تحتفي العاصمة البريطانية (لندن)، وفي متحفها بواحد من أشهر الشخصيات المبتكرة الشهيرة في الأدب العالمي، وخصوصاً في عالم الكشف عن الجرائم الغامضة (شرلوك هولمز)، من خلال معرض يحمل اسمه، وجاء تحت عنوان "الرجل الذي لم يعش أبداً ولن يموت"، والذي انطلقت فعالياته الشهر الجاري (فبراير/شباط 2015)، ويستمر حتى الثاني عشر من أبريل/نيسان 2015.
للشخصيات المُبتكَرة والمُبتدَعة والمُتخيَّلة معارض أيضاً. نعم، مدينة لندن تفعل ذلك، احتفاء بواحد من أهم الشخصيات التي عرفها الأدب الروائي والقصصي البوليسي: شرلوك هولمز، المحقق الأشهر - تخيُّلاً، في اعتماده على التحليل المنطقي في كشف الجرائم، الذي ابتدعه الطبيب الاسكتلندي والكاتب المشهور، آرثر كونان دويل، (22 مايو/أيار 1859 - 7 يوليو/تموز 1930)، بقصص المحقق شرلوك هولمز التي تعد معلماً بارزاً في الأدب العالمي.
يمتزج الفن التشكيلي بالأفلام بالمخطوطات باستعادة كل ذلك بما فيها الروايات، للاحتفاء بأب الخيال (شرلوك) كما أطلق عليه بالنسبة إلى أجيال من المحققين لشخصية تم ابتكارها وخلقها بتلك الموهبة التي تقترب من الإعجاز. لا يحتاجون هناك إلى شخصية حقيقية من لحم ودم كي يتم الاحتفاء بها في هذا الشكل النادر - بالنسبة إلينا - وبإعجاب وتلمّس الإلهام بشكل منقطع النظير.
روزلين سولكاس، وفي تقرير ممتع نشر في صحيفة "نيويورك تايمز" يوم الاثنين (9 فبراير/شباط 2015)، تابع فعاليات ومحتويات ووجهات النظر حول المعرض، هنا خلاصته.
لم يعشْ... لم يمتْ
إقامة معرض في متحف لندن، يبدو وكأنه قد استولى على اهتمام العالم الغربي، استناداً إلى موجة جديدة من الأفلام والبرامج التلفزيونية والكتب.
وبشكل غير متوقع، عَرْض "شرلوك هولمز: الرجل الذي لم يعش أبداً ولن يموت"، والذي حقَّق أرقاماً قياسية لزوَّار المتحف، ويستمر حتى الثاني عشر من أبريل المقبل، لا يركّز على القصص حول هولمز نفسه أو الشخص الذي ابتدعه (آرثر كونان دويل)، فجانب من المعرض يظهر قطعاً لبعض أجهزة الكمبيوتر المحمولة والرسوم التوضيحية، وكذلك صورة نادرة للمؤلف وهو في الثلاثينات من عمره.
المنسق الرئيسي للمعرض أليكس فيرنر، قال: "إننا وبشكل مُتعمَّد، لا نريد أن نجعل من النص معرضاً لمكتبة من المخطوطات الثقيلة". "المعرض يتناول شخصية، على رغم أن خوفاً نسبياً انتابني لإبراز معرض حول كائن مُتخيَّل. حاولنا أن نحدِّده وبشيء من الجدِّية والحزم، بموازاة مدينة حقيقية مثل لندن التي تحدث فيها القصص والحكايات".
المعرض المُقسَّم إلى أجزاء خمسة، يوضح بدقة الطريقة التي أصبح فيها شرلوك هولمز متشابكاً ومتداخلاً مع فكرة المدينة نفسها. من غرف استشارات المحقق في "221B" بشارع بيكر، إلى الخريطة الذهنية للمدينة التي استوطنت رأس هولمز في ما يشبه ضبابيته، والشوارع المضاءة بمصابيح الغاز، تبرز لندن باعتبارها ذات طابع جليٍّ في أعمال المعرض، من خلال مجموعة من الآثار الرائعة التي تتوزَّع على اللوحات، البطاقات البريدية، الخرائط، الصور، والأفلام الأرشيفية.
للمأخوذين والمعجبين بهولمز، هناك النادر مما يمكن مشاهدته من الرسوم التوضيحية الأصليَّة للفنان سيدني باجيت، الذي أعطى طابعاً متمايزاً، وبات مألوفاً الآن، في القصص الأولى التي نشرت في مجلة "ستراند"، مع الابتداع الأول لكونان دويل وشخصياته الشهيرة. أنتج باجيت نحو 350 من الرسوم التوضيحية للمحقق الشهير بين الأعوام 1891 و 1904، لكن ما نجا من ذلك العدد، مما يمكن التعرُّف عليه 27 عملاً فقط، تبرز ثمانية منها في المعرض القائم.
من جانبه، قال رئيس تحرير مجلة "شرلوك هولمز"روجر جونسون، والتي تصدر عن الجمعية التي تحمل اسمه في العاصمة البريطانية (لندن)، وتأسست في العام 1951 ولديها نحو 1200 عضو في جميع أنحاء العالم: "أشك كثيراً في أن يكون هناك، وفي أي وقت مضى، الكثير من الرسوم التوضيحية الأصليَّة والوثائق معاً".
كونان دويل، أنجز أول قصة عن شرلوك هولمز بعنوان "دراسة في اللون القرمزي"، ونشرت في العام 1887، وأحدثت دهشة، وقليلاً من الغضب بنجاح إبداعه الأدبي. ولعله قد فوجئ أكثر نظراً إلى الاهتمام المتجدِّد الذي حظيت به شخصيته الشهيرة.
حلقة في الطريق
هنالك فيلم "السيد هولمز "، والذي اختير ليكون فيلم العرض الأول في افتتاح مهرجان برلين السينمائي الدولي الذي انطلقت فعالياته يوم الاحد 8 فبراير 2015)، بمشاركة عدد من النجوم من بينهم إيان ماكيلين في دور المحقِّق، جنباً إلى جنب أفلام أكثر قدماً؛ منها فيلمان عن شرلوك هولمز من بطولة روبرت داوني جونيور وجود لو (في دور دكتور واطسون)؛ ومسلسلان تلفزيونيان الأول على قناة - بي بي سي والآخر على قناة "سي بي إس" - ما يضع كلاً من هولمز وواطسون في السياق المعاصر. وهنالك حلقة خاصة من "شرلوك" ينتظرها الجميع بفارغ الصبر، وهي الآن في طور الإنتاج.
بموازاة المهرجان المقبل من أفلام شرلوك الصامتة في "باربيكان"، ودفق مستمر من الكتب التي تعمل على تحديث، وإعادة صياغة القصص الأصليَّة وشخصياتها. من خلال كل ذلك تبدو ظاهرة شرلوك قوية وحاضرة كما كانت دائماً.
ملازمة السِحْر له
المنسق الرئيسي للمعرض أليكس فيرنر، قال، إن "السحر معه اليوم له مسحة خاصة". وأضاف "هناك أوجه تشابه بين الحياة في عالمنا المعاصر، والحياة في لندن أواخر القرن التاسع عشر، حين أتمعَّن في أمْر أن الناس كانوا يكافحون لفهم عالم مُتغيِّر. كان هناك التلغراف، والأفلام، وتسارع الحياة، وأعتقد أن لدينا شيئاً مماثلاً يحدث الآن. لدينا أكثر من اللازم مما يمكن استيعابه، وهنا، لديك الشخصية التي يمكن أن ترى بشكل مستميت أشياء أكثر وضوحاً مما نستطيع".
وقال أنتوني هورويتز، الذي نال موافقة رسمية من قبل شركة كونان دويل العقارية لكتابة رواية هولمز جديدة "بيت الحرير"، إنه يعتقد أن شرلوك هولمز كان أباً لكل خيال يمكن أن يتأتّى للمحقق الحديث. كل قصة بوليسية واحدة تقرأها لها الهيكل نفسه: الغموض، التحقيق، والحل. كتب كونان دويل أربع روايات و 56 قصة قصيرة من بطولة شرلوك هولمز بين الأعوام 1887 و 1927، واستطاعت أن توفر عدداً من المواد لشخصيات الإذاعة والمخرجين والكتَّاب والمعجبين المهووسين منذ ذلك الوقت.
هنالك العديد من أندية المعجبين على الانترنت؛ فضلاً عن غيرها من الجمعيات، مثل أعضاء جمعية شارع بيكر، التي تأسست في العام 1934، وجمعية نساء أكثر حداثة، وفاتنات شارع بيكر.
وقال رئيس تحرير مجلة "شرلوك هولمز"، روجر جونسون، إن العضوية، تعزَّزت بشكل كبير في السنوات الأخيرة بفضل المسلسل التلفزيوني "شرلوك".
يذكر، أن شرلوك هولمز شخصية خيالية لمحقق من أواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين. عرَّف هولمز نفسه على أنه "محقق استشاري" يتخذ من مدينة لندن مقرًا له، ويساعد رجال الشرطة والمحققين عندما لا يجدون حلولاً للجرائم التي تواجههم. اشتهر بمهارته في استخدام التفكير المنطقي، وقدرته على التنكُّر والتمويه، إضافة إلى استخدام معلوماته في مجال الطب الشرعي لحل أعقد القضايا.
ابتدأ دويل السلسلة برواية "دراسة في اللون القرمزي"، تلتْها رواية "علامة الأربعة". أما القصص القصيرة فقد بدأ إصدارها في العام 1891م، بقصة تحمل عنوان "فضيحة في بوهيميا"، وقد تتابع نشر هذه الروايات والقصص القصيرة حتى العام 1914م.
يشار إلى أن سيدني باجيت، رسام بريطاني من العصر الفيكتوري. ولد في أكتوبر/تشرين الأول 1860، وتوفي في 28 يناير/كانون الثاني 1908. اشتهر برسومه التوضيحية التي رافقت حكايات وقصص شرلوك هولمز التي ابتدعها آرثر كونان دويل في مجلة "ستراند".