ضمن موسم «شهادات إبداعية في التجارب البحرينية» التي تنظمها وجود للثقافة والإبداع، بالتعاون مع دار فراديس للنشر والتوزيع، تحدث الناقد جعفر حسن مساء الاثنين (23 فبراير/ شباط 2015) عن تجربته في مجال النقد. وراح حسن يعطي تعريفه الخاص للعملية النقدية التي لا يمكن أن تأتي من فراغ معرفي بل من تنوع متعدد ليستطيع سبر أغوار النص بعد أن يتعرف على المدارس النقدية وأن يحيط بتراثه المعرفي أيضاً. ثم تطرق لكون الناقد مبدعاً بدوره قائلاً: «يبدو أننا كنقاد إن جاز التعبير، نرى إلى أنفسنا كمبدعين لا أكثر، وعلى رغم أننا ننتج نصوصاً، إلا أننا نعتبرها جديدة في فرادة الإبداع، ولعلها تحاول الانعتاق من سلطة ما مفروضة لتقوض النظام وتعيد تنظيم الفوضى. إن ما يحاوله الناقد هنا هو في مجمله إنتاج معرفة بالنص، تلك المعرفة يمكن لها أن تتقوض بحكم تشبهها بالعلم الذي يتجدد بطرح الأخطاء من بنائه، ويمكن لها أن تحيا متجاورة مع النصوص الجديدة باعتبارها إنتاجاً إبداعياً يحمل خصائصه الزمنية ذاتها، وبقدر ما يتساقط من نصوص عبر مسيرة الزمن بقدر ما تؤجج النبتات في الغابة التي نسميها الإبداع».
وأشار الناقد أيضاً إلى جنوحه للشعر «عادة ما يشار إلى ما أكتب من حيث إن التكلم عن الشعر بلغة شاعرية، ويبدو أنه صحيح في مجمله. ولعل ذلك الاتجاه يشير إلى محاولة دؤوبة من الناقد ليشير إلى تجربته «الاستطيقية» باعتباره المتلقي البارع والمتمعن ذا الفحص الوئيد، ذلك التأمل في جماليات تخلق لذة للنص تحس في تكوين الإنسان الذي يمتعه الجمال، وهو يسعى بشكل دؤوب لتأصيل الوعي الجمالي الذي يراه جديراً بملء فضاء الروح. وربما لذلك الاشتغال كانت هناك مساحة غير قليلة للمقاربات التطبيقية. لقد عرفت في فترة ما باعتباري ناقداً متخصصاً في الشعر، ولعل ما أنتجته من كتابات انزاح بشكل ربما يقترح غير تلك السمعة التي عرفت بها، فقد قاربت السرد أيضاً منذ وقت باكر».
وأوضح حسن رؤيته حول فعل النقد بقوله: «لكل ناقد آلة نقدية بالطبع، تلك الآلة التي تتشكل من منابع مختلفة سبق الإشارة إليها، ولكنها بحسب ظني تزيد من رهافة حس الناقد إلى مواطن الجمال في الإبداع، وبالتالي يظل النقد إلى حد معقول مربوطاً بمنجز العصر فيما يتعلق بالذائقة الفنية».
بعدها، انعطف الناقد لعدة قضايا منها تجاور المدارس النقدية، ما لها وما عليها، مبيناً التضاد في الآراء الذي يصل حد التشدد. وتحدث أيضاً عن جدوى الأدب والنقد للمجتمع والتاريخ وسائر الحياة الاجتماعية، مؤكداً أن العملية النقدية هي ابنة الأدب «ينتمي الأدب والفن بعمومه إلى المجال ذاته الذي ينتمي إليه النقد، حيث إن الناقد مبدع أيضاً، كما سبق الإشارة، والعلاقة تتحدد من خلال مرئيات كل منهما للحالة الاجتماعية، مهما حاول الطرفان كلاهما إعلاء الموضوع وتجريده».
كذلك تحدث حسن عن أثر النظرة السلبية للنقد واللغة العاطفية التي تجيش ضد النقد في محاولة لتقليد الأنماط العلمية وإزاحة تلك الشحنة الدلالية السلبية المتوارثة عنه.
وفي منعطف آخر، تحدث عن تسليع الرواية «في النظر العميق ربما نكتشف قدرة الرواية على التحول إلى سلعة ضمن سيادة السلعة في عصر العولمة بما أنها ابنة البرجوازية بامتياز بحسب ما يطرح فيمكنها التسلع (التحول إلى سلعة) وهو ما يسمح لها بالانتشار بحسب قوانين العرض والطلب في العالم ذات القطبية الواحدة، وتكون فناً عابراً للحدود كحال الشركات التي تقوم بترجمتها وتسويقها وتحويلها إلى أفلام ممتعة، وبالتالي تتضافر مجموعة من الشروط الموضوعية لانتشارها، وربما بمرورها عبر منعرجات الزمن لا تسرب لتصل إلى بحيرة التراث كما تفعل بعض القصائد».
في ختامه، قال: «من يتصور أن الناقد لا يخطئ ربما يرتكب خطأ بمجرد أن يتبنى ذلك التصور، صحيح أن المنطق يحمي الفكر من الوقوع في الزلل ولكنه يفعل ذلك بتقليل الأخطاء قدر الممكن وبشرط ألا يكون هناك خطأ أصلي في المنطق ذاته».
بعد ختام شهادته، تداخل الجمهور مع الناقد جعفر حسن بالكثير من الأسئلة اتجهت كلها في معنى قراءة الناقد للواقع وما يترتب عليه من وعي بالمشروع النقدي محلياً وعربيا، وضخ المزيد من الإسهامات النقدية في ظل وفرة النصوص.
يشار إلى أن برنامج «شهادات إبداعية في التجارب البحرينية» يستمر في عرض التجارب حيث يقدم القاص والروائي أحمد المؤذن شهادته يوم الاثنين (2 مارس/ آذار 2015) في دار فراديس للنشر والتوزيع عند السابعة والنصف مساءً.
العدد 4557 - الجمعة 27 فبراير 2015م الموافق 08 جمادى الأولى 1436هـ