أنت في النهاية لست أنت، مهما أظهرت من النبل والشجاعة، من الاختلاف والفن والذوق الرفيع، مهما ناديت بما لا ينادي به الآخرون. أنت لا تحمل اسمك الرسمي وهيئتك الواقعية، هي حالة من الوهم نعيشها، تصغر أو تكبر، بحسب ما نخشاه، ونهرب من تحمل مسئوليته، ليبقى السؤال لماذا نخاف من البوح بمن نحن؟
العرب استخدموا الكنية للأشخاص وهي بخلاف الاسم، وكانوا يقولون: كنّوا أولادكم حتى لا تغلب عليهم الألقاب، فجرت العادة على تكنية المولود من أول يوم يولد فيه تفاؤلاً بقدومه، والكنية مشتقةٌ من الكناية، وهي تعني التعريض بالشيء دون التصريح باسمه. ويقال أن أصل استعمال الكنية عند العرب لإخفاء أسمائهم وقت الحرب، ثم أصبحت عادةً لتمييز الأشخاص، وقد استخدمها العرب لأبنائهم «ما صدر بأب أو أم أو ابن أو بنت» على حد قول الجرجاني. وذهب ابن الاثير إلى القول بأن العرب كنّوا الحيوانات والجماد أيضاً، إذ يكنى الأسد بأبي الحارث، والضبع بأم عامر، والخبز أبو جابر، وبنت أرض للحصاة.
وللكنى أهدافٌ كما أشار إليه الأهدلي بقوله: «والمقتضي للتكنية أمور: الإخبار عن نفس كأبي طالب، التفاؤل والرجاء كأبي الفضل، لمن يرجو ولداً جامعاً للفضائل، أو الإيماء إلى الضد، كأبي يحيى لملك الموت». وكان العرب عادةً ما يلجأون إلي كنية الصفة أو المنصب للتفريق بين من يحملون اسماً واحداً، إذ كان من المتعارف أن يسمي الأب عدداً من أولاده باسمٍ واحد ولكن بكنى مختلفة، فيقال إن عمر بن يحيى بن الحسين لديه ثمانية وعشرون ولداً، واحد وعشرون منهم اسمه (محمد) لذا كانت كناهم مختلفة، إذ كني أحدهم أمير الحج، والآخر صاحب الكوفة، ومع هذا تبقى الكنية لدى العرب للتمييز وليس للإخفاء.
الاسم المستعار كما هو معروف، اسمٌ وهمي يستخدمه بعض الناس في التواصل الاجتماعي بغرض إخفاء هويتهم الحقيقة، واختلف المحللون والكتاب الذين تدارسوا هذه الظاهرة وشيوعها في أوساطنا بشكل كبير، فمنهم من أرجعها إلى طبيعة العقلية العربية الجانحة إلى الازدواجية، فنرى بعضهم يبحث عن اللهو في العالم الافتراضي بشخصية عابثة في حين يحرص أن تبقى شخصيته الحقيقية جادةً ملتزمة، إذ يصل الأمر ببعضهم إلى أن يستعير اسماً مخالفاً لجنسه، والبعض الآخر فسّرها بالرغبة الجامحة للإنسان لممارسة رغبة الاختباء خلف ما يسمى بالمعرف الوهمي للتنازل عن روح المسئولية.
الكتابة بأسماء مستعارة هي في واقعها ارتداء قناع، أطلق عليه البعض «الخمار الالكتروني»، وهي انعكاس لحالة الخوف والبحث عن منطقة أمان يتحدّث فيها الشخص عمّا يريده دون قيود اجتماعية أو هروب من تبعات سلطة قانونية أو سياسية. لكن الأخطر من ذلك أن تكون انعكاساً لحالتي النقص أو الفشل بأن يصنع صاحب الاسم المستعار لنفسه كاريزما خاصة يروج به ما فشل عن تحقيقه في واقعه. والأدنى من ذلك أن يكون وراء الاستعارة ترويجٌ لأجندات أو شخصيات مسبوق الدفع، أو اتخاذه مساحةً للاعتداء اللفظي والنيل من الآخرين ونشر ما خفي من حياتهم.
الاسم المستعار يحررنا من قيود الخوف والعيب، فهو كمن يتحرك بقناع يخفي ملامح وجهه، فيتصرف في حدود شكل القناع الذي يرتديه، فإن كان يبتغي الحرية في إبداء رأيه بدون خوف من توجيه اتهام إليه، فهل الحرية تستقيم مع الإخفاء؟ وهل أتجاوب مع شخص مخفي؟
مهما يكن السبب وراء الاختفاء والاحتماء بالتخفي تبقى الظاهرة في جوهرها غير مقبولة، فقد كتب أحدهم في صفحته الخاصة الإلكترونية «الاسم المستعار لا يعني أن تجعل أخلاقك وتربيتك وفكرك استعارة أيضاً، مهما حجبت اسمك: فأنت تمثل حقيقتك»، فعلّق عليه آخرون «ممن أنتم خائفون وإلى متى ستكونون خائفين؟» و«كم جمِيلاً لو عرفنا حدود مواقعنا في حياة الآخرين» و«الأسماء ليس لها معنى لأننا نحن التي نعطيها معنى بحقيقتنا»، و«نعيش في الواقع بأسماء حقيقية ومشاعر مستعارة ونعيش على «الفيس» بأسماء مستعارة ومشاعر حقيقية... هذه الحقيقة»، فهل هي بالفعل حقيقية؟
إن كانت كذلك، فهي كارثة لأننا في الأولى نظهر بشخص مستعار، وفي الأخرى باسم مستعار، فأيهما أولى؟
إقرأ أيضا لـ "رملة عبد الحميد"العدد 4570 - الخميس 12 مارس 2015م الموافق 21 جمادى الأولى 1436هـ
الرصاصي لوني المفضل
الزائر الأول ومادام انك وصفت كل المعلقين (لأن الغالبية العظمى التي أرها تعلق في الوسط بأسماء مستعارة أو بعناوين أو بأجزاء من تعليقاتهم) بأنهم منافقون ونفاقهم مبطن ...الخ فإني أقول بأن كل ما سقته في تعليقك من صفات ذميمة لا يستحقها ولا تنطبق الا عليك واذا ما أردت أن تتجنب الدرك الأسفل من النار والذي ينتظرك ما عليك الا أن ترد على وبإسمك الحقيقي هذه المرة، والأستاذة كاتبة المقال أيدتني فيما ذهبت اليه والدليل وهو في قولها ( مهما يكن السبب وراء الاختفاء والاحتماء بالتخفي تبقى..الخ الظاهرة غير مقبولة)
أنا شجاع
هدا الگاصر بعد تمبونه نكتب اسامينا بعد لكن أنا باصير اشجع منكم كلكم وباكتب اسمي الحقيقي أنا >>> من سفالة بعد ويش تمبون ؟
الرصاصي لوني المفضل
هههه إسمحي لي بأن أخالفك الرأي يا أستاذة لأن بالاسم المستعار يتمكن المرء في هذا العصر بأن يعبر عن رأيه وانظري الى الجمع ومنهم الدول الكبرى فكلها تخشى بأن تبوح بما تتمناه وتراه صحيحا وذلك خوفا من خسارة تجارتها وعلاقاتها الاقتصادية مع بعض الدول التي تتعارض معها تماما من النواحي الإنسانية وفي الديمقراطية والحرية وفي كل شيء وطبعا الناس معذورين في ما يفعلونه وذلك خوفا على مصالحهم واعمالهم فهم إن أفصحوا عن هوياتهم سيتعرضوا وما من شك الى جميع أنواع التضييق عليهم في معاشهم ومعيشتهم ولن يساعدهم أحد حينذ
النفاق المبطن
ما تتحدثين عنه أيتها الأخت الفاضلة ليس اسما مستعارا ولا شخصية مستعارة بل هو نفاق مبطن وهو ما عناه الحديث الشريف بذي الوجهين وذي اللسانين فكيف ولا وهم في كل اسم يتلونون ويغيرون جلدهم كالحية الرقطاء فإما هم صادقون فلا يخشون وإما هم جبناء فليتركوا الساحات وما هم أصحاب مصالح فهم بالعربية الفصحى منافقون وإن المنافقين في الدرك الأسفل من النار.
ليست هذه المشكلة ؟؟
المشكلة ليست نفاق ولا مرض ولا تلون ولكن المشكلة هي أن المجتمع الذي يطالب بالحرية الديمقراطية ويقدم لها التضحيات والأنظمة الحاكمة التي تدعي أنها تطبق الديمقراطية وتحرم الحرية كلهم أعداء للحقيقة والكلمة الحرة والصادق فأنت شخصيا ممكن أختلف معاك في الشبكات الإجتماعية ثم تترجم خلافك معي على أرض الواقع بالإستهداف المباشر فلهذا أصبح الإسم المستعار حصانة لصاحبه من بطش الناس ( الديمقراطيين ) والسلطة
الرصاصي لوني المفضل
ههههه الزائر رقم واحد المحترم طيب ووين اسمك الحقيقي؟ مو انت تتناقض مع كلامك وتكتب باسم مستعار، ولا حتى وبدون أي إسم لا مستعار ولا غير مستعار اذا كنت تبغي الناس تستمع وتأخذ بكلامك أول شي طبق نصائحك على نفسك وابتدىء بها