العدد 4555 - الأربعاء 25 فبراير 2015م الموافق 06 جمادى الأولى 1436هـ

الطفل “إيشان” و الدسلكسيا

10% من سكان العالم مصابون به

«إيشان» طفل هندي يبلغ من العمر 8 أعوام، لقبه معلموه بـ «ملك الأغبياء» لما لمسوه منه من غباء كما يصفون، فهو يعجز عن التفريق بين الحروف والكلمات، ويعجز كذلك عن فهم النص المكتوب والتهجئة وصعوبة التمييز بين اليمين واليسار، كما أنه يكتب الكلمات والأعداد بطريقة معكوسة. وهو ما عزا بوالده إلى إرسالة لمدرسة داخلية بعيداً عن أسرته وعالمه الصغير وغرفته الخاصة المفعمة بالطفولة والإبداعات الجميلة. وهو ما جعل “إيشان” يشعر باليأس والإحباط من ذلك الوضع.

حالة «إيشان» يشخصها الأطباء بالدسلكسيا (عسر القراءة) وهي اختلاف في تركيبة المخ في الجزء المتعلق بتحليل اللغة، وتأثيرها السلبي على المهارات المطلوبة في القراءة والكتابة وعلى التحصيل الدراسي وامتداد أثرها إلى النواحي النفسية والمهنية وأنشطة الحياة اليومية. ولكن لم يكن أب ولا أم «إيشان» يدركان من مشكلته شيئاً.

هو ليس الوحيد المصاب بهذه الحالة، فالدسلكسيا يصيب ما بين 4 و10% من تعداد السكان، 5% إلى 17% من سكان الولايات المتحدة مصابون به، 6% في الكويت و16% في المملكة العربية السعودية.

وعادة ما يكتشف الحالة عندما يبدأ الطفل الذهاب للمدرسة، فمن الصعب الحصول على تشخيص بوجود عُسر القراءة قبل ذلك، ولكن العديد من الأفراد المصابين لديهم تاريخ من الصعوبات التي بدأت قبل الروضة.

يعكس الحروف وينسى الأسماء

وإذا رجعنا إلى قصة الطفل الهندي يمكننا من خلالها أن نتعرف على أعراض تلك الحالة، مع التأكيد على أن هذه الأعراض تختلف من شخص إلى آخر، بمعنى أن الأعراض لا تتشابه في فردين. وعادة ما يعاني المصاب من صعوبة في القراءة واللغة اللفظية، في الكتابة واللغة المكتوبة، في الرياضيات، وصعوبات أخرى.

صعوبات في القراءة واللغة اللفظية تتلخص في صعوبة تعلُّم الأبجدية أو الأغاني البسيطة، تسمية الأشياء، تتبع الاتجاهات، واكتساب المفردات، واستخدام القواعد اللغوية الملائمة لمرحلته العمرية. كما أنه يعاني من صعوبة تذكر أسماء وأشكال وأصوات الحروف. ويقلب ترتيب الحروف عند القراءة.

أما صعوبات في الكتابة واللغة المكتوبة، فنوجزها في صعوبة كتابة الأفكار على ورق (ضعف التعبير الكتابي) وكثرة الأخطاء الإملائية. وتتسم كتاباته بالفوضى والأخطاء والمسح المتكرر. إلى جانب ضعف المهارات الحركية الدقيقة، كاستعمال المقص، أو الإمساك بالقلم.

و«إيشان» كان يعاني كذلك من صعوبة في الرياضيات، كصعوبة في العد بشكل متتالٍ وصحيح، تفسير المرادفات والمفاهيم والرموز الرياضية، وربما كانت تواجهه مشكلات في الحساب العقلي.

كما كان يلاحظ عليه الشعور بالضغط عند تلقي الكثير من المعلومات، فقدان أو ضياع الأشياء، أو نسيان الواجبات، صعوبة في التسمية التلقائية السريعة للأشياء. مشكلات في الذاكرة قصيرة الأمد، كتذكر الأسماء والأماكن والتواريخ، التشتت، التهور، عدم الانتباه، وفرط النشاط. صعوبة في تخطيط وتنسيق حركات الجسد. ولك أن تتخيل كيف لطفل صغير أن يحوي كل تلك الصعوبات بصمت، من دون أن يكون بجانبه شخص يتفهم وضعه.

المصابون بالدسلكسيا أذكياء... وعلاجهم متاح

ومن حسن حظ «إيشان» أن معلماً للرسم في مدرسته هو من اكتشف حالته، وحاول أن يثبت للجميع بأن إيشان ليس طفلاً غبياً ولا مستهتراً، وإنما هو يعاني من مشكلة فشل الآخرون في رؤيتها واكتشافها، وذلك عائد إلى أن المعلم نفسه كان يعاني من تلك الصعوبات في صغره.

لقد دعم المعلم موهبة «إيشان» الفطرية في الرسم، ما انعكس على مستواه العام، حيث يمكن علاج عسر القراءة وتخفيف آثارها بنسبة كبيرة من خلال العلاج في سن مبكرة، والمتمثل في معرفة نقاط القوة والضعف والاعتماد على نقاط القوة في رفع وتقوية نقاط الضعف وتطبيق الوسائل التعليمية الملائمة.

فالعلاج المقدم لهذه الفئة هو علاج تعليمي يعتمد على الحواس في ترسيخ المعلومات، فالمصابون بالدسلكسيا تكون نسبة ذكائهم بالمتوسط أو الأعلى من المتوسط، أي أنهم أذكياء ولكنهم في الجانب التعليمي متدنين.

فنصيحتنا لأولياء الأمور الذين لديهم أبناء مصابون بعسر القراءة أن يتم تشخيص حالتهم جيداً منذ سن مبكرة، والعمل على علاجهم بالطرق الممكنة مع توفير الرعاية الملائمة لهم من دون زيادة مخلة أو إهمال مقصر.

وهنالك بعض الأفكار التي تسهل مهمة أولياء الأمور تجاه أبنائهم المصابين بالدسلكسيا، وهي:

المتابعة اليومية الحثيثة لدروسهم، والواجبات المطلوبة منهم.

تشجيعهم على ممارسة الهوايات التي يحبونها.

استخدام الأناشيد والأهازيج في تدريس الحروف والأرقام، ما يساعد على التذكر والفهم.

الإكثار من استخدام الوسائل التعليمية.

مراعاة فترات الراحة بين كل فترة دراسية وأخرى.

استخدام الكتب المسجلة، أو تسجيل محتوى الكتاب أو المادة العلمية لهم.

الاحتفاظ ببعض أرقام هواتف زملائهم للتأكد من الواجبات والمهمات اليومية.

إخطار المعلمين والإدارة المدرسية بحالتهم، والتأكد من تلقيهم نوع التعليم الملائم.

التحدث إلى أولياء الأمور ممن يعاني أطفالهم من مشكلات (ابنك ـ ابنتك) نفسها للاستفادة من تجاربهم وخبراتهم.

حضور المحاضرات، وقراءة مصادر المعلومات، كالكتب، والإنترنت، وغيرها.

القراءة قبل النوم، كسرد قصة، يساعد كثيراً في زيادة الارتباط بالطفل ووالديه، كما أنها وسيلة تعليمية مهمة لاكتساب السرد والتعبير اللفظي وتسلسل الأحداث.

وفي هذه النقطة الأخيرة (سرد قصة)، نحن ننصحك بقصة إيشان الوهمية، التي تداولتها السينما الهندية العام 2007، تحت فيلم اسمه «Taare Zameen Par» ويعني «نجوم على الأرض»، الفيلم من بطولة أمير خان وإخراجه وإنتاجه، وقصة إيمولي جوبتي، حيث شاركته زوجته ديبا باهتيا كتابته، شارك أمير خان بطولة الفيلم طفل صغير أعده البطل الحقيقي للفيلم، وهو دارشيل سافاري في دور إيشان.

وعلينا أن نتذكر نماذج من الشخصيات العالمية التي عانت صعوبة التعلم في صغرها، لكنها لم تستسلم أو تصاب باليأس، أمثال: توماس أديسون، إينيشتاين، والت ديزني، إبيشان، أجاثا كريستي، وليوناردو دافنشي... وجميعهم تغلبوا على تلك الصعوبات فأبدعوا للعالم وقدموا للبشرية مخترعاتهم واكتشافاتهم وإبداعاتهم في شتى المجالات الإنسانية، وأثبتوا أن معدل ذكائهم مكّنهم من التفوق والإبداع.

العدد 4555 - الأربعاء 25 فبراير 2015م الموافق 06 جمادى الأولى 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً