العدد 4564 - الجمعة 06 مارس 2015م الموافق 15 جمادى الأولى 1436هـ

شارع البديع وظهور القرى في الحقبة العيونية

تناولنا في الحلقات السابقة أهم المراكز الأساسية للاستيطان في الحقبة الإسلامية المبكرة والتي نشأت في المنطقة الشمالية الغربية من جزيرة البحرين الكبرى. هذه المراكز الأساسية بدأت في التكون في القرن التاسع الميلادي، ثم بدأت في الاتساع بصورة بطيئة في بداية السيطرة القرمطية على البحرين (القرن العاشر الميلادي). إلا أن التوسع في هذه المناطق بدأ بالتسارع مع بداية سيطرة العيونيين (القرن الحادي عشر الميلادي).

بعد القضاء على القرامطة من كامل بلاد البحرين وسيطرة الدولة العيونية (1077 - 1239 م) على السلطة السياسية، بدأت حقبة جديدة في جزيرة أوال، حيث الاستقرار السياسي والحرية المذهبية والانفتاح التجاري وإعادة بناء البنية التحتية للجزيرة. وقد أسس العيونيون على جزيرة أوال، في القرن الثاني عشر، مدينة ومركز تجاري في منطقة قلعة البحرين، وبدأت بإعادة إعمار جزيرة أوال بصورة عامة، فبدأت بصيانة العيون الطبيعية في البحرين وقنوات الري التحت أرضية أي نظام الثقب والأفلاج؛ حيث تؤكد الدراسات الآثارية على أن نظام الثقب والأفلاج تم إعادة العمل به في هذه الحقبة، على رغم أنه لا يعرف بالتحديد متى تم بناؤها (Larsen 1983, pp. 87 - 88). وبحسب هذه المعطيات فإن العديد من القرى تم إعمارها أو إعادة إعمارها بدءاً من هذه الحقبة. وبنهاية القرن الثاني عشر وبداية القرن الثالث عشر الميلادي تضاعفت مواقع الاستيطان في البحرين بصورة ملحوظة. وهكذا، بدت البحرين (أوال)، في ما بين القرنين الثالث عشر والخامس عشر، مليئة بعشرات القرى المنتشرة فيها من أقصى شمالها حتى أقصى جنوبها.

دراسة نمط التوسع في الاستيطان

سنحاول بناء نموذج لتوسع الاستيطان في البحرين منذ القرن التاسع وحتى القرن الخامس عشر الميلادي، وذلك اعتماداً على نتائج بعثات التنقيب الآثارية التي حددت بصورة تقريبية أقدم الآثار الإسلامية في العديد من قرى البحرين. وقد تعاقبت على البحرين بعثات مختلفة للتنقيب عن الآثار، كان بعضها يقوم بعمليات مسح للمواقع الأثرية ويحدد عمر اللقى الآثارية فيها، وبعضها الآخر يقوم بعملية تنقيب متخصصة في مواقع آثارية محددة. من هذه البعثات، البعثة البريطانية والبعثة الدنماركية، والتي نتج عنهما تحديد حصيلة كبيرة من المواقع الأثرية في البحرين. ويضاف لهذه النتائج دراسة مهمة أخرى، وهي دراسة Larsen عن تطور المجتمع البحريني خلال العصور، والتي نشرها في العام 1983م. وقد قام Larsen بعملية مسح شامل للبحرين أدت للكشف عن مواقع آثارية جديدة. وقد قام Larsen بضم نتائجه لنتائج البعثة الدنماركية والبعثة البريطانية، ونتج عن ذلك خارطة تضم المواقع الأثرية وملحق بها جدول يوضح عمر اللقى الآثارية التي عثر عليها في تلك المواقع. وتعتبر هذه القائمة أهم قائمة لدراسة المواقع الإسلامية في البحرين. ويضاف لها عدد من الدراسات المهمة، والتي درست مواقع محددة، مثل دراسة موقع جنوب باربار (Salles et. al. 1983)، ودراسة البعثة اليابانية في موقع عالي (Sasaki 1990)، ودراسة المواقع الإسلامية في موقعي رأس القلعة ومعابد باربار (Frifelt 2001)، ودراسة المواقع الإسلامية في موقعي رأس القلعة وسار(Kervran et. al. 2005)، ودراسة المواقع المحيطة بمسجد الخميس وأهمهما دراسة (Insoll 2005).

من خلال نتائج تلك البعثات، يمكننا أن نرسم خارطة توضح طريقة التوسع في الاستيطان ما بين القرنين التاسع والخامس عشر الميلاديين. ومن خلال إعادة رسم الخارطة وتحديد المواقع عليها، وحقب الاستيطان في كل منطقة، يمكننا تحديد مركز افتراضي بدأ منه التوسع. كذلك، يمكننا تحديد زمن بداية الاستيطان والحقب الزمنية التي حدث فيها التوسع. يذكر أن لكل منطقة نموذج استيطان وتوسع يختلف عن المنطقة الأخرى؛ ولذلك قمنا بتقسيم مناطق الاستيطان بحسب المناطق المترابطة والمتداخلة والتي تتشابه في نمط الاستيطان. إلا أن هناك عامل مشترك بين تلك المناطق، وهو وجود مركز بدأ منه الانتشار، وكذلك، تتشابه هذه المراكز أن غالبيتها بدأ الاستيطان فيها قرابة القرن التاسع الميلادي. ويستثنى من ذلك بعض المراكز، فمنها ما بدأ قبل ذلك، كما في المراكز الأساسية الواقعة في البلاد القديم وجدحفص والقرى المحيطة بها.

التوسع في المنطقة الشمالية الغربية

في القرى التي تقع في المنطقة الشمالية الغربية لجزيرة البحرين، تم تحديد خمسة مراكز استيطان أساسية، ثلاثة منها تعود للقرن التاسع الميلادي، وهي: فاران، وسار وباربار، أما المركز الرابع فقد بدأ الاستيطان فيه قرابة القرن الرابع عشر الميلادي ويقع في الدراز. ويضاف لهذه المراكز الأساسية موقع خامس يقع ما بين ثلاث قرى هي: الدراز وباربار والمرخ. ويمكننا تفصيل نموذج التوسع لهذه المراكز في الحقبة العيونية، وبالتحديد نهاية القرن الثاني عشر الميلادي وبداية القرن الثالث عشر الميلادي. لاحظ أننا نتحدث هنا عن بداية الاستيطان في الحقب الإسلامية، دون مناقشة الاستيطان القديم في المنطقة نفسها والذي يسبق الحقب الإسلامية.

فاران وجاراتها

بدأ الاستيطان في منطقة فاران القديمة، قريب من الساحل وذلك في القرن التاسع الميلادي. وبدأ الاستيطان في التوسع في القرن الثاني عشر الميلادي وذلك باتجاه الشرق؛ حيث ظهرت مواقع استيطان جديدة في القُريَّة والجَنَبية والمرخ وأقصى الجنوب الشرقي لقرية بني جمرة.

باربار وجاراتها

بدأ الاستيطان (للحقب الإسلامية فقط) في قرية باربار، وبالتحديد في موقع معابد باربار، في القرن التاسع الميلادي، وفي القرن العاشر الميلادي بدأ الاستيطان في التوسع ليشمل ساحل جنوسان، وبنهاية القرن الثاني عشر توسع الاستيطان ليشمل الساحل الممتد من قرية باربار وحتى قرية جد الحاج. ويبدو أن هذا الساحل أصبح أهم الموانئ لهذه المنطقة.

كذلك، وفي قرابة القرن الثاني عشر أيضاً، امتد الاستيطان في باربار جنوباً، فظهرت مواقع استيطان جديدة، كالمدينة/القرية الإسلامية في جنوب باربار. وفي نهاية القرن الثاني عشر شمل التوسع قرى أخرى كمقابة والرويس وأبوصيبع والشاخورة.

سار وجاراتها

بدأ الاستيطان (للحقب الإسلامية فقط) في موقع سار الأثري في القرن التاسع الميلادي، وفي قرابة القرن الثاني عشر الميلادي، بدأ الاستيطان بالتوسع باتجاه الغرب أي باتجاه قريتي المرخ والقرية. وكذلك باتجاه الشمال، أي باتجاه الرويس ومقابة والشاخورة.

توسع الاستيطان في الدراز

أول موقع استيطان قريب من الساحل في الدراز بدأ يتكون قرابة القرن الرابع عشر الميلادي وذلك بالقرب من رأس أبوصبح. وبدأ الانتشار من هذا الموقع ليشمل كل قرية الدراز وذلك على فترات زمنية مختلفة.

ما بين الدراز والمرخ وباربار

نشأت منطقة استيطان بالقرب من موقع عين السجور ومعبد الدراز، وهذه المنطقة تمتد بين قريتي الدراز وباربار، وربما كانت تشمل قرية المرخ قبل رصف شارع البديع. بحسب نتائج التنقيب الحالية، يبدو أن الاستيطان في هذه المنطقة أخذ في الاتساع شرقاً باتجاه باربار.

يذكر أن عدداً من المواقع الأثرية تم الاستيطان فيها لفترة مؤقتة ثم هجرت، وهذه المواقع تمثل القرى التي كانت موجودة ثم هجرت، ولم يبقَ منها إلا اسمها الذي بقي محفوراً في الذاكرة الشعبية، أو مرتبطاً بشخصية لها أهميتها. وفي الحلقات القادمة سنسلط الضوء على مثل هذه القرى.

العدد 4564 - الجمعة 06 مارس 2015م الموافق 15 جمادى الأولى 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً