مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص بين المواطنين في بعض المجتمعات، تعتبر سمفونية تعزف الأنظمة على وقع أنغامها ما شاءت من الدعاوى، ما استطاعت إلى ذلك سبيلا، فتطرب شعبها، وتخدرهم، وتستغفلهم وتأخذ بالأحرى ما أعطته بالأولى! وتعمل أدوات التسويق بمختلف فنون الدبلوماسية، لتبيع على زبائنها في العالم أهم منتجاتها «عدالة النظام وحضاريته»، وتتجلبب بالسمفونية في أروقة المؤتمرات الدولية وخصوصا تلك التي تهتم بقضايا الديمقراطية والحكم الصالح والعمل وفق والالتزام بمبادئ حقوق الإنسان؛ لتخفي سوءاتها.
في البحرين نجد مفارقة خطيرة بين ما يقرره الدستور في مواده التي تؤكد على العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص، وبين ما تمارسه السلطات من انتهاك لهذا المبدأ جهارا نهارا، تأسيسا وتقنينا، في خصوص توزيع الدوائر الانتخابية.
ففي الباب الثاني من الدستور «المقومات الأساسية للمجتمع» وفي المادة 4: «العدل أساس الحكم، والتعاون والتراحم صلة وثقى بين المواطنين، والحرية والمساواة والأمن والطمأنينة والعلم والتضامن الاجتماعي وتكافؤ الفرص بين المواطنين دعامات للمجتمع تكفلها الدولة ».
وفي الباب الثالث من الدستور «الحقوق والواجبات العامة» وفي المادة 18 منه: «الناس سواسية في الكرامة الإنسانية، ويتساوى المواطنون لدى القانون في الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة».
والمادة 31 من نفس الباب: «لا يكون تنظيم الحقوق والحريات العامة المنصوص عليها في هذا الدستور أو تحديدها إلا بقانون، أو بناء عليه. ولا يجوز أن ينال التنظيم أو التحديد من جوهر الحق أو الحرية».
وبالاطلاع على المرسوم رقم (29) لسنة 2002م بشأن تحديد المناطق والدوائر الانتخابية وحدودها واللجان الفرعية للانتخابات العامة لمجلس النواب، والذي تضمن تقسيم المملكة إلى خمس مناطق انتخابية، تحددت على أساس حدود المحافظة التي تقع فيها، كما أن المناطق الانتخابية في المملكة، قسمت إلى دوائر انتخابية بلغ عددها مجتمعة،40 دائرة.
يتضح جليا مدى انتهاك المساواة وتكافؤ الفرص، ومدى هيمنة تأسيس حالة من التمييز الفاضح بين الناس في المجتمع، من خلال الفوارق العددية الكبيرة بين دائرة وأخرى، ما يكشف عن غياب الحيدة والعدالة في توزيع الدوائر الانتخابية بين المواطنين، من حيث قوة وقيمة صوت المقترع. بل إن تحليلا بسيطا تلقائيا، لا يحتاج إلى كثير عناء، لأرقام الأصوات التي تشكل الدوائر الأربعين، تنكشف نتائج تخالف محصلتها المادة الثانية من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الفقرة (1) «تتعهد كل دولة طرف في هذا العهد باحترام الحقوق المعترف بها فيه، وبكفالة هذه الحقوق لجميع الأفراد الموجودين في إقليمها والداخلين في ولايتها، دون أي تمييز بسبب العرق أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي سياسيا أو غير سياسي، أو الأصل القومي أو الاجتماعي، أوالثروة أو النسب، أو غير ذلك من الأسباب».
كما وتعالج الفقرة (2) من المادة ذاتها ما يجب على السلطات في الدول التي تصادق على العهد القيام به «تتعهد كل دولة طرف في هذا العهد، إذا كانت تدابيرها التشريعية أو غير التشريعية القائمة لا تكفل فعلا إعمال الحقوق المعترف بها في هذا العهد، بأن تتخذ، طبقا لإجراءاتها الدستورية ولأحكام هذا العهد، ما يكون ضروريا لهذه الأعمال من تدابير تشريعية أو غير تشريعية».
ومن جهة أخرى قامت السلطات بمحاولات لإرساء العدالة والمساواة بين الرجل والمرأة في منحهما حق التصويت والترشح. التزاما منها بعدم التمييز بين الجنسين في هذا الحق. ولكن تناقضا يطفو على السطح، فيكشف حالة من التمييز وعدم المساواة بين الرجل والرجل، مدنيا وسياسيا وحقوقيا، وتمييزا وعدم مساواة بين المرأة والمرأة مدنيا وسياسيا وحقوقيا، بل ونعود لندخل دائرة التمييز وعدم المساواة بين الرجل والمرأة من باب آخر. بعد أن فتحت أبواب المساواة في منحهما مجردين من أي رابط أو صفة، حق الترشح والانتخاب.
عند مقارنة الدوائر الانتخابية الأربعين، يتضح مدى فداحة التمييز والضرر الواقع على المواطنين جراء عدم المساواة وتكافؤ الفرص التي كفلها لهم الدستور «... والمساواة... وتكافؤ الفرص بين المواطنين دعامات للمجتمع تكفلها الدولة»، وبالرجوع إلى المواد الدستورية المذكورة آنفا، تتضح مخالفة المرسوم للحق الذي كفله الدستور للمواطنين، حيث لا يعلو على الدستور أي قانون أومرسوم. كما أشارت الفقرة الأخيرة من المادة 13 «ولا يجوز أن ينال التنظيم أو التحديد من جوهر الحق...».
«والمسألة الأساسية في القانون السياسي هي مسألة المساواة في تمثيل الأفراد التي يجب في نهاية المطاف أن يتبعها توزيع الناخبين بين مختلف الدوائر، إنها نتيجة مبدأ المساواة في حق الاقتراع: إنسان واحد، صوت واحد، وقيمة واحدة، (one man, one vote and one value) وبالإمكان حلها ببساطة عن طريق قسمة العدد الكامل للسكان أو المواطنين الذين يجب تمثيلهم بعدد المقاعد المنوي تخصيصها». (مقتبس من المعجم الدستوري ص 594).
إذن... لماذا لا تتساوى قوة وقيمة صوت رجل في دائرة من دوائر المملكة، لقوة وقيمة صوت رجل آخر في دائرة أخرى؟ ولماذا لا تتساوى قوة وقيمة صوت امرأة في دائرة من دوائر المملكة مع قوة وقيمة صوت امرأة أخرى في دائرة أخرى؟ كما أن كثيرا من النساء في دوائر لا يساوي صوتهن قوة وقيمة صوت رجل واحد أو امرأة واحدة في دائرة معينة في منطقة انتخابية معينة! وكثير من الرجال في دوائر لا يساوي صوتهم قوة وقيمة صوت رجل واحد أو امرأة واحدة في دائرة معنية. بينما لا تفتأ السلطات والحكومة ولا يتوقف الرسميون داخل البلاد وخارجها، يؤكدون على ضمان حق المساواة وتكافؤ الفرص وعدم التمييز، بينما يتضح التمييز الممنهج جليا في توزيع الدوائر الانتخابية. فأين المساواة وتكافؤ الفرص؟
إقرأ أيضا لـ "هادي حسن الموسوي"العدد 2491 - الأربعاء 01 يوليو 2009م الموافق 08 رجب 1430هـ