في شارع فرعي صغير ممتد إلى مدخل قرية الغريفة، قررت أن أركن سيارتي واتجه إلى نهاية هذا الشارع الذي أغلق بالصخور وببعض الأخشاب. وهناك كانت تجلس «وحيدة» الهندية تعمل في تصليح الدراجات الهوائية منذ ستة عشر عاماً. دخلتُ المحل، ونظرَتْ وحيدة إليّ وقالت وهي تبحث عن إطار لإحدى الدراجات معلقةً في حديثها مع «الوسط»: «أنا جيت بحرين يشتغل خدامة بس بعد سنتين شفت نفر يشتغل اشلون في هاي المحل وحبيت شغلت تصليح السيكل. بعدين أرباب قال أوكي أنا يشتغل». بتلك الكلمات العربية الركيكة بدأ حديثي مع وحيدة بجيم سيد باشا، البالغة من العمر أربعين عاماً وهي أم لثلاثة أبناء، تعمل في البحرين منذ العام 1998 وحتى اليوم.
وحيدة التي قدمت من مدينة مدراس الهندية، ترعرعت في أسرة تعتنق الديانة الإسلامية وقد دفعتها الحاجة المادية لأن تغترب عن زوجها وأولادها مثلها مثل الكثيرات من النساء الآسيويات اللواتي يعملن في البحرين وباقي دول الخليج.
وحكاية «وحيدة» الهندية تأتي ضمن سلسلة حكايات نساء في الظل.
الجفير، الغريفة - ريم خليفة
في شارع فرعي صغير ممتد إلى مدخل قرية الغريفة، قررت أن أركن سيارتي، واتجه إلى نهاية هذا الشارع، الذي أغلق بالصخور وببعض الأخشاب - في إشارة - إلى أن هذا الشارع يشهد مواجهات ليلية بين قوات الأمن والشباب. وكما يبدو فإن ملامح هذه القرية، اختفت مع الزحف العمراني الذي اجتاح المنطقة بكاملها، كما التحمت اليوم بالجفير(أيضاً اسم لإحدى القرى) القريبة من الغريفة. بينما يسمى غالبية قاطنيها من الأميركان بـ «ليتل لاس فيغاس» (فيغاس الصغيرة)، وهي القريبة من مقر قاعدة الأسطول الأميركي الخامس في البحرين.
هندية تصلح «سيكل»
وهناك لفت انتباهي وجود سيدة آسيوية، ترتدي زي «الشروال قميص» مع غطاء على الرأس، تتدلى من إذنيها أقراط طويلة، وكانت جالسة على الأرض، منهمكة في إصلاح إحدى الدراجات الهوائية وتمسك بيدها مفك البراغي.
ذهبت إليها وألقيت التحية، فإذا بها ترد التحية بالعربية، لكن بلكنة هندية... سألتها عما ذا كانت تصلح دراجتها، إلا أنها فاجأتني بالقول: «لا... أنا يصلح سيكل (دراجة هوائية بالعامية البحرينية) مال نفر (...) أنا شغل مال أنا يصلح سيكل».
ثم عادت تكمل عملها، وبعد لحظات جاء صاحب الدراجة الهوائية وهو آسيوي أيضاً، شكرها بعد أن أصلحت عطل الدراجة، ودفع لها بعض النقود.
«وحيدة» تعشق عملها
قال لي أحد البحرينيين ان هذه «وحيدة» الهندية، تعمل هنا في هذا المحل الذي يملكه بحريني منذ ستة عشر عاما، وهي معروفة بشطارتها في إصلاح الدراجات الهوائية من كل شكل وحجم، ويأتي لها الصغير قبل الكبير من كل جنسية ومن كل منطقة في البحرين.
دخلت المحل، ونظرت وحيدة إليَّ وقالت وهي تبحث عن إطار لدراجة معلقة: «انا جيت بحرين يشتغل خدامة (عاملة منزل)، بس بعد سنتين شفت نفر يشتغل اشلون في هاي المحل وحبيت شغل تصليح السيكل، بعدين أرباب قال اوكي انا يشتغل».
بتلك الكلمات العربية الركيكة، بدأ حديثي مع وحيدة بجيم سيد باشا، البالغة من العمر أربعين عاماً وهي أم لثلاثة أبناء، تعمل في البحرين منذ العام 1998 وحتى اليوم. ووحيدة هي هندية قدُمت من منطقة مدراس في الهند، إذ ترعرعت في أسرة تعتنق الديانة الإسلامية وقد دفعتها الحاجة المادية لتغترب عن زوجها وأولادها مثلها مثل الكثيرات من النساء الآسيويات اللواتي يعملن في البحرين وباقي دول الخليج.
ووحيدة التي عشقت مجال تصليح الدراجات الهوائية أوضحت أنها تعلمت المهنة تدريجيّاً حتى أتقنتها وهي فخورة جدا بعملها، الا ان الحياة اليوم اختلفت عما كانت قبل عشر سنوات، تعلق بالقول وهي تشرب مشروب الطاقة من اجل الاستمرار في عملها... انها ترى نفسها في هذا العمل، فهو يجعلها سعيدة؛ لأنها تصلح ما قد لا يستطيع أحد أن يقوم بذلك، وخاصة إن كان رجلا يطلب مساعدتها؛ لإصلاح ذلك، وزبائنها من مختلف الجنسيات ومن مختلف مناطق البحرين.
الآسيويون والغربيون زبائني
تقول وحيدة إنها قليلة السفر إلى ديارها، فهي على مدى ستة عشر عاماً، كانت تذهب ما بين كل عامين أو ثلاثة، وأنها سعيدة بأنها أدت العمرة قبل ثمانية أشهر تقريباً. وكما تقول كل ما سعيت اليه كان بفضل من الله هو الحافظ وهو الذي أنعم علي القدرة على العمل في هذا المجال. وتعلق بان الجميع يأتي إلى هذا المحل؛ لأنهم سمعوا عن سمعة طيبة لإصلاح الدراجات الهوائية. فمن العمالة الآسيوية وصولا إلى الرياضي الغربي، فهم من كل الأعمار والجنسيات والاهتمامات. وهناك من سألني يوما لماذا اخترت هذه المهنة؟ وأجبت لأني أحب هذه المهنة التي أنعم الله علي بها بدلا من خدمة المنازل.
تركتني وحيدة بعد ان دخل زبون يطلب منها تصليح مقبض الدراجة الهوائية فقامت على الفور باخذ مفك البراغي وبدأت تحركه يمينا وشمالا في حركة سريعة وبقوة يديها، ثم قدم لها هذا الزبون مبلغا لا يتجاوز 700 فلس (1.8 $) ثم غادر المحل بعد ان شكرها.
غلاء المعيشة
ثم جاءت، وقالت لي «هذا بنغالي» وهم كثيرون اليوم في البحرين، لكن الإقبال على التصليح أصبح أقل في السنوات الأخيرة، وربما ذلك راجع إلى تغير الأحوال. وقد اثر ذلك سلبا على عملي وهو ما يجعلني أفكر في العودة جدياً إلى بلدي الهند وخاصة وان يدي وساعدي لم يعودا كما كانا في السابق، وزوجي الذي عمل في الخياطة أغلق محله في مدينة (مِدرّاس) وفتح محلاً لتصليح الدراجات الهوائية. وحالياً أفكر جديًا في العودة والعمل في محل زوجي.
جلست وحيدة بعد أن أنهت حديثها معي وبدأت في تركيب احد الإطارات، ثم قالت إنها بعد هذه السنوات الطويلة تشعر بتعب وألم بيديها؛ لكون أن هذا العمل شاق إلا أنها كانت ومازالت تحبه؛ لأنه مصدر رزق لها ولباقي إفراد أسرتها، فهي تجني راتبا شهريا لا يقل عن 160 ديناراً (425 $) وهو أفضل بكثير مما كانت تجنيه عندما كانت عاملة منزل، إذ كان لا يتجاوز مئتي دولار أميركي.
غير أن وحيدة تقول إن هذا المبلغ أصبح لا يكفي في السنوات الأخيرة، وخصوصاً في ظل غلاء المعيشة في البحرين، كما أن متطلبات أسرتي في الهند زادت. وعلى رغم أنني أتقاسم الغرفة التي أعيش فيها مع إحدى النساء اللواتي يُصفن من العمالة السائبة في البحرين، حيث أدفع لإيجارها مبلغ ستين ديناراً بحرينيّاً (159 $) فإن كيس الرز ارتفع سعره كما هي أسعار باقي المستلزمات الأخرى.
مضايقات
وتقول وحيدة إنها في بداية عملها في مجال تصليح الدراجات الهوائية تعرضت لبعض المضايقات والتحرشات، لكنها كانت لا تخبر أحدا عنها خوفا على لقمة العيش، فهي تفتح المحل في السابعة والنصف صباحا وتعمل حتى التاسعة مساء بدون إجازة أسبوعية.
وتضيف هذه السيدة الهندية أنها اعتادت على العمل من دون توقف، واعتادت على الغربة لكنها تجد أن الوضع تحسن عندما قدم إلى البحرين أخ زوجها وبدا يحضر لغلق المحل في المساء، وهو الأمر الذي جعلها تتفادى أي نوع من المشاكل التي قد تتعرض لها.
مرة أخرى تركتني وحيدة لتستقبل زبوناً آخر وتحدد مشكلة دراجته. وهي لم تكمل حديثها؛ لأنها في كل لحظة تكرر أنها مشغولة، وان عملها يتطلب القوة والتركيز لإتقانه بشكل جيد. هكذا كان حديثي مع هذه السيدة الهندية بيديها الملطختين بالزيت، الذي ترك أثر السواد حول أظافر يديها.
هذا السواد الذي ترك عليها بصمات السنين في عمل كان في يوم مقتصراً على الرجل، لكنه من وجهة نظر وحيدة لم يعد كذلك؛ لأن المرأة عليها أن تعمل وفي مثل وضعها إن لم تعمل فإنها لن تجد من يعول أسرتها.
ودعت وحيدة وخرجت من المحل أتذكرها وأتذكر صورة من صور النضال الإنساني من أجل لقمة العيش، في زمنٍ لطالما تكلم عن أهمية تمكين المرأة وتحسين حقوقها، سواء كانت مواطنة أم مقيمة أم مهاجرة.
العدد 4557 - الجمعة 27 فبراير 2015م الموافق 08 جمادى الأولى 1436هـ
مواطن اصلي
الله يعطيها الصحه والعافيه
شكراً
شكراً أستاذه ريم على هذه التغطية و المقالة الفريدة من نوعها و المليئة بالإنسانية بوركتِ و سلمت يمناكِ
تصحيح معلومة
المحل موجود في الجفير وليس لغريفة
الخط الفاصل بين القريتين هي خط محطة النقل العام بجانب نادي النصر
ابو حافظ
موضوع جميل وفيه حكمة عدم المستحيل ،، بس ليش ريم خليفة تكتب اكثر شي عن الجالية الهندية او الآسيوية ؟؟
احنا بعد عندنا قصص كفاح وعدم المستحيل ولا توجد في قصص الف ليلة وليلة !!!
الحمد الله على نعمة العقل
على شان تقول حق بعض البحرينيين الي امفشلينة ويطرون صوب الإشارات الضوئية وفي الأسواق وهم بكامل صحتهم وقواهم العقلية تعلمو تسون شي بدل لشحاتة
والهند مثل البحرينيين
وانت ليش زعلان كلهم بشر ما في فرق
هاذي من قصص التعايش الجميلة ...
ربي اجعل هذا البلد آمنا.
ابو حافظ
ليس هناك فرق بين بني آدم ،، كلكم لآدم وآدم من تراب ، لكن كان المقصود من احتواء وإلتفات المعنيين من شريحة واسعة من الشباب المكافح في البلد .. وشكراً لسعت صدوركم
يجب أن نتعلم من وحيدة
على الجميع أن يتعلم من هذه المرأة المكافحة.مثال رائع عايش بينا في البحرين. ..يلا يا بنات حواء
تصليح السيكل مهنة شريفة
نقترح تقديم دورات من قبل المجلس الأعلى ليكون مورد ثاني لطالبات الجامعات. ..فكرة جيدة
محرقي بحريني
آنه كانت أمنيتي اشتغل أسكافي ( تصليح وصناعة الاحذية) ما أدري ليش هل الشغلة وايد أحبها وأحس رايح ابدع فيها و كنت آتمنى أن المجتمع يتقبل أن بحريني يشتغل أسكافي ولا ينظر له نظرة أستهزاء شان على الاقل بعد دوامي أفتح مكان أشتغل هل الشغلة فيها رغم علمي أن مدخولها مو ذاك الزود بس علشان أمارس شئ أحبة وأتمناه طول حياتي
عموماً ترة الرزق مو عيب العيب من يتسول وهو قادر ينتج
افتح المحل
ماكو عيب من اي نوع من الاعمال ام شي يكون شريف يالطيب افتح المشروع وراح انييك ونشجع العماله البحرينيه
و الله فن
مشروع اسكافي مشروع رائع
اني تخرجت من الجامعة و اشتغلت لكن هوايتي اني أصلح الجواتي و ابتكر طرق و حتي أغير في ستايل الجوتي ...
تدوير و اصلاح ... أشجعك و بقوة
الجفير وليس الغريفه
شكله الي كاتب المقال او المصور مو من البحرين لانه هذه الدكان في وسط الجفير
لاحول ولا قوة إلا بالله
يعني انت الحين تركت جوهر الموضوع والعبرة ورحت تدور لي على شان الغريفة او الجفير الجفير كله على بعضها 35 بيت يعني ياخي الجفير والغريفة وحده هم ما قالو المنطقة في جدحفص على شان تتحجج
بو فهد
بصراحة موضوع جميل جدا تطرحه الوسط وهذه المرأة فعلا احرجت الكثير من الشباب الذين يتسولون عند الاشارات والدوارات وهم بكامل صحتهم وشبابهم في حين هذه المرأة ابت هذا الشيء
رحيمة بيجم
كفو عليش يا وحيدة
بنت عليوي
الله يعطيها الصحه والعافية، ويرزقها من خير نعمته
تمكين المرأة
وحيدة وغيرها مثال مفعم بالحيوية يجب أن تكرم من المجلس الأعلي والجمعيات في البحرين
نساء في الظل كثر
نعم هناك كثيرات لكن محد سوى معاهم مقابلة
رد على تعليق 1
قرية الغريفة حالها حال الكثير من المناطق التي بدأت في الازالة.
شكرا على الموضوع
المكافحات أنواع في البحرين...الصحافية ريم خليفة وفقت في سرد قصة هذه الهندية
الله يرزقها
وهذا حالنا بصير بعد عشرين سنه وفوق وبتشوفون البحرينيين في مثل هذه الأشغال وهذا هو تنجيمي الشخصي بسبب التجنيس والأجانب سيصعب العيش والرزق على المواطنين في المستقبل القريب وليس ببعيد أيضاً ان تعمل البحرينيه خادمه في دول الخليج بسبب سياسة الحكومه
محمد
يمكن هالحجار اللي صاكين فيها الشارع مستوردينها من الحوثي لدعم فهي ثروة الحوثي القوميه
ما شاالله عليها
بحق تستحق ان تدعم فهي تقدم خدمات للبلد. واتمنى ان يرثها بحريني وبدعم بعمله.فما اجمل ان ترجع البسمه لطفل قد تعطلت دراجته الصغيره
الله يسر أمورها
الله يقضي حاجتها ويوفقها إن شاء الله
الحكومة
لا يكون بس الحكومة حاطة الموضوع تعمدا،، عشان بناتنا يشتغلون في تصليح السياكل،،،،
انت مو صاحي
شنو علاقة الحكومة في خبر خاص من جريدة الوسط؟؟؟؟ انت شايف هالخبر في جرايد ثانية مثلا!!!
كلشي عندكم سياسة في حياتكم!!! خذ العبرة من الموضوع وعشان تتعلم ان في ناس يضحون بكلشي علشان لقمة العيش..
والله حياتكم صعبة
الى : زائر 28 - انت مو صاحي (@) from: stsfoonst
لا تتهجم على نساء البحرين
فهم يعرفو بتصلو بالمطعم ويقولو له ييبو لينا غداء وعشاء أيظاً
وكل بوم بدل التعب
(من الذي جعل نساء الوطن بهذا القدر من الاتكال على الغير)؟
لاتستغرب
صراحا ارفع لها القبعة احتراما لها ونعم المرأة
هههههه
فى البحرين لا شئ مستحيل ....من العجائب الا بالبلد لازم يدخلون البحرين بموسوعه غينيس للأرقام الخياليه ....قواش الله
لقمة العيش
تجعل الانسان يمتهن اي شئ ..اهم شي عمل شريف
رزق شريف
رزق شريف والحمدلله الله يفتح لها ابواب الخير من حيث لا تحتسب
مكان
هذه المنطقة الجفير وليست الغريفه