العدد 4564 - الجمعة 06 مارس 2015م الموافق 15 جمادى الأولى 1436هـ

«المنثور» لإليزا روبرتسون... هاوية الفقدان... شخصيات صامتة

إليزا روبرتسون
إليزا روبرتسون

«المنثور» المجموعة القصصية للكاتبة الكندية الشابة أليزا روبرتسون، نجدها في قصتها «من سيسقي (المنثور؟)» «تنتهي في هاوية الفقدان (...) تبياناً للدمار والخراب والانتهاكات التي يمارسها السدُّ بفعل فيضان سيأخذ طريقه بحريَّة تامة. المياه المُوحلة أيضاً (...). وسط الكارثة، هناك الجمال المرهف - يد صغيرة تغمس البَيْض في البِرَك، كرَم الفتاة تجاه جارٍ في حالة سكر (...)».

ذلك ما كتبته ناتالي سييربر في صحيفة «نيويورك تايمز» بتاريخ 30 أكتوبر/ تشرين الأول 2014، احتفاء بالمجموعة.

أن تلوذ بصمتك وتحيا، كما ترى. لا يعني صمتك، عزلتك، معاناتك من الفقدان أنك غير قادر على الانسجام مع الحياة من حولك.

في الصمت طريقة مركَّزة للخروج من كل ذلك. كأنه الخريطة التي يتم ترتيبها في الرأس تلمُّساً للمخارج.

يبدو عنوان المجموعة غير مألوف – في كثير من الدول العربية - ربما فقط الذين تتاخم بلدانهم البحر الأبيض المتوسط، سيعرفون ما «المنثور»، جنس نباتي من الفصيلة الصليبية، كثير الانتشار في الحدائق، وله رائحة عطرية مميزة تخرج منه عند الغروب، (حين تهجع الكائنات) موطنه الأصلي حوض البحر الأبيض المتوسط، ومنه أنواع عديدة أهمها المنثور الرمادي ذو البتلات الطويلة ثنائية اللون. يضم 50 نوعاً و43 نوعاً لم يُحسم أمرها بعد. ينمو بعضها في الوطن العربي؛ وخاصة في المشرق والمغرب. بعض نباتاتها حولية، وبعضها معمِّرة.

في المجموعة القصصية، لروبرتسون، شخصيات تبدو منعزلة، انطوائية، متردِّدة، أحياناً؛ أو ربما منكسرة في بعض تجليّات التفاصيل؛ لكنها ليست كذلك في كثير من الأحيان أيضاً.

ربما ذلك يعيدنا إلى مسمّى المجموعة الذي تم استقاؤه من النبات نفسه الذي لا ينثر عطره إلا عند الغروب، لنقف على مرماه ومغزاه؛ إذ يمكن أيضاً أن يُطلق كمصطلح وصْفي لشخص مَّا يعاني من نوع من الانطواء؛ إلا أنه يسعى للخروج من عزلته، والمشاركة في المناسبات الاجتماعية على أساس منتظم إلى حدٍّ ما. والشخص من تلك النوعية، غالباً ما يكون اجتماعياً بما فيه الكفاية ليكون محبوباً، ولكنه قد يختار، أو يشعر بالحاجة إلى التزام الصمت كي ينسجم مع نفسه، أو كما يرى، كي ينسجم فيما بعد مع الآخرين.

لنعدْ ثانية إلى سييربر في صحيفة «نيويورك تايمز»، وفي تناولها للقصة نفسها: «فتاة تختار النوم في منزل الجيران، تتشارك معهم وجبة البيض المسلوق،هي نفسها التي تحاول أن تعتاد الاستقلال عن والدتها، تجوالاً في غرف المنزل الفارغة، والانشغال بالغسيل في حوض الاستحمام، الحجارة التي تجمعها من النهر لصالون التدليك، في حين أن الجميع مهدّد عمّا قريب بطوفان سيغرق الحيَّ».

الكتابة هنا، وما يسبقها ويتبعها من هوامش وتعليقات من محرر «فضاءات»، تنطلق من كتابة هولي ويليامز، في صحيفة «الإندبندنت» البريطانية، عبْر إضاءتها لمجموعة روبرتسون، بتاريخ 17 يناير/ كانون الثاني 2014.

مجموعة القصص القصيرة الأولى للكاتبة الشابة، التي تعيش في المملكة المتحدة، تؤكِّد أنها موهبة جديدة وذات أهمية كبيرة.

وعلى رغم أن موضوعات المجموعة أصبحت متكرِّرة من حيث تناولاتها في هذا الفن، إلاَّ أن روبرتسون دائماً ما تتعامل مع التفاصيل وتنشغل بها. كتاباتها هي نوع من التنبيه غير العادي للتوغُّل في تفاصيل بعض المهن، والإمكانات الرمزية لها - التقنيات المتقدِّمة لرسم الخرائط، وتحليل سجلّات الرحلات، ووضع علامات إلكترونية لمراقبة طائر «الطنَّان»، وهو اسم لعائلة من الطيور صغيرة الحجم يوجد منها أكثر من 300 نوع في العالم تعيش في الأميركتين، ومن أشهر طيور هذه المجموعة طائر النحلة الطنان، الذي يعتبر أصغر طائر على وجه الأرض؛ إذ يبلغ وزنه 1.8 غرام وطوله 5 سنتيمترات؛ ما يدفع الضفادع نظراً لصغر حجمها إلى أكلها؛ ظنَّاً منها بأن الطيور هي مجرد حشرات. اشتق اسمها من صوت ضربات أجنحتها السريعة، والتي تصل إلى نحو 80 ضربة في الثانية، وتصل في موسم التزاوج إلى 200 ضربة في الثانية.

صار من المألوف، أن تصبح لغة روبرتسون كل يوم مُشربة بأهميَّة ملفتة وغريبة في آن، مع لمْسة مرِنة في انتقالاتها. للنثر وزنه لدى روبرتسون، ذلك الذي لا يمكن أن ينحدر في مستوياته، حتى في الوقت الذي يضفي شعوراً بعدم الارتياح بفعل الحدس الذي يفرضه تشابك وتعقيد الأحداث في قصصها.

في مفتتح المجموعة «من سيَسقي المنثور»، قصة تضجُّ بالتوتّر، وتتجسَّد في حكاية تبدو بسيطة لفتاة شابَّة تعيش في إحدى الضواحي التي هي على وشك أن تضربها مياه الفيضانات، وذلك التواصل والتفاعل مع أحد الجيران الذي يُفرط في الشراب فتشعر بعبءٍ تجاهه. هنالك سنقف أيضاً على التشويق الذي يتواصل من خلال قصة «دليل امرأة قلِقَة»، وبالقلق الذي ينتابها، نجد روبرتسون تقودنا إلى تساؤل: هل يساعد ذلك المرأة على التعافي من عملية جراحية أجريت على يد ابن زوجها السابق؟ وفي قصة «متخم بالضوء الأصفر والبدء في التثاؤب» سنجد روبرتسون تترك للصور حرية أن تتماوج وتهتز وسْط مدى مفتوح على الاحتمالات.

كل قصة على حدة، تلقي الضوء تقريباً على الشخصيات والأحداث والترميزات بصور ولغة حادّتين. تأخذك القصص إلى مكان ما، ولكنها تقاوم بالإفراط في تبسيط الترتيب في تداعي الأحداث وربطها بالتفاصيل التي تبدو صغيرة، وكأنها ليست بذاك القدر من الأهمية؛ حتى على مستوى المواعظ المتناثرة في القصص؛ ثمة ربط لها يتصل بالأحداث تلك. ومن حيث الجانب التراكمي في فنية التناول، تظل نباتات المنثور مع ذلك، أقل فعالية إذا ما ذهبنا في مباشرة التعامل مع العنوان الذي حملته المجموعة.

سبع قصص من أصل 17 تتعامل مع الموت بشكل صُراح، ومع أكثر من مرض خطير. هنالك تناول لعدم استقرار الحياة؛ حيث يكون هو موضوع الأبدية، ولكن إزاء أداء النصوص يمكن الشعور بأن كل ذلك يتم بوقار لا نخطئه.

روبرتسون تحاول أن تخطط بشكل أوَّلي لردود مفردة مُلتوية، عبر تشكيل طيات من البجع على الطريقة الأوريغامية، من تقارير تحمل مأساة صحافية، وعبْر تعثُّرات في طريق كل ذلك، نقف على محاولة لمتابعة ورصْد تغيّر الألوان في أوراق الخريف؛ باعتبارها وسيلة لإلقاء الضوء على الحزن. مثل ذلك بات حاجة كونية تتمثل في تغيُّرات تطرأ على الطقوس بالتحولات المُنظِّمة لها. هذا التكتيك فعال في كل قصة، وغالباً ما يجعلك خارج الانشغال بالمراقبة في ما يتم تمريره وكأنه شبيه بالصدمة العاطفية.

بقي أن نشير إلى أن الفن الأوريغامي؛ موضوعه طيُّ الورق عبْر أشكال يتم تصييرها إلى بجع من خلال الورق وأشكال أخرى. ويتم استخدام المصطلح (أوريغامي) لجميع ممارسات الطي، والهدف منه تحويل ورقة مسطَّحة من الورق إلى نحت نهائي من خلال تلك التقنيات.

والأوريغامي الياباني التقليدي، يمارس منذ فترة «إيدو»، ما بين العام 1603-1868م، وهي آخر الفترات من تاريخ اليابان القديم، ومهّدت لقيام فترة أو عهد مييجي، وقد اعتبرت هذه الأخيرة بداية التاريخ الحديث للبلاد.

يذكر، أن إليزا روبرتسون. من مواليد فانكوفر، بكندا. درست الكتابة الإبداعية والعلوم السياسية في جامعة فيكتوريا. نالت درجة الماجستير في الكتابة الإبداعية من جامعة إيست أنجيلا في العام 2012، وتحضّر حالياً لشهادة الدكتوراه.

نالت جائزة الكومنولث المرموقة في القصة القصيرة العام 2013، عن قصتها «مشينا على الماء». كانت ضمن القائمة الطويلة لجائزة القصة، ومرتين للكتَّاب المرموقين التي تمنحها «ترست / ماكليلاند وستيوارت»؛ إذ وصلت للدور النهائي للجائزة في العام 2013 عن قصتها «أختي سانغ».

العدد 4564 - الجمعة 06 مارس 2015م الموافق 15 جمادى الأولى 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً