تواجه البلدان العربية الـ 21 التي وضعت تقريرها الإقليمي الموحد بعد انعقاد عدة اجتماعات ولقاءات لمناقشة إنجازاتها في النهوض بحقوق المرأة والتقدم المحرز في تنفيذ إعلان ومنهاج عمل بيجين بعد مرور عشرين عاماً- تواجه تحديات متعدّدة بسبب الأوضاع والظروف التي شهدتها ولاتزال المنطقة العربية. وهي تحديات ذات أبعاد سياسية واقتصادية واجتماعية وتغيّرات سكانية أدت إلى ما أدت إليه من تهجير ونزوح بسبب الحروب والنزاعات المسلحة وممارسة العنف بكافة أشكاله.
يفيد التقرير المشترك لهذه الدول والذي تولى مركز المرأة في «الأسكوا» إعداده ومراجعته بالتنسيق والتشارك مع فريق عمل في هيئة الأمم المتحدة للمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة-المكتب الإقليمي للدول العربية وإدارة المرأة والأسرة والطفولة بجامعة الدول العربية، بأن مناقشات التقرير قد تمت في سياق معالجة أوضاع المرأة من المنظور الاجتماعي وفي إطار أهداف التنمية المستدامة، وبأنه اعتمد في مصادره على التقارير الوطنية للدول الـ 21، ما يعني ببساطة شديدة أن المعلومات والبيانات الإحصائية التي يتضمنها ذات صبغة رسمية.
في مقدمة التقرير إشارة مقتضبة لكنها مهمة وذات دلالات ومغازٍ عميقة، قد تساعد أي باحث في فهم طبيعة البيانات الواردة فيه، وتحليل الإحصاءات التي تناولها في محاوره الأساسية. والمقصود هنا «أن التقارير الوطنية تضمنت تجارب متفاوتة ومختلفة في مجال تحسين أوضاع المرأة على صعيد مقاربة موضوع المساواة وقضايا النوع الاجتماعي من ناحية المنطلقات المفاهيمية أو حجم وتعدد وتنوع الأطراف المعنية به، إضافةً إلى تباين آلية توافر البيانات والمعطيات الإحصائية وطبيعة الخطط والمناهج والآليات التي اعتمدتها الدول أثناء تعاملها مع القضايا التي شملها التقرير، كقضايا تمكين النساء سياسياً واقتصادياً، وتعليمهن ومشاركتهن الاقتصادية وأوضاعهن الحقوقية»، إضافةً إلى درجة من التباين بين التخطيط والتنفيذ لمشاريع ومبادرات تمكين المرأة.
اختلاف تجارب
فقد ورد في مقدمة «الأسكوا» التي تبنت وضع التقرير الإقليمي، بأن تفاوت التجارب بين الدول العربية الـ21 يعود إلى أمرين رئيسيين، يتمثل أولهما في اختلاف الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والأمنية لهذه البلدان. فعلى الصعيد الاقتصادي مثلاً يبرز التفاوت في دخلها القومي الذي يتراوح بين المتوسط والمنخفض، ولهذا بالطبع تأثير جوهري على مبادرات كل دولة وما تضعه من خطط ومشاريع. وكذلك التفاوت في سياساتها الاقتصادية وخياراتها الاجتماعية، وأولويات إنفاقها على المشاريع والمبادرات التي تنفذها. كما يختلف تأثير وتأثر كل بلد منها بالأزمات المالية، وتعد معدلات البطالة بين هذه البلدان، ومستويات انتشار ظاهرة الفقر من أبرز ملامح التفاوت الاقتصادي، فضلاً عن الاختلاف بينها في طرق مكافحتها والحد من انتشارها بحسب الآليات والبرامج والسياسات المعتمدة.
في الجانب الأمني، تمت الإشارة إلى أن البلدان العربية شهدت اضطرابات أمنية وحروباً واختلالاً وأعمالاً إرهابية، الأمر الذي تسبب بحالة نزوح كبيرة للمواطنين من داخل أراضى بلدانهم إلى بلدان مجاورة. وقد انعكس ذلك بشكل كبير على أوضاع المرأة وقضاياها، ففي البلدان التي ارتدت فيها انتفاضات الربيع ارتداداً سلمياً، برزت فيها صورة المرأة المشاركة بإيجابية في الميادين، والمطالبة بحماسة بالتغيير وتابعت قضاياها وانخرطت في العملية السياسية والأحزاب الجديدة، كما ساهمت وإن بدرجات متفاوتة في صياغة الدساتير المستحدثة، وسعت إلى الحفاظ على المكتسبات التي حققتها النساء في المراحل السابقة.
فيما اختلف وضع البلدان العربية التي ارتدت فيها الانتفاضات الربيعية بطابع عنف مسلح، حيث برزت صورة المرأة الضحية التي تعرّضت للاستغلال وممارسة العنف عليها بمختلف أوجهه وأبشعها.
تباين ثقافي وسياسي
في هذا السياق، وكما ورد في مقدمة التقرير أيضاً، شهد البعد الثقافي تفاوتاً في وضع البلدان العربية لجهة الولوج بمرحلة التغيير الثقافي والاجتماعي وبما يتناسب مع ما حملته الثورة التكنولوجية والمعلوماتية والإتصالاتية من متغيرات. وقد اتضح ذلك من خلال ما أبرزته التقارير الوطنية للطابع المحافظ للمجتمع المحلي وللاختلاف النسبي في تعاملها مع الاتفاقيات والمواثيق الدولية، خصوصاً تجاه إزالة التحفظات عن بعض مواد اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة، أو في التحفظ على بعضها الآخر أو حتى في التردد بإزالة التحفظ، فضلاً عن تباين مواقفها وحذرها الشديد في التعامل مع قوانين الأحوال الشخصية من خلال المطالبة بتطبيقها بحرفيتها وكذلك بالقانون المدني.
أما أشد ملامح التفاوت بين التقارير الوطنية فيكمن في الجانب السياسي، وهذا أمر طبيعي يعود إلى اختلاف أنظمة الحكم وطبيعتها بين البلدان العربية التي شملها التقرير، سواء أكان ذلك في تحديث القوانين بما يتلاءم والمواثيق الدولية ومضامين الدساتير والاستمرار في تطوير التشريعات ومراجعة القوانين والنظم المجحفة بحق المرأة لجهة مشاركتها السياسية، أو من خلال التنسيق بين الجانب الحكومي مع الجمعيات المعنية بقضايا النوع الاجتماعي والناشطين الحقوقيين، إضافةً إلى غياب إحصاءات وبيانات مهمة بسبب عدم مأسسة العمل الإحصائي والبحثي المتعلق بشئون المرأة وقضايا مشاركتها السياسية.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن الظروف والصراعات والتفاعلات التي مرت ولاتزال تمر بها المنطقة العربية، تتسبب بالتفاوت في مستويات اعتماد بلدانها للمنحى التشاركي الديمقراطي المتعدد الأبعاد والاختصاصات، فضلاً عن نشاط وتعدد وحيوية منظمات المجتمع المدني وحالة التشبيك معها وبناء شركات استراتيجية خصوصاً فيما يتعلق بدمج قضايا النوع الاجتماعي في خطط التنمية المستدامة وفي التشريعات والسياسات والميزانيات، وكذلك في درجة اعتماد القطاع الخاص لمنظور المسئولية الاجتماعية تجاه أفراد المجتمع، حيث تختلف الآليات والمحفزات للشركات والمؤسسات الخاصة التي تساعدها وتمكنها من إدراج مفهوم الشراكة والمسئولية الاجتماعية ضمن خططها وبما يحقق التوازن بين العملين التجاري والاجتماعي.
وبالنسبة للتفاوت الثاني بين البلدان العربية في تقريرها الإقليمي - وحسب «الاسكوا»- فهو يتضح من خلال درجات ومستويات تأثر هذه البلدان بالتحولات الكبرى التي شهدها العالم خلال السنوات الأخيرة، وذلك في ضوء الثورة المعلوماتية والإتصالاتية والتطورات التكنولوجية المتسارعة الوتيرة، وبما حملته معها من عولمة اقتصادية وثقافية وإعلامية وأنماط حياة استهلاكية جديدة ومتشابهة في الاتجاهات السلوكية، مصحوبةً بدعوات تركز في المحافظة على الخصوصيات الثقافية والاجتماعية في ظل تأثيرات ما تمر به من أزمات مالية وحروب وتوترات وانتفاضات وأعمال إرهابية.
وعليه، هل يمثل التفاوت في متن التقرير العربي الموحد حول منهاج بيجين+20، تحدياً حضارياً لمجتمعاتنا المحلية؟
- نعم وبالتأكيد، وهذا ما تكشفه تفاصيل التقرير وبياناته الإحصائية التي يكمن فيها عش الدبابير!
إقرأ أيضا لـ "منى عباس فضل"العدد 4558 - السبت 28 فبراير 2015م الموافق 09 جمادى الأولى 1436هـ