خلال الحفل الافتتاحي لمهرجان الأفلام السعودية الثاني قبل أيام، لفت انتباهي الحضور الكبير والمتميز والمنسجم من مختلف مناطق المملكة، لإحياء هذا البرنامج الفني الجميل بروح غاية في الفعالية والمحبة.
تنمو الذائقة الفنية والجمالية لدى الإنسان من خلال التعود المستمر على التمتع بمختلف أشكال الفنون والجمال الطبيعية أو غيرها، والإنسان يشكل هذه الفنون بصورة طبيعية من البيئة والتراث والمحيط الذي يعيش فيه، ويبدع في ذلك كثيراً.
وتطورت هذه الفنون لتشمل مختلف الأنواع كالموسيقى والأهازيج الشعبية والمواويل والرسوم والنحت وغيرها، وكل نوع من هذه الأنواع له مجاله الإبداعي وله تأثيره الجمالي على النفس البشرية وأحاسيسها.
في العقود الأخيرة خبت مختلف هذه الفنون في مجتمعاتنا بعد أن كانت مزدهرة، لأسباب التديّن من جهة ولأسباب الانشغال بالتحولات السياسية التي أصبحت همّ الناس، وبسبب ذلك تحوّلت الفنون إلى أنشطة ثانوية ليست ذات قيمة أو أهمية بشكل عام.
أثرت هذه الحالة في زيادة التوتر النفسي والاجتماعي لدى عموم الأفراد، وفي غياب الرصيد من الموروث الفني للمجتمع، وكذلك في عدم بروز أية إبداعات جديدة ذات أهمية، مما يعني التغني بالماضي وما فيه. وانحسرت هذه الفنون من برامج التعليم الأساسية التي كان لها نصيب من الاهتمام سابقاً.
كما أثرت أيضاً في ضعف وانحسار الذائقة الفنية والجمالية لدى كثيرين، بحيث لم يعودوا مستمتعين بجمال الطبيعة أو بالجداريات والمعارض الفنية، أو بفنون الموسيقى والتصوير وغيرها. ولعل هذا هو أحد أسباب عدم الاعتناء بنظافة وجمال الأماكن العامة كالمساحات الخضراء والحدائق والمتنزهات أيضاً.
ألحظ في الفترة الأخيرة بداية توجّه لمعالجة فقدان الذائقة الجمالية والفنية من خلال إقامة عديد من الأمسيات الفنية والشعرية الموسيقية، ومهرجانات للأفلام، وكثرة المعارض الفنية الإبداعية في عديد من المناطق، وكذلك المبادرات الفنية التي تعنى بإبراز الشكل الجمالي في المدن.
قد يكون الأفراد المنشغلون بهذه الأنواع من الفنون هم أقل عرضةً للتأثر باتجاهات التشدّد والتطرف – وهو أمر بحاجة إلى دراسة – ويمكن أن يكون ذلك أحد أساليب المعالجة، كما هو مستخدم في عديد من العلاجات النفسية كالاكتئاب والعدوانية وغيره.
إن إعادة إحياء الفنون وتنشيطها مسئولية اجتماعية ورسمية مشتركة وكبيرة، ومن الواجب أن تنال اهتماماً كبيراً، وأن يتم دعم مختلف المبادرات الفنية والجمالية وإفساح المجال أمامها، كي تأخذ مكانها الطبيعي في حياة المجتمع.
ومن الواضح أن مجتمعنا في المملكة مليء بالكفاءات والطاقات التي أثبتت ولاتزال أنها مؤهلة، كي تتبوأ مواقع متقدمة في مختلف الفنون، ولكنها بحاجة إلى من يُهيّأ لها فرص العمل ومجالات الحركة، بدلاً من أن تقدم إبداعاتها الجمالية والفنية خارج الوطن.
كما أننا كأفراد في هذا المجتمع بحاجة أيضاً إلى تعميق الذائقة الجمالية وخصوصاً لدى النشء في المراحل التربوية الأولى من حياته، حيث يتعود على التربية على الفن والجمال وحبّ الطبيعة وكل ما يمت للإنسانية بأبعادها المختلفة.
إقرأ أيضا لـ "جعفر الشايب"العدد 4555 - الأربعاء 25 فبراير 2015م الموافق 06 جمادى الأولى 1436هـ