لم تكد تمضي 48 ساعة على مغادرته ميناء جدة السعودي، حتى بدأ الرئيس المصري محمد حسني مبارك، استعدادات استقبال العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز في منتجع شرم الشيخ كي يعقد معه القمة التشاورية الثانية، حول الأوضاع في المنطقة. وأجمعت وسائل الإعلام دون استثناء على أن «المصالحة العربية والعمل على بلورة موقف عربي موحد إزاء عملية السلام في منطقة الشرق الأوسط، فضلا عن بحث نتائج الانتخابات اللبنانية الأخيرة»، هي محور المحادثات، إلا أن مصادر مصرية موثوقة رفضت الإفصاح عن اسمها، أكدت لصحيفة «الشروق» المصرية أن «المحادثات ستركز على المصالحة العربية خاصة بين مصر وسورية، (مشيرة إلى) التحسن المفاجئ فى العلاقات مع سورية خلال الـ 48 ساعة الماضية إثر وساطة سعودية مكثفة».
وإذا ما وضعنا جانبا كل التكهنات التي توقعت انضمام العاهل الأردني، ومن بعده الرئيس السوري، والتي لم تر النور جانبا، وركزنا على دواعٍ وأسباب اتعقاد قمتين (مصرية - سعودية) متلاحقتين، سنجد أن هناك الكثير من القضايا التي كانت على طاولة المباحثات، والتي كانت بحاجة إلى موقف سعودي - مصري متناغم، إن شاءت الدولتان الذود عن حدودهما، والاحتفاظ بمستوى العلاقات الدولية لكل منهما، على النحو التي هي عليه الآن، إضافة إلى أخذهما في عين الاعتبار عند إعادة ترتيب الأوضاع في الشرق الأوسط كما تشير إليه كل الدلائل. هذا يتطلب كشف الدوافع الحقيقية التي تقف وراء هذه اللقاءات المتلاحقة على مستوى القمة والتي يمكن إيجاز أهمها في النقاط التالية:
1. نتائج الانتخابات الإيرانية، التي مهما قيل بشأنها أو الطعن في شفافيتها، لكن أمرها قد حسم لصالح كتلة أحمد نجاد، ومن خلفه الثقل السياسي لمرشد الثورة الإيراني، الذي كان اصطفافه إلى جانب نجاد واضحا لا لبس فيه، من خلال ما ورد في خطبة صلاة الجمعة التي ألقاها مباشرة في أعقاب إعلان نتائج الانتخابات، وفيما كانت شوارع طهران تلتهب بمسيرات الاحتجاجات الدامية المشككة في نزاهة تلك الانتخابات. هذا يتطلب من القاهرة والرياض أن ينسقا خطواتهما تجاه هذه الكتلة الشرق أوسطية المؤثرة، خاصة في ضوء الغزل الأميركي والأوروبي معها. مصر لا تريد أن تستقصى من أية معادلة جديدة في توزيع حصص الشرق الأوسط الجديد، وبالقدر ذاته، تحاول السعودية تقليص حيز الدور الإيراني في الخليج العربي. ولابد هنا من الإشارة إلى خوف العاصمتين من تنامي العلاقات الفلسطينية الإيرانية، وخشيتهما من تطورها بعيدا عن أعينهما.
2. نتائج وتداعيات الانسحاب الأميركي من المدن والبلدات العراقية، والذي يقود إلى تراجع الدور الدولي في تقرير اتجاه حركة ترتيب الأوضاع العراقية، وتنامي الدور العربي أو الإقليمي، وهنا تبرز إلى السطح الورقة الإيرانية، فهي الورقة الإقليمية الأكثر حضورا في الساحة العراقية. ولا نستبعد خوف العاصمتين، من أن يكون هذا الانسحاب غير بعيد عن الغزل الأميركي الإيراني. وفي ظل غياب قوة عراقية قوية قادرة على رسم خارطة التحالفات السياسية وفقا لمتطلبات الساحة الداخلية، تبقى الأبواب مشرعة لتدخلات أجنبية. وطالما تقوم الاستراتيجية الأميركية على التراجع، فمن الطبيعي أن يكون ذلك عامل تشجيع للقوى الإقليمية لأخذ المزيد من الأدوار. وتخشى العاصمتان من أي تهميش محتمل لثقلهما في التأثير على مسار وتطورات الأوضاع في العراق.
3. استمرار التشدد الإسرائيلي، سواء في التعامل مع السلطة الفلسطينية، أو إزاء السياسة الاستيطانية. كل ذلك يترافق مع موقف إسرائيلي متصلب من السياسة الأميركية الجديدة المتمسكة بمشروع الدولتين، وهو ما أكده الرئيس الأميركي باراك أوباما في كل خطاباته، بما فيها ما تمخض عنه لقاؤه بالمستشارة الألمانية أنجيلا ميركيل، حيث ورد في البيان المشترك الصادر عن ذلك اللقاء «حاجة كل الفرقاء في الشرق الأوسط أن يضاعفوا ثانية جهودهم لتحقيق سلام دائم بما في ذلك حل الدولتين، إسرائيل والدولة الفلسطينية، تعيشان جنبا إلى جنب بسلام وبأمن».
4. اتساع نطاق ثقوب الخلافات في ثوب الوحدة العربية والعمل العربي المشترك، والتي فشلت الكثير من المحاولات العربية، الفردية والجماعية لرتق تلك الثقوب على امتداد السنتين الماضيتين. وتأتي نتائج القمم العربية الكاملة والمصغرة، على حد سواء، الأخيرة كي تثبت بالملموس، عدم جدوى الحديث، في هذه المرحلة عن أي مشروع عربي مشترك، لأن الظروف القائمة غير ملائمة، وموازين القوى العربية الداخلية، لا تؤهل أي مساهمة عربية، فردية أو جماعية للخروج بأي مشروع في هذا الاتجاه. هذا يدفع العاصمتين إلى صب جهودهما المشتركة في تعزيز العلاقات فيما بينهما، والتنسيق الثنائي إزاء الكثير من القضايا التي ستفرزها الصراعات أو حتى التحالفات في منطقة الشرق الأوسط.
من هنا نرى أنه عندما تزال الغمامة الإعلامية عن قمتي جدة وشرم الشيخ، تبدو الأمور جلية وواضحة، ولا تحتاج إلى الكثير من الفطنة. تهدف العاصمتان، بعيدا عن أي ضجيج إعلامي إلى بلورة كتلة سياسية شبه متلاحمة، بوسعها، من خلال استخدام ثقل السعودية السياسي والمالي، وحجم مصر السياسي والجغرافي، من أجل مواجهة أي تكتل قد يبرز في المنطقة على المدى القريب أو المتوسط. سواء كان هذا التكتل تقوده دولة واحدة، كما هو الحال بالنسبة لإيران، أو كتلة سياسية موازية تتكون من طهران واسطمبول.
وأول خطوات ثابتة لمواجهة ذلك هو التعاطي مع الأربعة الدوافع المشار إليها أعلاه بشكل ثابت ومتماسك، وهو ما تحاول القمتان تحقيقه.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2491 - الأربعاء 01 يوليو 2009م الموافق 08 رجب 1430هـ