مقالنا المنشور في 13 فبراير الجاري، «باربار الابتدائية للبنات منجز حضاري» أثار موجةً من النقاشات شاركت فيها فئات مختلفة في مستوياتها التعليمية والمعرفية والتخصصية، وجرى في سياق ذلك طرح المرئيات المختلفة في مضامينها التعليمية والتربوية والاجتماعية والتنموية. وأوضح ذلك الأثر الذي تركه المقال على اهتمامات المجتمع المحلي في باربار، وأكّد في جوانب معالجاته الرغبة الاجتماعية في تحريك سواكن المشروع ومستوى الوعي الاجتماعي بأهمية المدرسة وضرورتها وأهميتها الحضارية لتيسير مهمة تعليم بنات المنطقة.
كما تؤكد المواقف والرؤى الاجتماعية ضرورة التفكير الجدي في تحريك مختلف الجهود لعودة هذا المعلم المهم في منظومة أهداف استراتيجية التعليم في مملكة البحرين. وأشار واقع النقاش إلى موقع المدرسة في المكون النفسي للمجتمع المحلي كمعلم تربوي مهم لقرية باربار والقرى المجاورة.
المقال ترك أثره أيضاً على القطاع التربوي، ووفق ما بينه أحد المعلمين أن المقال حظي باهتمام مواقع التواصل الاجتماعي للتربويين، وجرى تبادل الرؤى والأفكار بشأن ضرورة تعزيز العملية التعليمية، ليكون التعليم ميسراً الحصول عليه لمختلف فئات المجتمع، وأبدى التربويون اهتمامهم بما طرحه المقال، وحفّز ما جرى طرحه من حقائق عدداً من أفراد المجتمع لتقديم مقترحاتهم والتأكيد على ضرورة أن تحرص المؤسسات الأهلية في المنطقة على وضع مسألة المدرسة في صلب أهداف عملها وتركيز اهتمامها في البحث عن مخارج مجدية بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم للبحث عن موقع مناسب لبناء مدرسة نموذجية يمكن أن تستوعب أفواج البنات الآخذة في الازدياد من قرية باربار والقرى المجاورة، ولتخفيف العبء على أولياء الأمور وتوفير وسيلة ميسرة للأهالي لتعليم بناتهم، وبما يساهم في إنجاز أهداف خطة المملكة للتنمية المجتمعية وتحقيق شعار التعليم للجميع.
التعليم منارة تجهد للصعود إلى قمتها المجتمعات المتحضرة، وقبل أن يوجد التعليم النظامي في بلادنا حرصت قطاعات المجتمع المختلفة على إلحاق أبنائهم وبناتهم بدور التعليم الشعبي التي كانت تعرف بـ «الكتاتيب» أو «بيت المعلم أو المعلمة» وساهمت تلك المواقع التربوية في إرساء بدايات حركة التعليم في البحرين. وباربار إحدى القرى التي اهتمت بالتعليم وحرصت على تعليم أبنائها وبناتها. وعندما بدأت حركة التحولات المدنية تؤكد حضورها في المشاريع التنموية وبدأ نور الكهرباء يضيء غرفنا المظلمة تصاعدت الأصوات المطالبة بإكمال مسيرة التمدن بافتتاح مدرسة في باربار، وكان ذلك في الحفل الذي أقيم في 13 يناير 1963 للاحتفال بافتتاح الكهرباء في القرية. ويقول الباحث الاجتماعي يوسف مكي إن أول من طالب بإنشاء مدرسة في باربار في أوائل الستينيات بعد افتتاح الكهرباء هو الشاعر الشعبي المرحوم عبد الله البرباري الذي عبّر عن حلمه ببناء مدرسة في القرية، وذلك في القصيدة التي ألقاها بحضور المرحوم بإذن الله الأمير الراحل الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة، وقال (يازينة البحرين يا عز البلاد، والشيخ عيسى يالذي أمره سداد، ما قصرت الشيوخ مشت كهربا، والمدرسة نحتاح ليها في البلاد). وهي دعوة من رجل أمي لكنه متنوّر وواعٍ بقيمة التعليم والنور في هذا الزمان».
عضو المجلس البلدي للمنطقة الشمالية وممثل الدائرة الأولى علي عبدالله الشويخ دعا إلى إحياء مشروع مدرسة باربار الابتدائية للبنات، وأشار في تصريحه المنشور بإحدى الصحف المحلية بتاريخ 13 فبراير 2015 إلى أنه «من خلال لقاءاته مع الأهالي فإنهم يلحون عليه لطرح مشكلة المدرسة على الجهات المسئولة، وعقد لقاء مع وزارة التربية والتعليم لبحث مخرج عملي يحرك الجهود لإنجاز أهداف التوجه الذي تبنته القيادة السياسية في اعتماد ميزانية لإيجاد قطعة أرض واستملاكها لبناء مدرسة حديثة».
ليس هناك خلاف على أن التعليم مقوم استراتيجي للتنمية، وأن الأمة التي لا تتسلح بالعلم لا يمكنها أن تنمو، ويشير تقرير التنمية البشرية للعام 2013 إلى أنه «يرتبط التحسّن في قيمة دليل التنمية البشرية بنمو الإنفاق على التعليم. ففي المتوسط، شهدت البلدان التي يرتفع لديها الإنفاق الحكومي على الصحة والتعليم مستويات تقدّم مرتفع في التنمية البشرية». كما يشير إلى أن «مدى الالتزام بتعميم التعليم، وخصوصاً تعليم الفتيات، هو اختبار فعلي لالتزام أي حكومة بتكافؤ الفرص. فالبلدان التي بلغت مستوى مرتفعاً في النمو، واستمرت عليه لأجل طويل، هي البلدان التي بذلت جهوداً كبيرة في تعليم المواطنين وبناء رأس المال البشري». وذلك ما جرى الأخذ به في عين الاعتبار والتأكيد عليه في ميثاق العمل الوطني والدستور.
إن النقاش الذي دار بشأن المدرسة الابتدائية للبنات في باربار وشارك فيه المتعلم والأمي على السواء، استمعنا في إطاره إلى رؤى جعلتنا نتمعن في بعد معانيها، وتتمثل تلك الرؤى في ما طرحه أحد البسطاء حين قال: «التنمية في البلد ليست مسئولية الحكومة وحدها ويعتبر ذلك مسئولية أثرياء البلد أيضاً الذين استفادوا من خدمات الدولة في بناء ثروتهم. وأن الوقت حان لتأكيد مسئوليتهم في المساهمة في خطة التنمية والتضحية في تقديم خدماتها في دعم جهود توفير أرض لبناء المدرسة، وباربار محاطة بحزام من الأراضي غير المنتفع بها».
ما جرى طرحه مسألة في غاية الأهمية، وجعلتنا نقف صامتين، وذلك مطلب للمجتمع في باربار نحيله إلى من يهمه الأمر.
إقرأ أيضا لـ "شبر إبراهيم الوداعي"العدد 4556 - الخميس 26 فبراير 2015م الموافق 07 جمادى الأولى 1436هـ