رأى إمام وخطيب جامع مركز أحمد الفاتح الإسلامي، الشيخ عدنان القطان، أن إعداد النفس، والإيمان بالقضاء والقدر، من الأمور التي تعين المسلم على الصبر في المصائب، داعياً إلى التأسي بأهل المصائب، وتذكر حال الرسول (ص) وسعة رحمة الله عز وجل وواسع فضله، وتذكر حسن الجزاء عند المصائب.
واعتبر القطان، في خطبته يوم أمس الجمعة (13 مارس/ آذار 2015)، «أن المصائب من دلائل الفضل، وشواهد النبل».
وعدد القطان في خطبته «عشر وصايا» أكد أنها تعين المسلم في الصبر على المصائب.
وأوضح في الخطبة التي حملت عنوان «وصايا لأهل البلاء والمصائب»، أن أول ما يعين على المصائب «إعداد النفس: فعلى المسلم أن يهيئ نفسه للمصائب قبل وقوعها، وأن يدربها عليها قبل حدوثها، وأن يعمل على صلاح شئونها؛ لأن الصبر عزيز ونفيس، وكل أمر عزيز يحتاج إلى دربة عليه، عليه أن يتذكر دوماً وأبداً زوال الدنيا وسرعة الفناء، وأن ليس لمخلوق فيها بقاء، وأن لها آجالاً منصرمة ومدداً منقضية، وقد مثل الرسول (ص) حاله في الدنيا كراكب سار في يوم صائف، فاستظل تحت شجرة ساعة من نهار، ثم راح وتركها».
وخاطب كل مسلم بقوله «لا تغتر برخاء، ولا تؤمل أن تبقى الدنيا على حال أو تخلو من تقلب وإصابة واستحالة، فإن من عرف الدنيا وخبر أحوالها هان عليه بؤسها ونعيمها، ومن أحب البقاء فليعد للمصائب قلباً صبوراً».
وذكر أن «مما يعين على الصبر على المصائب الإيمان بالقضاء والقدر: فمن آمن بالقضاء والقدر وعلم أن الدنيا دار ابتلاء وخطر، وأن القدر لا يرد ولا يؤجل، اطمأنت نفسه وهان أمره. ومن المشاهد المعلوم أن المؤمنين هم أقل الناس تأثراً بمصائب الدنيا، وأقلهم جزعاً وارتباكاً، فالإيمان بالقضاء والقدر صار كصمام الأمان الواقي لهم بإذن الله من الصدمات والنكسات».
وتابع «ومما يعين على الصبر على المصائب، تذكر حال الرسول (ص) والسلف الصالح: فالرسول أسوة الكل، وفي تأمل حاله عظة وسلوى وعزاء، فقد كانت حياته كلها صبراً وجهاداً، ففي فترة وجيزة مات عمه أبو طالب الذي كان يمنع المشركين من أذاه، وماتت زوجته الوفية الصابرة خديجة، ثم ماتت بعض بناته، ومات ابنه إبراهيم، واستشهد عمه حمزة بن عبد المطلب، فلم يزد على أن قال وقد دمعت عيناه: (إن العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون). ومات الكثير من أصحابه الذين أحبهم وأحبوه، فما فت ذلك في عضده، ولا قلل من عزيمته وصبره».
ولفت إلى أن «أعظم ما يخفف مصيبة المصاب، تذكره لمصيبته بموت الحبيب المصطفى (ص)، ومن تأمل أحوال السلف الصالح رحمهم الله وجدهم قد حازوا الصبر على خير وجوهه».
واستطرد القطان في ذكره لما يعين على الصبر على المصائب، داعياً إلى «استحضار سعة رحمة الله عز وجل وواسع فضله: فالمؤمن الصادق في إيمانه يحسن ظنه بربه. فثقوا عباد الله بسعة رحمة الله بكم، وأن أقداره خير في حقيقة أمرها وإن كانت في ظاهرها مصائب مكروهةً وموجعةً، ثم تأملوا فيما حباكم به الله من النعم والمنن، لتعلموا أن ما أنتم فيه من البلاء كقطرة صغيرة في بحر النعماء، وتذكروا أن الله لو شاء لجعل المصيبة أعظم، والحادثة أجل وأفدح، واعلموا أن فيما وقيتم من الرزايا وكفيتم من الحوادث ما هو أعظم مما أصبتم به».
وأضاف «مما يعين المسلم على الصبر عند المصائب، التأسي بغيره من أهل المصائب: تأسوا بغيركم وتذكروا مصائبهم، وانظروا إلى من هو أشد مصيبة منكم، فإن في ذلك ما يذهب الأسى ويخفف الألم ويقلل الهلع والجزع. وتذكروا أن من يتصبر يصبره الله، ليتذكر من أصيب بعاهة أو مرض من أصيب بما هو أشد، وليتذكر من فجع بحبيب وعزيز من فجع بأحباب وأعزاء، وليتذكر من فقد ابنه من فقد أبناء، وليتذكر من فقد أبناءً من فقد عائلة كاملة. ليتذكر الوالدان المفجوعان بابن آباءً لا يدرون شيئاً عن أبنائهم، فلا يعلمون أهم أحياء فيرجونهم أم أمواتاً فينسونهم...».
ونبه إلى أن «المصائب من دلائل الفضل، وشواهد النبل»، مطالباً بـ «تذكر حسن الجزاء: ليتذكر كل منا حسن الجزاء ليخف حمل البلاء عليه، فإن الأجر على قدر المشقة، والنعيم لا يدرك بالنعيم، والراحة لا تنال إلا على جسور من التعب، وما أقدم أحد على تحمل مشقة عاجلة إلا لثمرة مؤجلة، والصبر على مرارة العاجل يفضي إلى حلاوة الآجل، وإن عظم الجزاء مع عظم البلاء... تذكروا ما أعده الله للمبتلين الصابرين من الأجر والثواب، وتكفير السيئات، ورفعة الدرجات وحسن الخلف والعوض، فأما الأجر والثواب فلا أحسن ولا أعظم من الجنة جزاءً وثواباً، وقد وعد بها كثير من الصابرين، فوعدت بها تلك المرأة التي كانت تصرع إذا ما صبرت،وصبرت ودعا لها النبي (ص) بالجنة.
وأكد على ضرورة «كف النفس عن تذكر المصيبة: على من أصيب بمصيبة أن يكف نفسه عن تذكرها وتردادها في ذهنه، وأن ينفي الخواطر والمهيجات إذا مرت به، ولا ينميها ويعايشها، فإنها تصير أماني لا نفع منها ولا غنى وراءها، وأمثال هذه الأماني رؤوس أموال المفاليس؛ لأن من مات لا يعود، وما قضي لا يرد».
وذكر أن «مما يقع فيه كثير ممن أصيب بفقد ولد أو حبيب أو قريب، أنه يسعى إلى الاحتفاظ ببعض أشياء الميت التي تذكره به في كل حين، مما يحول دون برء جراحه، ويجدد همومه وأحزانه»، محذراً من البقاء في العزلة والانفراد. وقال: «ابتعد -أيها المصاب- عن العزلة والانفراد، فإن الوساوس لاتزال تجاذب المنعزل المتفرغ، والشيطان على المنعزل أقدر منه على غيره. واشغل نفسك بما فيه نفعك، واحزم أمرك، واشتغل بالأوراد المتواصلة والقراءة والأذكار والصلوات، واجعلها أنيسك ورفيقك، فإنه بذكر الله تطمئن القلوب».
وأوصى القطان بـ «ترك الجزع والتشكي: إياكم عند المصائب الجزع وكثرة الشكوى، فإن من غفل عن أسباب العزاء ودواعي السلوة، تضاعفت عليه شدة الأسى والحسرة، وهو بهذا كمن سعى في حتفه وأعان على تلفه، فلا يطيق على مصابه صبراً، ولا يجد عنه سلواً».
وقال: «الابتلاءات والمصائب في هذه الحياة الدنيا أمر لا بد منه، من منا لم تنزل به مصيبة، أو يتعرض لمشكلة؟! من منا لم يفقد حبيباً، أو يخسر تجارة، أو يتألم لمرض ونحوه؟!».
ورأى أن «جذور الزرع في الأرض اختلطت وتماسكت، فالريح وإن أمالته لا تطرحه ولا تكسره ولا تسقطه، وكذلك المؤمن فإن النوائب والمصائب وإن آلمته وأحزنته، فإنها لا يمكن أن تهزمه أو تنال من إيمانه شيئاً، ذلك أن إيمانه بالله عاصمه من ذلك».
وأكد أن «هذه الدنيا مليئة بالحوادث والفواجع والأمراض والقواصم، فبينما الإنسان يسعد بقرب عزيز أو حبيب، إذا هو يفجع ويفاجأ بخبر وفاته، وبينما الإنسان في صحة وعافية وسلامة وسعة رزق، إذا هو يفجع ويفاجأ بمرض يكدر عليه حياته ويقضي على آماله، أو بضياع مال أو وظيفة أو منصب، تذهب معه طموحاته وتفسد مخططاته ورغباته».
وتابع «في هذه الدنيا منح ومحن، وأفراح وأتراح، وآمال وآلام، فدوام الحال من المحال، والصفو يعقبه الكدر، والفرح فيها مشوب بترح وحذر. وهيهات أن يضحك من لا يبكي، وأن يتنعم من لم يتنغص، أو يسعد من لم يحزن. هكذا هي الدنيا وهذه أحوالها، وليس للمؤمن الصادق فيها إلا الصبر، فذلكم دواء أدوائها».
العدد 4571 - الجمعة 13 مارس 2015م الموافق 22 جمادى الأولى 1436هـ
خاطرى
خاطرى يوم واحد من خطبك تهاجم الحكومة هل الحكومة الي تفعله فى الناس الابرياء عدل قول كلمة حق ولاتخاف