يأتي كتاب مدير برنامج الدراسات الإستراتيجية بمركز البحرين للدراسات الإستراتيجية والدولية والطاقة في مملكة البحرين، أشرف كشك «السياسات الغربية تجاه أمن الخليج العربي»، الصادر عن المركز في العام 2014، محاولة للإجابة على خمسة تساؤلات تتعلق بطبيعة وواقع العلاقات بين الولايات المتحدة الأميركية، وحلف الناتو، والاتحاد الأوروبي، ودول الخليج العربية، واستشراف آفاقها المستقبلية، وخاصة بعد التحوُّلات التي شهدها العالم العربي في العام 2011، وتحديداً بموجة الربيع العربي التي بدأت في تونس، وامتدت إلى مصر وليبيا وسورية واليمن، وبلدان عربية أخرى.
امتداد طويل من الزمن، منذ العام 1947، العام الذي بدأ منه تعميق العلاقات التاريخية بين الولايات المتحدة الأميركية، والمملكة العربية السعودية، وبقية إمارات الخليج، قبل أن تنال استقلالها في نهاية الستينيات ومطلع السبعينيات من القرن الماضي، بعد انسحاب بريطانيا من المنطقة. في ذلك العام حكم تلك العلاقات بين الجانبين ما عُرف بمبدأ ترومان.
تحوُّلات كبيرة وكثيرة عرفها العالم العربي، بانتهاء الحكم الملكي في مصر، العدوان الثلاثي، حرب العام 1967، و 1973، قيام الثورة الإسلامية في إيران في العام 1979، حرب الخليج الأولى، وتلتْها الحرب الثانية، وصولاً إلى الربيع العربي في العام 2011، وما أحدثه من هزات في المنطقة العربية، بلوغاً إلى تمدّد «داعش» في العراق وسورية، ومؤخراً في ليبيا وغيرها من مناطق العالم العربي.
الباحث أشرف كشك طرح في مقدمة كتابة تساؤلات، وتحدَّدت في: ما هي أهمية التحالفات الدفاعية الدولية لدول مجلس التعاون؟ ما هي المستجدَّات التي طرأت على واقع هذه التحالفات؟ ما مدى تأثير البيئة الإقليمية والدولية على العلاقات الخليجية الغربية؟ هل تعدُّد تلك الشراكات كان ميِّزة استراتيجية لدول المجلس أم عبئاً عليها؟ وخامس تلك التساؤلات، ما هي الخيارات العملية لدول مجلس التعاون في ظل تغيُّر الشراكات؟
تحوُّلات العام 2011
في الكتاب مقدمة سبقت الإجابة على التساؤلات تلك، انطلاقاً من تحولات العام 2011، مروراً بخطاب الرئيس الأميركي باراك أوباما أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر/ أيلول 2013، والذي جمع فيه بين البحرين والعراق وسورية كبلدان تعاني من التوتر الطائفي، ورفض المملكة العربية السعودية المقعد غير الدائم في مجلس الأمن، ومؤشرات تصدُّع العلاقات بين دول الخليج، والمخاوف الخليجية من إمكانية عقد صفقة بين إيران والدول الغربية بشأن برنامجها النووي، كل ذلك أدخل العلاقات في مرحلة جديدة ربما لم تمر بها ولم تعرفها في تاريخها منذ عقود.
في المقدمة التمهيدية يطرح كشك التساؤلات الآتية: ما هي مضامين السياسة الأميركية تجاه أمن الخليج العربي؟ وما هي القضايا الخلافية بين الجانبين؟ وهل لدى الولايات المتحدة الأميركية استراتيجية دائمة لأمن منطقة الخليج العربي تعكس أهميتها الإستراتيجية، أم أن أمن تلك المنطقة ظل جزءاً من الاستراتيجيات الأميركية لمنطقة الشرق الأوسط عموماً؟ وما هي خيارات مجلس التعاون الدفاعية بعيداً عن الولايات المتحدة، في ضوء تشكُّك دول المجلس في جدوى تلك الشراكة؟
علاقات المصلحة والقيم
للإجابة على كل تلك التساؤلات يبدأ كشك بالمرتكز الأول، بل بمرتكزات ومضامين السياسة الأميركية تجاه أمن الخليج العربي، مستهلَّاً بعمق وتاريخية تلك العلاقات، وتحديداً من العام 1947، والتعدد في نهج تلك العلاقات، بدءاً بمبدأ ترومان في العام المذكور، ومبدأ أيزنهاور في العام 1957، لتأتي بعد ذلك سياسة نيكسون، في أعقاب الانسحاب البريطاني من المنطقة في العام 1971، وبعد ذلك مبدأ كارتر، وجاء تزامناً مع قيام الثورة الإيرانية في العام 1979، والتهديد الذي رأته أميركا على دول الخليج بعد قيام الثورة، وصولاً إلى مبدأ ريجان في العام 1980، وبوش الأب وكلينتون وبوش الابن. تلك الاستراتيجيات - كما يرى كشك - اتسمت بأمرين، الأول أنها لم تتضمَّن خططاً واضحة لإقامة أمن إقليمي حقيقي ينبع من المنطقة، ويعبِّر عن مصالح أطرافها كافة. الثاني، لم تستهدف هذه الاستراتيجيات الحفاظ على أمن منطقة الخليج العربي بشكل مستقل، وفقاً لأهميتها البالغة للأمن القومي الأميركي خصوصاً، والدول العربية عموماً، وإنما جاءت ضمن الصراع العالمي مع الاتحاد السوفياتي تارة، والحيلولة دون ظهور قوة إقليمية من شأنها تهديد المصالح الغربية في المنطقة تارة أخرى/ وعلى هذا الأساس حدث التنوُّع والتحوُّل في تلك السياسات تجاه الأطراف الإقليمية، سواء بالاحتواء المزدوج، أو بالغزو المباشر والإطاحة بنُظُم.
باختصار شديد، المعادلة الأكثر تعقيداً - كما يرى كشك - خلاصتها، أن هذه العلاقات تنهض على مفهومي المصلحة والقيَم.
المستويات العسكرية والسياسية والاقتصادية
على المستوى العسكري، لم يعد خافياً، وضمن تعدُّد آليات التعاون العسكري بين الجانبين، وجود قواعد عسكرية في دول المنطقة، (هناك ما يقرب من 24 تواجداً وقاعدة عسكرية في دول المجلس مجتمعة) وفقاً للاتفاقات الدفاعية؛ علاوة على حصول دول المجلس على أسلحة ومعدَّات عسكرية حديثة بشكل سنوي من الولايات المتحدة. وعلى المستوى السياسي، يستشهد كشك بمبادرة «حوار أمن الخليج» التي تقدَّمت بها الولايات المتحدة في العام 2006، كآلية للتنسيق الأمني مع دول مجلس التعاون.
وفي 31 مارس/ آذار 2012، تم الاتفاق بين الولايات المتحدة ودول المجلس، في اجتماع وزير الخارجية الأميركية ونظرائه في دول المجلس، على تأسيس منتدى للتعاون الاستراتيجي/ وعقد اجتماعات وزارية منتظمة، وتشكيل لجان مشتركة للتعاون الاقتصادي والسياسي والأمني والعسكري، وخصوصاً في مجال مكافحة الإرهاب. في 14 مايو/ أيار 2014، وضمن منتدى الحوار الخليجي - الأميركي، الذي عقد في العاصمة السعودية (الرياض)، تمَّتْ مناقشة تحديات الأمن الإقليمي وآليات مواجهتها. تزامن ذلك الاجتماع مع اجتماعات دول مجموعة 5 + 1 وإيران بشأن الملف النووي، وكان ذلك مبعث قلق غير سري بالنسبة إلى دول الخليج، على رغم تصريح وزير الدفاع الأميركي تشاك هيغـــل، بأن «التفاوض مع إيران حول ملفها النووي لا يعني مبادلته بالأمن الإقليمي».
على المستوى الاقتصادي، واستناداً إلى التقارير الرسمية بين الجانبين، فإن التبادل التجاري بين دول مجلس التعاون والولايات المتحدة الأميركية، بلغ في العام 2011 نحو 55,945,6 مليار دولار؛ ما يمثل 7,1 في المئة من إجمالي التبادل التجاري لمجلس التعاون.
السياسة الدفاعية الأميركية وأمن الخليج
في الفصل نفسه يناقش الباحث أشرف كشك، في المحور الثاني، السياسة الدفاعية الجديدة للولايات المتحدة وتأثيرها على أمن دول الخليج العربية، من خلال عوامل ثلاثة: الخطط الأميركية لتحقيق الاكتفاء الذاتي من النفط، الأزمة المالية الأميركية الراهنة، والقضايا الخلافية بين الولايات المتحدة ودول الخليج، وفي العامل الثالث تبرز أربعة ملفات: الأزمة السورية، ولا خلاف بين الجانبين بشأن ضرورة التحوُّل الديمقراطي في سورية، «إلا أن هناك تبايناً بين الجانبين حول آليات ذلك التحوُّل»، ويتحدَّد الملف الثاني في البرنامج النووي الإيراني، مع عدم نسيان أن البرنامج الانتخابي للرئيس باراك أوباما يُعطي أهمية بالغة ضمن استراتيجية الحوار مع دول الجوار ومنها إيران، وتحدَّد ذلك وبالنص، بتصريح نائب الرئيس الأميركي في مؤتمر ميونخ للأمن في فبراير/ شباط 2013 حين قال: «إن الوقت قد حان ربما لإجراء محادثات ثنائية بين الولايات المتحدة وإيران»، وتأكيد ذلك التوجُّه من خلال خطاب أوباما نفسه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر 2013، وفيه مؤشرات إيجابية بشأن إمكانية التوصل إلى اتفاق مع إيران».
إزاء كل ذلك يوضح كشك أن هناك «مخاوف خليجية ألاَّ يقتصر الاتفاق على المسالة النووية، وإنما قد يشمل (مستقبل دور إيران الإقليمي)».
أما الملف الثالث فيتعلَّق بمسألة الإصلاح والتحديث. وهنا كما هو شائع - وذلك ما يذهب إليه الباحث كشك - من أن الولايات المتحدة لم تمارس ضغوطاً على دول مجلس التعاون بشأن إجراء المزيد من الإصلاحات السياسية، على خلفية التحوُّلات التي حدثت في العالم العربي في العام 2011، إلا أنه أحياناً «يتم الربط بين تلك القضية (مزيد من الإصلاحات السياسية)، والقضية الأمنية».
في هذا الجانب يشير الباحث كشك إلى أن «المطالب الأميركية لدول مجلس التعاون بالإصلاح تجاوزت الخطاب الرسمي إلى محاولة التدخل في الشئون الداخلية لبعض دول المجلس، ومن ذلك، الزيارة التي قام بها مساعد وزير الخارجية الأميركي للشئون الديمقراطية وحقوق الإنسان والعمل، توماس مالينوسكي، إلى البحرين في شهر يوليو/ تموز 2014»، ولقاؤه أعضاء جمعية الوفاق المعارضة؛ الأمر الذي حدا بوزارة الخارجية البحرينية لإصدار بيان اعتبرت فيه أن مالينوفسكي شخص غير مُرحَّب به، وعليه مغادرة البلاد».
أما الملف الرابع، فيرتبط بـ «التطوُّرات في مصر»، وما لذلك من ارتباط بأهمية البُعْد العربي في معادلة أمن الخليج العربي. وحُزَم المساعدات التي تم تقديمها إلى مصر، تعويضاً عن المساعدات المالية الأميركية والأوروبية، بسبب الخلافات التي حدثت بعد 30 يونيو/ حزيران 2013، بتنحية الرئيس المصري السابق محمد مرسي، ومجيء وزير الدفاع المشير عبدالفتاح السيسي إلى السلطة.
كشك، يشير إلى أنه مع أهمية «وطبيعة العلاقات الأميركية، فإن ذلك لم يحل دون ظهور (ممانعة خليجية) للسياسات الأميركية».
الشعور بعدم القدرة على حسم الأزمات
الخلاصة التي يتوصَّل إليها الباحث كشك، هي أن ما أثار قلق مجلس التعاون الخليجي، هو سيادة شعور مفاده عدم قدرة الإدارة الأميركية الراهنة على حسم الأزمات، ففي بداية تولِّيه مقاليد الحُكْم في الولايات المتحدة الأميركية، أطلق الرئيس باراك أوباما وعوداً برَّاقة لحل أزمات المنطقة، ومنها القضية الفلسطينية، بَيْدَ أن سياسات تلك الإدارة لم تكن على النحو المتوقع، مع إدراك دول مجلس التعاون أن المصالح الدولية قد لا تتوافق دائماً مع نظيرتها الإقليمية.
أما العامل الرابع في هذا الباب، فيناقش فيه كشك تصوُّرات الإدارة الأميركية للأمن الإقليمي في منطقة الخليج العربي وتداعياتها، مقسّماً تناوله إلى محورين، الأول من خلال الرؤية الأميركية للأمن الإقليمي الخليجي، والتباين في طبيعة ودرجة العلاقات، والتفاوت في مستوياتها، والانتقادات التي وُجِّهت إلى الولايات المتحدة؛ إذ حصلت كل من مملكة البحرين ودولة الكويت على صفة حليف للولايات المتحدة من خارج حلف الناتو؛ «فضلاً عن توقيع الولايات المتحدة اتفاقيتي تجارة حرَّة مع كل من مملكة البحرين في العام 2004، وسلطنة عُمان في العام 2009».
كما يتناول تأثير الاستراتيجيات الأميركية على فُرَص بناء الأمن الإقليمي، مُورِداً حقيقة أن السياسة الأميركية لم تستهدف بناء «أمن إقليمي حقيقي في هذه المنطقة بما يتوازي وتلك المصالح»؛ إذ ظل جوهرها حماية أمن «إسرائيل» وأمن الطاقة، مُعرِّجاً على الغزو الأميركي للعراق في العام 2003، إذا استهدفت أميركا من خلاله الحيلولة دون وجود قوَّة إقليمية تهدِّد مصالحها ومصالح حلفائها في المنطقة.
وضمن معالجته لهذه الملف، يبرز ملف مقترحات ضمِّ العراق لمجلس التعاون الخليجي، ودعوة رئيس الوزراء القطري السابق لإنشاء منظمة الأمن الإقليمي، وتحديداً، خلال المؤتمر الأول لتجمُّع العالم العربي والعالم، الذي انعقد في دولة الكويت في 11 فبراير 2013، بحيث تضم تلك المنظمة الدول المُطلَّة على الخليج العربي، بما فيها إيران؛ إلا أن حزمة المقترحات تلك حال دون أن ترى النور، استمرار الأزمة النووية الإيرانية، و «التدخلات الإيرانية في الشئون الداخلية لدول مجلس التعاون»؛ علاوة على التدهور الأمني في العراق.
عالج الكتاب في فصله الثاني، مبادرة حلف الناتو تجاه دول الخليج العربية، متتبِّعاً حصاد السنوات ما بين 2004 و 2014، مُتناولاً مظاهر تنامي العلاقات بعد العام 2011، ومضمون وآليات تعظيم الأمن بين دول الخليج وحلف الناتو، والمعوِّقات التي تَحُول دون التعاون بين الجانبين.
أما الفصل الثالث، فيبحث متطلَّبات الدور الأوروبي تجاه أمن الخليج العربي، متناولاً المزايا الإستراتيجية للاتحاد الأوروبي، والدور المتوقع منه تجاه أمن الخليج، والمعوِّقات ودور الجانبين في التغلُّب عليها.
التوصيات
أورد المؤلف ست توصيات في نهاية بحثه نلخصها في الآتي:
- الحاجة إلى استمرار التحالفات الدولية، بتنويع خيارات دول المجلس، في ظل تقدُّم الدول الآسيوية الصاعدة، وخصوصاً الهند، بحكم الترابط الجيواستراتيجي بين دول الخليج والدول الآسيوية.
- ضرورة قيام حوار خليجي - غربي وصريح، تُحدِّد من خلاله وبشكل صريح، مخاوفها مما آلت إليه العلاقات بين الجانبين، وما الذي يتعيَّن القيام به من الجانب الأميركي.
- يتعيَّن العمل على قيام الاتحاد الخليجي، والتغلُّب على المعوِّقات التي تَحُول دون ذلك.
- أهمية استمرار دول الخليج في دعم الدول العربية المحورية، ومنها مصر لتحقيق التوازن الاستراتيجي في ظل السياسات الجديدة لإيران.
- وجود تصوُّرات استراتيجية لدول المجلس من أجل إعادة رأب الصدْع في دول الجوار الإقليمي (اليمن والعراق).
- اتفاق دول الخليج على مصادر تهديد الأمن القومي.
العدد 4568 - الثلثاء 10 مارس 2015م الموافق 19 جمادى الأولى 1436هـ
كل حكومات البلدان تبحث عن مصالحها ...
بعيدا عن حقوق الشعوب في الحريه (إتخاذ القرار ، العيش الكريم ، والعيش بأمان)