كثيراً ما يكون الطفل عنواناً لأخلاقيات والديه، ودليلاً على نوعية تربيتهما له؛ فحين ينال حظّاً وافراً من التربية الحسنة، ونوعية جيدة من الوقت الذي يقضيانه معه، يكون طفلاً بقامة بالغٍ؛ لحسن تصرفه وخلقه وجمال معشره.
قبل أيام قرأتُ قصة حول طفل مصري لقّبه المؤرخ الفرنسي فيفيان دينون والجنرال ديزيه بأشجع ولد في العالم، فتمنيت لو قرأت عن طريقة تربيته وعن والديه شيئاً؛ لأعرف من هم وراء هذا الطفل الرائع.
القصة وقعت في قرية صغيرة تدعى الفقاعي، تقع بمحافظة بني سويف، حيث تمركز فيها الجنرال ديزيه حتى يصله مدد من المدفعية ليستكمل غزو الصعيد، وحدث أن لفت نظر ديزيه ذات ليلة اختفاء كمية من الأسلحة من المعسكر، ثم تكرر الأمر في الليلة التالية؛ ولهذا شُدِّدت الحراسة والمراقبة فى المعسكر.
وخلال المراقبة رُصد صبيٌّ صغير يقال إنه كان يدعى عبدالستار آدم، وعمره 12 سنة فقط، يتسلل إلى المعسكر في الليل ويجمع ما يستطيع حمله من البنادق ليقدمها للمقاومة الشعبية، فطارده جندي فرنسي حتى أصابه بالسيف فى ذراعه وأسره. سمع ديزيه بأمر الصبي فاستدعاه للاستجواب، سائلاً:
لمَ تسرق أسلحة الجيش الفرنسي؟
- لأنها أسلحة أعدائي وأعداء بلادي.
ومن حرّضك على هذه الجريمة؟
- ألهمني الله أن أفعل ما فعلت.
هل تعرف أن عقوبتك هي الشنق؟
- دونك رأسى فاقطعه.
وأراد ديزيه أن يختبر شجاعة الصبي فأمر بإعدامه، وهنا ظهر معدن الصبي فلم يبكِ ولم يصرخ ولم يطلب العفو، لكنه رفع رأسه إلى السماء وتمتم ببعض آيات من القرآن الكريم. أعجب ديزيه بموقف الصبي وصلابته، فاستبدل الإعدام بالجلد 30 جلدة، تحملها الصبي ولم يتأوه.
بعد انتهاء حكم الجلد قال له ديزيه: يا بني، سأكتبُ في تقريري اليوم إنني قابلتُ أشجع ولد في الصعيد، بل أشجع ولد في العالم كله.
وقد ذكره المسيو فيفيان دينون في كتابه «رحلة الوجه البحري ومصر العليا أثناء حرب الجنرال بونابرت»، وكان شاهد عيان للواقعة، فقال «عرضتُّ عليه أن أتبناه وأن أكفل له مستقبلاً سعيداً، فردَّ الصبي: ستندم على تربيتي؛ لأنني سأقتلك وأقتل معك من أستطيع من أعداء وطني.
مثل هذا الصبي ما كان ليستطيع الوصول إلى هذه الشجاعة وهذه الفصاحة والنباهة، لولا جهد والديه أو أحدهما واهتمامهما به، ومثله غيره من أبناء مصر والعالم العربي والدولي، فالأطفال هم الأطفال في أية بقعة من هذه الأرض، عجينةٌ لينة تتشكل بحسبما يصلها من تأثيرات العالم من حولها، تنمو سليمة بفطرتها التي خلقها الله على أكمل وجه حين تجد الرعاية المناسبة، وتتبدل عن هذه الفطرة وتحيد حين لا تجد الجيد من الرعاية وتنال حظها من الإهمال واللامبالاة.
للأطفال علينا حقٌّ بالعيش بسلام، وبتوفير كل ما يحتاجون إليه من رعاية ومحبة وتربية حسنة قائمة على الثقة بالله وبالنفس.
إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"العدد 4571 - الجمعة 13 مارس 2015م الموافق 22 جمادى الأولى 1436هـ
سعدالدين شاهين
ترى اليس علينا تضمين مثل هذه القصص البطولية في مناهجنا المدرسية بدل الغث الذي نراه
شكرا لك
مقال رائع
قصه جميله ومعبره
اعتراف العدو قبل الصديق هو الحقيقة التي يجب ان نتعلم منها
بإن الحق أحق ان يتبع
ونعم الصبي ونعم التربية
وسلم قلمك الحر المبدع
لدينا الكثير من الشجعان
لدينا الكثير من الاطفال من الشجعان في البحرين ولربما أشجع منه.
زووعة
مقال رائع سيدتي الحسناء .. سلمت اناملك