميم التي تبدال الجيم ياء والابدال موجود في العربية فقريش كانت لا تهمز تقلب الهمزة ألف لينة في سما وإلي ياء في جبريل وكذلك الدراز عندها ابدال بمقاييس صرفية وبلاغية لا نقول يابر فيصير منفر ولا يعفر فيصير ممنوعا من الصرف وتحسب الياء مضارعة وهذا وفي نبراتها مورفيمات واضحة لاسيما عند السؤال واختلاف اللهجة ليس دليلا ع العزلة وانما لقوة كيانها المتوارث

    • زائر 11 | 4:48 ص

      لي الفخر بأني درازي

      الدراز والدراوزه نحن متعلقين بجذورنا في درعزنا الحبيبه ونشعر بالفخر لأننا من الدراز ورأس تاجنا سماحة اية الله عيسى قاسم
      اما بالعزله التاريخيه فربما نعم وربما لا

    • زائر 9 | 3:41 ص

      الدراز نار على علم

      لا يمكن الحديث عن الدراز دون التعرض لرجالاتها و من يستعرض سير المشاهير من العلماء كالشيخ حسين العصفور و الشيخ يوسف و الشيخ عيسى قاسم غيرهم من السابقين و اللآحقين لدليل على عدم العزلة الاجتماعية بل التواصل الذي تجاوز الحدود الجغرافية

    • زائر 6 | 3:11 ص

      الدراز الشامخة

      ان الدراز كانت ومازالت شامخة وليس في تاريخها مايشير لاي عزلة كانت وانما تصدي للاي معتدي وكذلم كان مايرويه الاجداد عن قصة عبد الملك بن مروان وغيرها .الحوادث.

    • زائر 2 | 1:53 ص

      عزلة اجتماعية؟

      أي عزلة اجتماعية الله يهديك؟

    • زائر 5 زائر 2 | 3:11 ص

      درازي

      الله يهديهم الدراوزه بدل ما يوقفون صف واحد مع جيرانهم باربار رايحين بسجلون الأراضي والمساحات والبيوت اللي عنوانها على باربار بسجلونها على انها الدراز... ما يصير .... ما يصييييييير ، وما خلوا باب الا طرقوه عشان هالسالفه

    • زائر 13 زائر 2 | 6:38 ص

      ردا على الزائر رقم 5

      ردا على الزائر رقم 5 ...اهالي الدراز لهم الحق في ذلك وعين ام السجور درازية كما عايشناها و كتب عنها المؤرخون ولذلك فكيف يكتب الآن عناوين البيوت في نفس المنطقة بإسم غير الدراز ؟ اهل السبب هو الشارع الجديد الذي يحدد المنطقة ؟ ام ان الذي يحدد هو نفسه تاريخ الدراز وحدودها ؟

    • زائر 1 | 11:23 م

      الدراز

      الدراز بقت صامدة مستقلة (ارض زراعية-صيد الاسماك )واستقلالها في مواقفها لكبر حجمها و بسالة اهلها و علمية ناسها ربما هذا الاستقلال و الصمود هو ما عبرت عنه وجود نظرية عزلة اجتماعية وايضا ليس دقيقا التوصيف الا اذا كان المعني به المحافظة عليها كمساحة دون ان تمحى او تندمج وتزول.

اقرأ ايضاً