«العلاقات الفرنسية –الإيرانية أشبه بعملية شد حبال مستمرة... وهي تشهد منذ فترة حالة استرخاء غير معلنة».
هكذا وصف مصدر مطلع في باريس واقع العلاقات بين العاصمتين الفرنسية والإيرانية من خلال تواصله مع الجانبين ومتابعته عن قرب الاتصالات بينهما. وفقا لصحيفة اللواء اللبنانية اليوم الثلثاء (24 فبراير/ شباط 2015).
في هذا الإطار توقف المصدر عند «المحطتين البارزتين» في الجولة الأخيرة لمدير دائرة الشرق الأوسط وأفريقيا الشمالية في وزارة الخارجية الفرنسية جان فرانسوا جيرو وهما طهران والضاحية الجنوبية في بيروت نظرا لأهميتهما على طريق توضيح المواقف وتنقية الأجواء بعد مرحلة التشنج التي عرفتها العلاقات بين الفرقاء الثلاثة.
ورأى المصدر أن اللقاء مع ممثلي «حزب الله» كان لافتا ومكملا لاجتماعات طهران وأعطى قيمة مضافة لها ذلك انه لم يسمح فقط بتظهير الموقف الإيراني بل انه ساعد أيضاً في رسم إطار جديد للحوار الثلاثي الأطراف.
بماذا خرجت به هذه الاجتماعات المعلنة والتي سبقتها ولحقت بها اتصالات بعيدة عن الأضواء؟
- على صعيد العلاقات مع إيران: لم تخف طهران خيباتها المتكررة من المواقف الفرنسية التي وصفتها بـ«المتشددة» أكان خلا ل المفاوضات حول الملف النووي أم «انحيازها» حيال تداعيات الأزمة السورية.
وتأخذ العاصمة الإيرانية على باريس تخليها عن «الاستقلالية» التي ميزت سياستها الخارجية الشرق أوسطية في الماضي والتحاقها بـ«التبعية» للتوجهات الأميركية بل ذهابها أحياناً أبعد من مواقف واشنطن والمزايدة عليها
وما يثير إيران هو «مغالاة» فرنسا في مواقفها حيال الملفين النووي والسوري في وقت تبدي واشنطن والعواصم الأوروبية الأخرى بعض المرونة والانفتاح.
ويدرك الجانب الإيراني أن الجانب الفرنسي يرغب من جهة مسايرة التوجه الإسرائيلي ومن جهة ثانية مراعاة قطر سابقا والسعودية لاحقا نتيجة حجم مصالح باريس المالية والاقتصادية معها.
وقد أبلغت طهران باريس، حسب المصدر، انه في حال تشبثها بهذه المواقف المتصلبة فان ذلك من شأنه أن يفقدها مكانتها المتقدمة في علاقتها الثنائية ويضيع عليها فرصة تفعيل المبادلات الاقتصادية والتجارية لمصلحة شركائها الأوروبيين الذي يبدون حماسة في استئناف التعاون مع إيران، ويتهيأون لاغتنام الفرصة الأولى بعد رفع العقوبات عنها.
أما على الصعيد الإقليمي فكانت إيران تتمنى أن تبقى فرنسا على مسافة واحدة من جميع الفرقاء بغية تمكنها من لعب دور «الوسيط المقبول والفاعل» على غرار ما قامت به من مساع للتوصل إلى «تفاهم أبريل/ نيسان» عام 1996.
ويبدو أن الجانب الفرنسي الآخذ في الاعتبار المستجدات الأمنية والسياسية في المنطقة بدأ، وبشكل هادئ وغير علني اعتماد سياسة أكثر ليونة ومرونة. وهذا ما بدأ يظهر من خلال اللغة الدبلوماسية المعتمدة أكان على صعيد رئاسة الجمهورية أم وزارة الخارجية في الخطابات الرسمية حيال إيران، التي لم تعد تظهر «كجزء من مشاكل المنطقة بل كشريك في إيجاد حل لهذه المشاكل». إذ يعول الفرنسيون على دور فاعل لطهران في المساهمة في حل عدد من القضايا الإقليمية الساخنة.
وعلى صعيد العلاقات مع «حزب الله»: بادر ممثلو «حزب الله» بتسجيل «العتب الشديد» وبمرارة على السياسة الفرنسية «غير المتوازنة» وكان آخرها ما وصف بـ«الموقف العدائي» ضد المقاومة خلال المداولات التي رافقت انعقاد مجلس الأمن بعد العملية العسكرية التي قامت بها المقاومة ضد الجيش الإسرائيلي في مزارع شبعا.
وقد رد الجانب الفرنسي أن مواقفه حيال لبنان تنطلق من حرصه على ضرورة احترام سيادة لبنان من خلال الالتزام المستمر بتطبيق القرار 1701 وتجنب استئناف العمليات العدائية من هنا دعوته الجميع الى ضبط النفس والتحلي بروح المسؤولية، إضافة إلى قلق باريس على استقرار لبنان والحؤول دون أي عمل من شأنه تعريض أمنه ووحدته لأي اهتزاز.
أما بالنسبة لموضوع انتخابات الرئاسة اللبنانية فقد نقل المصدر القراءة التي قدمها ممثلو «حزب الله» إلى الجانب الفرنسي حول الموقف الإيراني من هذا الاستحقاق، وقد اختصروها بأحد الأمثال: «ما تقول فول قبل ما يصير بالمكيول» ومشيرين إلى أن طهران تضيف إليها «... وتأكل ما في المكيول». بمعنى أن المفاوض الإيراني، ونظرا لطبعه المطبوع بالشك والحذر (حيال المواقف الغربية)، لن يقدم على أي مبادرة سياسية على صعيد المواضيع الإقليمية المطروحة ليس فقط قبل التوقيع الرسمي على الاتفاق حول الملف النووي بل انه يرغب التأكد من مباشرة تنفيذ بنوده بشكل عملي وفعلي قبل الانصراف إلى البحث في القضايا الأخرى ومن بينها انتخابات الرئاسة اللبنانية، من هنا فإن الجمود هو ميزة المرحلة الحالية.
أما الجانب الفرنسي فقد ألمح من جهته إلى استعداده للتجاوب مع دعوة كل من إيران و«حزب الله» لاعتماد بعض المرونة الدبلوماسية حيال المواضيع الشائكة من بينها الملف النووي الإيراني والاستعداد أيضا لإبداء «بعض التفهم» لظروف تدخل «حزب الله» في سورية. وألمح المصدر إلى أن فرنسا ترغب في أن يأتي هذا التطور، أكان في التوجه الجديد في علاقاتها مع إيران أم في تصورها لوجود الحزب في سورية. «بشكل تدريجي وبعيدا عن الأضواء». كما أشارت باريس إلى رغبتها في إبقاء قنوات الاتصالات مفتوحة مع كل من طهران وقيادة المقاومة نظرا للحاجة إليها في ظل تعاظم خطر الإرهاب والهواجس الأمنية الطاغية.
وكشف المصدر ان «حزب الله»، وفي بادرة حسن نية، أبلغ الجانب الفرنسي استعداده للتعاون معه امنيا من خلال المساعدة في تبادل المعلومات حول الأخطار الإرهابية نظراً لانعدام الاتصال بين الأجهزة الأمنية الفرنسية والأجهزة السورية التي سبق أن أدت في الماضي خدمات كبيرة لباريس من خلال تزويدها بمعلومات حول شبكات الإرهاب وامتداداتها الفرنسية والأوروبية.
وفي سياق عملية ترطيب الأجواء لوحظ أن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في خطابه الأخير الأسبوع الماضي وفي معرض حديثه عن الأيادي الخارجية التي تقف وراء «داعش» ذكر المخابرات الإسرائيلية والأميركية والبريطانية ولم يأت على ذكر فرنسا ولا أجهزتها لا من قريب ولا من بعيد.
وفي ختام قراءته لواقع العلاقات المستجدة بين كل من فرنسا من جهة وإيران و«حزب الله» من جهة ثانية، تساءل المصدر: هل الدعوة التي وجهها وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف قبل أربعة عشر شهرا إلى فرنسا لاعتماد «الواقعية و المرونة «في سياستها الخارجية بدأت تلقى تجاوبا وان بشكل خجول؟ ومضيفاً: هل يلزم باريس أربعة عشر شهراً جديداً لتصبح العلاقات مع طهران «على أفضل حال» كما أمل ظريف في المناسبة نفسها وبالتالي يشكل هذا التطور مدخلا لمقاربة فرنسية جديدة في علاقاتها مع إيران وفي سياستها الشرق أوسطية ؟.