أجمع أصحاب محلات خياطة أثواب خليجية أن الثوب بوصفه زياً شعبياً ما زال حاضراً بقوة في أذواق واستعمالات الزبائن الخليجيين، مؤكدين في الوقت نفسه قدرة الثوب على التكيف مع تشكيلات الموضة الحديثة وتلبية رغبات الفئات العمرية المختلفة، الأمر الذي يسعفه على مقاومة المنافسة، ويحميه من الاندثار.
جاء ذلك خلال جولةٍ قامت بها «الوسط» في أزقة الخياطين بسوق المنامة القديم، حيث أكثر الأماكن احتضاناً لذكريات البحرينيين الجميلة.
في تلكم الأزقة تتراص محلات خياطة الأثواب مع بعضها البعض، كما تتوزع محلات بيع «الغتر» والعِقل وآخرى للسراويل والأقمصة الداخلية بالقرب منها، لتكمل بذلك التشكيلة الكامل التي يحتاجها كل من يرغب بإرتداء هذا الزي الشعبي.
وفيما لا تخلُ السوق القديم من خفقات أرجل المرتادين الذين يطوفون أزقتها ذهاباً وإياباً، إلا أن تجارها يشكون ركوداً كبيراً في حركة البيع، للدرجة التي قال لنا فيها الحاج أحمد حسن وهو صاحب محلٍ لخياطة الأثواب أنه طوال يومه لم يجنِ حتى دينارين اثنين.
الحاج أحمد يعمل في السوق منذ 61 عاماً، وقد جايل فترة ازدهار سوق المنامة حيث كان ضجيج زبائنها لايهدأ أبداً.
عندما طلبنا منه أن يروي لنا شيئاً من تفضيلات الجيل القديم بخصوص الثوب الخليجي، ذكر أن الزبائن في الزمن القديم كانوا أكثر رغبةً بشراء الأثواب الجاهزة، مشيراً إلى أن أحداً لم يكن يطلب من الخياط أن يُفصل له ثوباً على مقاسه.
وأردف «كان الناس يشترون الثباب الجاهزة، ولا يجدون مشكلة إن كانت مقاساتها لا تناسبهم تماماً. طويلة كانت أم قصيرة، وحتى لو كانت واسعة فإن تلك ليست مشكلة بالنسبة للزبائن آنذاك».
وعن أشهر الأنواع الموجودة ، بيَّن الحاج أحمد حسن أن القماش الحجازي كان متداولاً بكثرة بين الناس ولايزال، وطريقة تفصيله كان «سادة بلا جفسات كما أن الكلر كان خشناً نوعاً ما».
وواصل «اليوم هنالك مجموعة تشكيلات رائجة وليس شكل واحد، منها الكويتي «جفستين بالخلف»، البحريني ويعتمد على إخفاء الأزرار، القطري التي تُفصل أشبه بـ «كلر» القميص، والإماراتي والتي تكون بلا «كلر»، ويرسم الرأس على شكل دائرة ويتدلى منها خط طويل على الصدر».
وعن أنواع القماش المتداولة حالياً، لفت إلى وجود عدة أنواع يكثر استخدامها والطلب عليها من قبل الزبائن، منها ما يعرف بـالزبدة ويكون ناعماً وخفيفاً ونحن في البحرين نسميه «خلق سايح»، كما يوجد نوع القماش القطري الذي يكون خشناً وثابتاً عند اللبس.
وفيما أشار الحاج أحمد حسن إلى أن سعر الأثواب قديماً تتراوح بين 3-4 دنانير بحرينية، بينما وصلت حالياً من 10-14 ديناراً، إلا أنه أوضح أن انخفاضاً طرأ على أسعار السراويل، بحيث سابقاً كان سعر لفة القماش «الطاكَة» كاملةً 4 دنانير، يباع السروال الواحد بدينار ونصف، أما الآن فإن سعر لفة القماش كاملة بلغت 6 دينار، بينما نبيع السروال بدينار واحد فقط.
وعن الدول التي يستورد منها الأقمشة، أفاد أن تجار الأقمشة يستوردونها من دول مثل فيتنام والصين وكوريا واليابان، وهاتان الأخيرتان توردان أجود أنواع الأقمشة.
وبشأن آخر صرعات الموضة التي دخلت على خط تفصيل الأثواب، أبدى الحاج إنزعاجه الشديد من طلب بعض الزبائن «تضييق أثوابهم إلى الدرجة التي تشعر أنها لن تأتي على مقاسه».
الحاج وقبل أن نودعه، شكا ركوداً في حركة المبيعات في السوق القديم، عازياً ذلك إلى الانتشار الواسع لمحلات خياطة الأثواب في البحرين، وصعوبة الحصول على مواقف للسيارات في سوق المنامة.
على ذات الطريق من محل الحاج أحمد، يعمل الآسيوي عبدالمطلب أحمد في محل مجاورٍ لخياطة الأثواب أيضاً. عبدالمطلب ذكر أنه قضى في السوق نحو 24 عاماً في عمل الخياطة، وأشار إلى أن الأقمشة المستخدمة قديماً كان بعضها الرائج يستورد من أندونسيا مثل «التيوبو، ثستيو»، وبيَّن أن الزبائن قديماً كانوا يفضلون الرسم الكويتي للأثواب، بينما الآن وإلى جانب الكويتي دخلت تفصيلات البحريني والقطري، لكنه أشار كما الحاج أحمد عبدالله إلى الركود الذي تشهده الحركة التجارية في السوق، مؤكداً أن السابق كان أفضل بالنسبة لتجار سوق المنامة القديم.
في زاويةٍ من محله لبيع «الغتر» والعِقل كان يجلس الحاج قاسم يوسف الشيخ صالح قبل أن ندخل عليه. الشيخ صالح إنسل من عائلة تجارية كما قال، قبل أن ينسل من سلك التعليم إلى التجارة في العام 1953م.
حدث ذلك عندما أُقيل من عمله كمدرسٍ بمدرسة الهداية الخليفية إبان الحركة الوطنية في البحرين، حيث انتقل بعدها للعمل في تجارة العقل و»الغتر».
خلال الحديث معه، بدا لنا الحاج قاسم كنزاً من المعلومات في مجال تجارته وليس مجرد تاجر يبيع ويشتري، حيث قال الشيخ صالح : إن العقِل كان تقليداً عربياً قديماً. انتشر في مكة المكرمة والمدينة المنورة. وحينها كان العرب يلبسون العقِال الذي نسميه بحرينياً بـ»الشطفة».
وأضاف «لكن هذا التقليد انتقل إلى العراق عن طريق الملك فيصل والملك غازي اللذان كانا من سلالة أهل البيت(ع)»، مشيراً إلى أن هنالك فرق في تشكيلة العقال حسب الطبقة المادية التي ينتمي إليها الرجل، فإذا كان من طبقة الملوك والأمراء والأثرياء عادة ما تكون دائرة من «الشطفة» مُذهبة، بينما الأشخاص العاديين لا تذهيب في عقِلهم.
وذكر الشيخ صالح «نحن في البحرين كنا نستورد العقال من العراق. وأكثر من أقبل على شرائه هم رجال الدين وخاصة من الأخوة في الطائفة الشيعية الكرام. وكانوا يأتون حتى من الإمارات والكويت. وحينها كان سعر العقال الواحدة في حدود الـ50 ديناراً تقريباً».
وتابع «بعد فترة من الزمن، بدأنا نستورد العقال بصورته الحالية، وكان بلونين أسود أو أبيض. في هذه الفترة كان لدينا حياكون بحرينيون للعقل، لكن الآن فإن غالبية العقل مستوردة وتأتي عن طريق سورية».
وعن اختلاف أحجام العِقل، قال الشيخ صالح: «اختلاف الأحجام نابع من اختلاف المقاسات. وللعلم فإن للعقال سبع مقاسات ونصف. تبدأ من (1 -7 ونص)».
وعن أفضل أنواعها، أكد الشيخ صالح أن «ما يُعرف محلياً بـالمرعز هو من أفضل أنواعها. وسمي المرعز بذلك نسبة إلى أنه يحاك من صوف صغار الخراف. كما هنالك أنواع فضلى من العقل كالحرير والنايلون».
أما بالنسبة لـ «الغتر»، فأوضح الشيخ صالح أن الخليجيين يسمونها الآن بـ»الشماغ»، مستدركاً «لكن ذلك اسم مشتق من اسم الغترة باللغة الإنجليزية. حيث يطلق عليها الأجانب «شيمك».
وزاد «في الكويت قديماً أيضاً كانت تسمى خال عبيد». مردفاً «وعموماً فإن هنالك عدة أنواع من الغتر من بينها الشال الكشميري التي تحاك من الصوف»، لافتاً إلى أن بعض أسعار «الغتر» تصل إلى 350 ديناراً بحرينياً.
العدد 4564 - الجمعة 06 مارس 2015م الموافق 15 جمادى الأولى 1436هـ