في رائعته الروائية (جزيرة الكنز)، ذهب الأديب الإنجليزي «روبرت ستيفنسون» في مطلعها إلى القول الإنشادي: (خمسة عشر رجلاً، ماتوا من أجل صندوق).. في حين، مات الشاعر والأديب والباحث الإماراتي «أحمد راشد ثاني رحمه الله: 1962م - 2012م»، وهو في رحلة خاصة وخالصة لوجه الكلمة، حيث عكف، طيلة حياته الإبداعية، على ملء صناديقه بمخطوطات أدبية وبحثية ثمينة. وقد تلقى الراحل جزيل الشكر والعرفان والتقدير على ذلك المجهود الإبداعي من أهله وذويه، حين أقدموا على تقديم عدد (67 صندوقاً) إلى اتحاد كتاب وأدباء الإمارات، بما تحتويه من مخطوطات لمؤلفاته الشعرية، وبحوثه التراثية، ومقالاته المتعددة والمتنوعة، والذي أعلن بدوره، «اتحاد الكتاب»، عن إصداره لتلك المخطوطات تباعاً، بعد نيته الجادة، بتشكيل لجنة من كتّاب وشعراء وصحفيين، لفرز تلك المخطوطات ليصار إلى إصدارها ضمن مؤلفاته.
نعم، إذا كان «روبرت ستيفنسون» قد خطط للظفر بكنز مدفون في جزيرة خيالية رسم ملامحها على صفحات روايته الشهيرة تلك، فإن «أحمد راشد ثاني»، قد ترك لنا كنزاً حقيقياً واقعياً غير خيالي. وليس كنز «أحمد» مرهون فقط بتلك المخطوطات النفيسة، بل موسوم أيضاً بأسرة نفيسة، هي محل تقدير واحترام، لأنها عهدت بتلك الصناديق بما تزخر به من درر إبداعية إلى مؤسسة معنية بمثل تلك الدرر. وهي أسرة، بدورها، تبعث برسالتها الإنسانية والثقافية إلى سواعها من أسر شعراء وكُتّاب وباحثين آخرين قد ارتحلوا عن حياتنا الثقافية وتركوا لنا آثاراً أدبية وبحثية، هي بدورها بحاجة ماسة إلى مؤسسات ثقافية معنية بتلك المخطوطات بما يضيف إلى المكتبة المحلية والعربية العامة الشيء الكثير من الكتب والآثار الإبداعية المتنوعة بأنفاسها ونفائسها. وهنا يبرز سؤال لابد من طرحه على المشهد الأدبي والثقافي العربي والعالمي العام: إذا كان بوسعنا الظفر بالمخطوطات الورقية من ذوي الراحلين، فهل يتسنى لنا الحصول على المخطوطات الإلكترونية من ذويهم وأصدقائهم وخاصتهم من الناس؟!
نعم، ولأننا في عصر لصيق بالتكنولوجيا التي جعلت من العالم قرية كبيرة، فإن وجود مخطوطات لمشاريع إبداعية بحثية أو أدبية أو ثقافية عامة، في أجهزة حواسيب الراحلين، يتطلب جمعها من قبل ذويهم أو من أصدقائهم المقربين إليهم وإلى أفكارهم ورؤاهم الإبداعية، والعهد بها إلى مؤسساتنا الثقافية الوفيرة والمعنية بالنشر في مختلف المجالات والحقول. فهل ثمة التفاتة من المثقفين أنفسهم، لإطلاع ذويهم وخاصتهم من الأصدقاء بما يتوافر في حواسيبهم من مخطوطات إلكترونية ومشاريع إبداعية؟ وهل لهم العهد بها إلى المؤسسات الثقافية المختلفة لمحاولة إصدارها ضمن خطة إصداراتهم السنوية؟!
نعم، وهي دعوة إلى كافة المؤسسات الثقافية لأن تفتح أبوابها لكل المبدعين ليتسنى لهم العمل الإبداعي بروح مطمئنة على أن جهودها لن تضيع سدى، ولن تذهب أدراج الرياح، ولن تبقى حبيسة الأدراج، الخشبية المجازية منها، أو الإلكترونية التي تودي بالبصر إلى مهالك الفقد، والتي تتصدع منها الرأس وتتلف الأعصاب.
إقرأ أيضا لـ "عبدالله السبب"العدد 4564 - الجمعة 06 مارس 2015م الموافق 15 جمادى الأولى 1436هـ