أجمع مُلاك مشاتل بحرينية على أن موسمية الحصاد تمثل تحدّياً كبيراً جداً أمام عمل المشاتل، حيث يأكل موسم الكساد ما يحصده موسم الوفرة، مشيرين إلى أن الموسم الزراعي يبدأ في القسم الشتوي من العام (النصف الأول من السنة) بينما يعتبر القسم الصيفي (النصف الثاني من السنة) موسماً للكساد، داعين الجهات المسئولة إلى إيجاد التدابير المناسبة التي تحمي المزارع البحريني وتضمن له ديمومة العمل طوال العام.
جاء ذلك خلال جولة قامت بها «الوسط» على عدد من المشاتل البحرينية في شارع البديع للوقوف على أوضاع هذا القطاع المهم، والتعرف على حصاده، وروَّاده، وأبرز التحديات التي تواجه العاملين فيه.
بداية جولتنا كانت من مركز الخير الزراعي والذي يقع في منطقة متوسطة بين دواري جنوسان وباربار. دخلنا وكان في استقبالنا شابٌ حسن المحيى يدعى أحمد عبدالحسن يبلغ من العمر 20 عاماً، وعرفنا لاحقاً من خلال الحديث أنه ابن صاحب المشتل. عرضنا له القصد من الزيارة وسألناه عما إذا كان بإمكاننا الحديث مع والده، فقال إن والده غير متواجد بالمكان حالياً لكنه يمكن أن يجيب عن الأسئلة التي نريد.
كان شعوراً طيباً أن يكون شاب في مثل هذا العمر يملك مفاتيح الأسئلة عن مهنة صارت من تراث الأجداد أو الهواة من كبار السن.
أحمد قال لنا: «إن المحاصيل التي تتوفر في المشاتل البحرينية على قسمين: الأول الورود، والثاني الفسائل أو الأشجار المثمرة»، وأضاف «أما الورود فأبرز الأنواع ذيوعاً هي التيونيا، أراولا، جرانيم. بينما في فسائل النخيل يكون الحظ الأوفر للخلاص والخنيزي والبرحي، وبالنسبة للأشجار المثمرة فهنالك أنواع عديدة منها الليمون والجيكو والجوافة وغيرها».
سألناه عما إذا كانت هذه المحاصيل تستهوي المواطن البحريني العادي، وتلاقي منه إقبالاً، فأجاب «نعم بكثرة، وخاصة في موسم الوفرة الزراعي، والذي أستطيع تقديره أن يمتد من شهر سبتمبر/ أيلول حتى مايو/ أيار. وإجمالاً يكون ذلك عندما يبتعد الصيف عن جو البحرين، حيث تبدأ الورود والمحاصيل في الإثمار بوفرة، وذلك على النقيض من فصل الصيف الذي يشهد ركوداً وكساداً عاماً إذ تصعب الزراعة، ويسهل موت المحاصيل بسبب الحرارة».
وعن استعمالات المحاصيل، ذكر أحمد «الزبائن يختلفون في أذواقهم، منهم من يقبل على شراء الورود بغرض تزيين حدائقهم وتنسيقها، ومنهم من يفضل الأشجار المثمرة طمعاً في المحصول»، توقف ثم ردَّ مازحاً «لكن الأغلب يحبون الثمر... كلَّ يبون أكل».
وبشأن مصدر المحاصيل التي تتوافر في المشتل أوضح «كل هذه المحاصيل سواء ورود أو أشجار كلها من إنتاج مزرعتنا الخاصة. وأستطيع أن أقدر أن العائلة في هذا المجال منذ 25 عاماً»، وتابع «وزراعتنا كلها بالتربة، لكن بنظام المحميات التي توفر التكيُّف المناسب للنبات».
وعن أهم التحديات التي تواجه الزراعة البحرينية، بيَّن أحمد «أولاً الموسمية في العمل، إذ إن الوفرة التي تشاهدها هذه الأيام تنخفض إلى أدنى مستوياتها في فصل الصيف، وهو ما يتبعه بالضرورة خسارة المحاصيل أو عدم إمكانية الزراعة، وضعف المداخيل. وثانياً نحن كمزارعين محترفين نعاني من صعوبة إجراءات استيراد المبيدات والأدوية الخاصة بالزراعة، وذلك راجع إلى احتوائها على المواد الكيمائية»، مطالباً أحمد «بستهيل الإجراءات، وتوفير المزيد من الدعم للمزارع البحريني».
على مقربة من مركز الخير يقع مشتل ينوفيرسال الزراعي، وهو ما كان وجهتنا التالية.
بدا ينوفيرسال متشابهاً إلى حدٍّ ما في مساحته وتشكيلاته مع مركز الخير. وفيه قال لنا أحد القائمين عليه ويدعى علي أحمد (45 عاماً): «إن أبرز المحاصيل التي يدوام الزبون البحريني على اقتنائها، من الورود المحمدي، الرازقي، الفل، الياسمين، وذلك بسبب الراوئح الزكية التي تفوح عادةً من هذه الأنواع من الزهور. ومن الأشجار المثمرة تجد إقبالاً كبيراً على أشجار الجوافة، والعنب، والتين، والجيكو، وغيرها من الأنواع».
هل عادت هذه المحصولات تجذب اهتمام البحرينيين؟ سألنا علي. فأجاب «نعم حب الزراعة مازال يلاقي رواجاً عند البحرينيين. والآن أنا ألاحظ ازدياد عدد النساء الذين يقبلون على الشراء من المشاتل، وهذا في تصوري يرجع إلى رغبتهن في تزيين حدائق منازلهن والاهتمام بجمال الهيئة»، وواصل «وهنا بدأنا نلمس الفرق في اختلاف الاهتمامات. سابقاً كان البحرينيون يهوون الأشجار المثمرة فقط، وعليها يكون الإقبال أكثر. أما الآن فبدأ ينمو الاهتمام بشراء ورود الزينة لتجميل الحدائق والمساحات المزروعة».
واستدرك علي أحمد «لكن مع شديد الأسف هذا الإقبال، والوفرة في المحاصيل، وزهوة الشراء تتم فقط في فصل الشتاء الذي فيه تبلغ الدورة الزراعية أوجها. بينما في فصل الصيف تنعدم المحاصيل، وبالتالي يتلاشى الإقبال على المشاتل».
وعن أهم المشاكل التي تواجه قطاع الزراعة في البحرين، قال: «شحّة الأراضي واحدة من أبرز التحديات التي تواجه المزارعين، فهنالك رغبة لدى الكثيرين بالولوج في هذا العالم لكنه يصطدم بعدم وجود الأرض التي هي أساس العمل، وكذلك ضعف الدعم الذي يتلقاه المزارع البحريني، فكما هو معلوم يحتاج المزارع اليوم إلى دعم مضاعف عن ذاك الذي كان يحتاجه في الماضي، وهذا نتيجة لتطور التقنيات وارتفاع كلفتها، فأنت حتى تكون مزارعاً متطوراً وفي السياق، لا يمكن أن تزرع تقليدياً وتعتمد على الطبيعة خاصة في البحرين. ولذلك برزت الحاجة إلى البيوت المحمية لتكيُّف الجو مع حاجات النباتات وهو ما يتطلب تكلفة عالية جداً».
هاني النصيف رجلٌ أربعيني العمر، يملكُ مشتلاً شاسع المساحة أطلق عليه مسمى «مزرعة تسنيم». معه كان ختام «جولتنا المشتلية».
في مزرعة تسنيم يبدو الأمر مختلفاً عن المشاتل التقليدية سواء المخصصة المعروضات، لا من حيث المساحة وحسب، بل ونوع التقنية المستخدمة أيضاً.
«إلى جانب الزراعة التقليدية بالتربة، نستخدم في المشتل الزراعة بالتقنية المائية «الهايدروبونكس». وهي نوع حديث من أنواع الزراعة التي تنمو فيه النبتة دون حاجة للتربة» يقول النصيف.
في الزراعة المائية أو «الهايدروبونكس» في أنابيب بلاستيكية، وأنا أجدها أفضل من حيث سرعة الإنتاج ونظافته. كما أنها تتغلب على الكثير من التحديات التي تواجه المزارع التقليدي كشح الأراضي. بواسطة الزراعة المائية تستطيع إنبات الزرع حتى فوق السطوح».
في مساحة مترامية الأطراف، ومقسمة بحسب تقنية الزراعة، ووسط حجم كبير ومتنوع من المحاصيل يجد زائر مزرعة تسنيم نفسه.
يقول النصيف «لدينا الكثير من المحاصيل، الورقية منها والثمرية. مثلاً لدينا 5 أنواع من الخست الهولندي، كما تتوافر في المزرعة محاصيل الكرفس والبقدونس والنعناع والشمر والزعتر والطماطم والشمام وغيرها».
وعن مستوى رضاه عن إقبال الزبائن بلحاظ هذا المشتل الحديث ومحاصيله المتنوعة، أكد النصيف «الإقبال ممتاز وخاصة في فترات الموسم الزراعي»، مستدركاً «لكن في الصيف يقل وهو يعتبر موسم كساد بالنسبة لكل المزارعين، وإن كنا نحن نستطيع التغلب على هذه الجزئية إلى درجة ما بسبب النظام الحديث الذي تقوم عليه المزرعة».
ويردف «لكن ثمة تحديات أخرى تواجهنا، وهي صعوبة إجراءات استيراد مواد الزراعة المائية إلى جانب إجراءات استيراد الأسمدة والمبيدات والأدوية. الجانب الرسمي يتحفظ بسبب احتواء هذه المواد على مكونات كيمائية. وهنا نحن نطالب بتخفيف بعض هذه الإجراءات أو الوصول إلى صيغة مقبولة لتسهيل العملية. مع أن هذا لا ينكر فضل الإخوة في وزارة الزراعة الذين نلقى منهم كل التعاون».
وأكمل «مسألة أخرى هي ضعف جمعية المزارعين البحرينية وعدم قدرتها على أن تكون إطاراً مرجعياً للمزارع البحريني. بالتالي يضطر كل مزارع أن يراجع الجهات المعنية في قضايا فردية يفترض أن يكون لها حلاً جماعياً».
وأوضح «مثلاً الآن هنالك مشكلة عامة هي الكساد في فصل الصيف، لكن حتى هذه اللحظة لم تطرح الجمعية مبادرات ترشيدية أو تنظيمية تضمن استمرار العمل وتجنب الكساد. كالاتفاق على زراعة محاصيل معينة أو إعطاء الاستشارات وصياغة التوافقات مع الدولة»، وواصل «حالياً يشتكي المزارعون من منافسة المحاصيل المستوردة للمحصول المحلي، ويطالبون بإيقاف الأجنبي فترة معينة حتى يتمكن المحلي من الثبات والمنافسة. لكن مثل هذه القضايا من يستطيع أن يبت فيها؟ لابد من إطار جماعي يعمل من أجل ذلك وهي جمعية المزارعين. وهنا يمكن الاستفادة من النماذج الأخرى وعلى رأسها النموذج الهندي».
العدد 4557 - الجمعة 27 فبراير 2015م الموافق 08 جمادى الأولى 1436هـ