في الفيلم القصير «نوستالجيا» Nostalgia للمخرج البحريني الشاب أحمد الفردان، تطارد «الكاميرا» رجلاً يبحث عن البحر، تبحث عنه كما يبحث العجوز. يجده العجوز لكنه يدفن كما دفن البحر قبله.
يتتبع هذا الفيلم القصير (مدته خمس دقائق) رحلة رجل مسن، يبحث في مدينته عن البحر. يكاد لا يجد له أثراً. يذهب حيث كان البحر. لكنه يفاجأ بمبان شاهقة ورمال غطت مياه البحر ودفنته.
يبدأ الفيلم مع بداية يوم العجوز (محمد مبارك)، نراه أولاً كما يرى هو نفسه، شاباً في ريعان شبابه، لكننا منذ البدء نعرف أن ثمة حياة تكاد تنتهي، قطرات ماء أخيرة تنزل من حنفيته.
يملأ الشاب (عمر السعيدي) كفيه بالماء، يغسل وجهه،لكنه حين يعاود للنظر في المرآة نفاجأ به عجوزاً يملأ الشيب رأسه. يفاجأ هو أيضاً بالأمر. هذا الرجل يعيش الماضي بكل جماله وعنفوانه إذن.
يهيم في الشوارع باحثاً عن ماضيه، وعن البحر، مدفوعاً بحنين «نوستالجيا» نحو الماضي بكل ما يحمله. لا يجد البحر في مكانه، يبدو تائهاً مضطرباً فيما حل مكانه من شوارع تملؤها أدخنة السيارات، وتخنقها مبانٍ شاهقة تحجب وجه السماء عنها. حتى محاولته لعبور الشارع تخفق حين يضطرب في سعيه ذاك للهرب من هذه المدينة الغريبة.
لم يعد البحر في مكانه إذن، ردم وتحول لهذه المدينة الغريبة الخانقة. كيف السبيل إليه إذن. يهيم العجوز على وجهه، يصل لأماكن كان يعرفها، لكنها هي أيضاً لم تعد تشبه نفسها. حين يصل هناك يبدو تائهاً، لا يعرف المكان، ولا حتى وجوه المارة.
يواصل رحلة بحثه وحنينه، ينظر خلسة في زجاج أحد المحلات التجارية فيرى نفسه شاباً. لا يزال يعيش ذات «النوستالجيا»، إذن.
كل تلك الأدخنة، والعمارات، والوجوه الغريبة، تشعل حنينه وتدفعه للبحث من جديد ولمواصلة رحلة ضياعه في هذه المدينة الغريبة. سلسلة تمنعه من عبور الشارع، ومبان تخنقه لكن صوت البحر يناديه وسط كل ذلك.
يسمع هدير الأمواج، يعرف ذلك الصوت جيداً، تطرب أذناه لسماعه، يبتسم ويتجه لمصدر الصوت. في تلك اللحظة يعود شاباً، ينطلق إلى ساحل البحر.
لكنه يشيخ من جديد حين لا يجد للوصول إلى البحر سبيلاً. كثبان عالية من الرمال والأحجار تمنع وصوله. لا يجد طريقاً إليه وإلى ماضيه ولا يتمكن من أن يتعامل مع سيل مشاعر الحنين المتدفقة في داخله.
فليكن صوت البحر إذن هو ما قد يشفي حنينه، وليستلقي هناك خلف الكثبان ليستمع لأمواجه فقط. يغلق عينيه ألماً، وتمر أمامه صور للبحر «في عزه»، وأخرى لشاحنات كبيرة تدفن البحر. تبدو العودة إلى الماضي جميلة حتى وإن كانت صورة فقط، لكن شاحنة تفرغ كثبان رمل لردم البحر، لم تعد تميز في من تستهدف وأده. تغطي العجوز برمالها وتدفنه حياً، تماماً كما دفنت البحر قبله. ينتهي الفيلم بكومة من الرمل تغطي العجوز، ولافتة كتب عليها «ممنوع السباحة».
الفيلم تمثيل محمد مبارك، عمر السعيدي، إضاءة جعفر غلوم، صوت محمد علي، تصوير هاشم شرف، مساعد مصور جعفر حسين، مكياج جعفر غلوم، متابعة الإنتاج حسين المبشر ومحمد الصنديد، فكرة وسيناريو وإخراج أحمد الفردان.
يشار إلى أن الفيلم فاز بجائزة أفضل فيلم، كما منح ممثله محمد مبارك شهادة تقدير لأدائه المتميز وذلك في اختتام مسابقة الفيلم التي نظمتها هيئة البحرين للثقافة والآثار خلال «أيام البحرين السينمائية» في دورتها الأولى التي عقدت في الفترة (26-30) نوفمبر/ تشرين الثاني 2014 ، وذلك تحت ثيمة «سينما البحر» وتضمنت تقديم أفلام قصيرة تعتمد البحر ثيمة رئيسية لها.
يشار أيضاً إلى أن الفيلم حصل على دعم ورعاية من هيئة البحرين للثقافة والآثار، التي أعلنت عام 2014 عن قيامها بدعم ورعاية عدد من صناع السينما والأفلام القصيرة بالبحرين، حيث قدّمت دعماً لصناعة 13 فيلماً روائياً قصيراً تتناول البحر وتقدم رؤية صناع السينما الشباب للبحر كحالة مميزة، وذلك للمشاركة في مسابقة «أيام البحرين السينمائية».
العدد 4557 - الجمعة 27 فبراير 2015م الموافق 08 جمادى الأولى 1436هـ