لا أحد يتمنى أن يرى شخصاً متألماً. فقليلٌ من الإنسانية لدى أي منا كفيلٌ بأن يجعلنا شركاء في ذلك الألم.
ليس الألم الشخصي هو الذي تتحدد عنده النهايات والخاتمات. الإنسانية في النفوس لم تنتهِ على الرغم من كل هذه القسوة التي يمتلئ بها العالم. كأن الألم يمنحنا ذلك الانتباه النادر. الانتباه إلى الآخرين وهم ينكفئون على جراحهم وآلامهم، ولكن بالبسيط من الحس يمكن الوقوف على بعض تلك الجراح والآلام.
الشراكة الإنسانية لا تنحصر في أوقات السعة. تلك الشراكة تحصيل حاصل، وإيقاع طبيعي في الحياة. الشراكة الحقيقية تتم من خلال مواساة البشر بعضهم بعضاً. عدم نسيان أن الحياة متقلبة، والظروف متقلبة، وأن ما يبدو اليوم استقراراً وسعةً ونجاةً من الألم وغيره، يمكن أن يتغيّر ويتحوّل في طرفة عين إلى النقيض.
لا نقصد بالألم هنا فقط ذلك الناتج عن أمراض وأسقام، فتلك نتيجة طبيعية للحياة، وما يمكن أن يتعرض له الجسم البشري. الألم المقصود هو ذلك الناتج عن تعرض أي منا إلى مواقف في بعضها امتحان له، وفي بعض آخر كشف لطبيعة معدنه وقدرته على تجاوز الألم والخروج منه أكثر قوة وصلابة. ولا يقف الأمر عند ذلك الحد. والأهم من كل ذلك، أن الألم لا ينتهي بتجاوزنا له. الآلام من حولنا لابد أن تثير انتباهنا ومشاعرنا وأحاسيسنا مادمنا بشراً بقلوب تنبض. كأن بانتهاء آلام أي منا تلك التي نعتقد انتهاءها نكون على موعد مع الالتفات إلى من حولنا، في النفس السليمة والقوامة التي نعرف. كأنه درس للانتباه الدائم، ولا شيء يمنح الإنسان الانتباه والحضور أكثر من الألم. الانتباه لإيقاع الحياة، وإيقاع العلاقات. وإذا فقد الإنسان الإحساس بذلك الإيقاع، فقد قدرته على أن يكون شريكاً في الحياة مع من حوله.
سنجد أكثر الناس رهافةً في الحس، واستعداداً للبذل أولئك الذين لهم حظٌ ونصيبٌ من آلام الآخرين. أولئك الذين لا يهدأ لهم بالٌ ولا يعرفون معنىً للاستقرار إلا إذا ساهموا بطريقة أو بأخرى في التخفيف من آلام الآخرين، ورفع كثيرٍ من معاناتهم. أولئك هم الأحياء حقاً بعدم انشدادهم إلى الاستقرار الشخصي والطمأنينة الشخصية، فيما الآخرون تضج أرواحهم وأجسادهم بالمعاناة والآلام.
المتألم الذي بين جوانحه روحٌ منتبهة، يمنحه الألم انتباهةً مضاعفة، وكثير من الأصحاء في أرواحهم، ينشغلون بآلام الآخرين في الوقت الذي هم ينشغلون بألمهم الشخصي. ذلك هو الفارق، وذلك هو ما يصنع المتين والثابت والحقيقي من العلاقات القائمة على المشاركة في الحس لا الأجساد. المشاركة في التحولات التي يمكن أن يتعرض لها أي شخصٍ يتنفس وفيه قلب يخفق.
ولن نجد فيما نُبتلى به اليوم أكثر من الألم بقدرته على منحنا واحدة من أكثر القيم التي نحتاجها في حياتنا: المراجعة. مراجعة كل شيء أنجزناه أو قمنا به أو اقترفناه. مراجعةٌ تعيد الأمور إلى نصابها. تثبت العلاقات من جانب، وتعيد النظر في العابر والقائم على المصلحة منها من جانبٍ آخر.
وحين نكون بعيدين عن اختبار وتجربة الألم، نكون في غيابنا وسهونا ونسياننا. لا نلتفت إلى التفاصيل الكبيرة التي كثيراً ما نراها صغيرة. ليست تفاصيل صغيرة أن نرى من حولنا يتألم ثم نواصل سيرنا وممارسة حياتنا الطبيعية وكأننا في معزلٍ عن كائنات الله على هذا الكوكب.
طوبى للذين يتألمون بروحٍ واعية. وطوبى للذين لا ينشغلون بألمهم، التفاتاً لآلام الآخرين.
إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"العدد 4569 - الأربعاء 11 مارس 2015م الموافق 20 جمادى الأولى 1436هـ
الانشغال بآلام الآخرين
هو قمه الانسانيه ورقي الإحساس وهذه نعمه من نعم الله على الانسان المؤمن لا بد ان يشكر العبد خالقه عليها اما اللذين قلوبهم مغلفه بورق القصدير لا يفكرون الا في أنفسهم ومصالحهم لا نملك الا ان ندعوا لهم بالشفاء