على الرغم من مرور قرابة ستة أشهر على بدء الغارات الجوية التي يشنها التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة وبمشاركة دول عربية على مواقع «داعش» في سورية والعراق، إلا أنه لا تلوح في الأفق، حتى اللحظة، أية بارقة أمل لانتهاء هذه الغارات العبثية بالنصر المظفر لسحق «داعش» سحقاً نهائياً، والأهم للقضاء على كل أشكال وبؤر نفوذه ونفوذ «القاعدة» والتنظيمات الأخرى في بلدان عديدة من المنطقة التي خرجت من تحت عباءتها.
وعلى العكس من ذلك، مازال تنظيم «داعش» ليس قادراً فقط على جذب المزيد من الشباب العربي والمسلم من مناطق عديدة من العالم إلى شهوة ترياق فكره الإرهابي المدمّر، وإيقاع المزيد من المجاميع الشبابية في حبائله، بل وقادراً على إثارة فزع العالم أجمع في قدرته على تنويع طرق إعدام فرائسه من النحر الموثق في ڤيديوهات مصورة إلى الإعدام حرقاً، كجريمة حرق الطيار الأردني الأسير معاذ الكساسبة، إلى عمليته الأخيرة حتى كتابة هذه السطور والمتمثلة في نحر ٢١ عاملاً قبطياً مصرياً في ليبيا، وقبلها إعدام أفراد أسرة مصرية مسيحية كاملة اختطفها من منزلها.
وليس القضاء على دولة «داعش» ضرباً من المستحيل لو أن الأطراف التي ساهمت في صنع «داعش» بالمال والسلاح والتدريب والمرجعية الدينية التكفيرية التي تغذت منها، تمتلك الإرادة الجادة لدحر «داعش»، عبر توفير الوسائل والأدوات اللازمة لتحقيق هذا الدحر، علماً بأن الجميع يعلم جيداً الأطراف التي ساهمت في خلق «داعش» فكراً وتمويلاً وتدريباً وعبوراً من تركيا والعراق ولبنان إلى سورية، منذ بدايات عسكرة الانتفاضة السورية ضد نظام بشّار الأسد في نهايات ربيع العام ٢.١١. وهي الأطراف الرئيسية في ذات التحالف الدولي لشن الحرب الجوية على مواقع دولة «داعش».
ولعل ثمة تساؤلاً يثير الدهشة والحيرة معاً في أذهان الناس والمحللين السياسيين سواء في الغرب أم الشرق، وهو كيف للولايات المتحدة وهي أعظم دولة عسكرية في العالم تتمكن في 1991 من قيادة تحالف دولي قوامه أكثر من 30 دولة، من سحق واحد من أقوى الجيوش العربية (الجيش العراقي) أثناء احتلاله الكويت خلال شهر فقط، ثم تتمكن بعد عشر سنوات واعتماداً على قدراتها العسكرية فقط من إسقاط النظام نفسه واحتلال أراضي بلاده، بل وتدمير كيان وبُنية الدولة العراقية برمتها، بأجهزتها العسكرية والأمنية والمخابراتية والإدارية والمدنية، ولا تستطيع سحق دولة عصابة مسلحة يقل تعداد قوامها العسكري عن 30 ألف مسلح يحمون دولتها الدنكيشوتية على بقعة كبيرة من الأراضي في العراق وسورية، رغم مرور نصف عام على انطلاقة الغارات الجوية لهذا التحالف الدولي؟
في واقع الحال ليس الأمر أشبه بالطلسم السياسي لندرك سر تمكن «داعش» من البقاء وعجز واشنطن وحلفائها في المنطقة، من تحقيق نصر سريع، ففي كلا الانتصارين السريعين اللذين حققتهما الولايات المتحدة، مرة لطرد الجيش العراقي من الكويت ومرة باحتلال العراق وإسقاط صدام، إنما تم بمشاركة قواتها البرية، لكن واشنطن ليست مستعدة لمواجهة الدولة الاسلامية (داعش) برياً على الأرض في سورية والعراق، ليس فقط لأن ثمة انقساماً حول هذه المسألة في العراق، أو لأنها لا تريد نشر قواتها على الأراضي السورية، بل وببساطة لأنها تتجنب أصلاً عواقب هذه مثل هذه الحرب الأكثر كلفةً بشرياً مقارنة بالحرب الجوية وما يستتبعه ذلك من ارتدادات داخلية حول خسائرها البشرية وعودة الكثير من جنودها في توابيت كما حصل إبان احتلال العراق، ناهيك عن أن كُلفة الحرب البرية مالياً، وحسب تقرير مركز التقييمات الاستراتيجية والميزانية «لا تقل عن 1,8 مليار دولار في الشهر، وما لا يقل عن 22 مليار دولار في السنة».
بيد إن الولايات المتحدة في واقع الحال لا تريد أن تواجه الحقيقة، باستعدادها لخوض مثل هذه الحرب البرية باعتبارها هي وحدها التي تختصر وتحسم الحرب سريعاً ضد «داعش»، ومثل هذه الإرادة أيضاً تغيب أيضاً عن حليفاتها الخليجيات، وكلٌّ له حساباته الخاصة، فعلاوةً على الحسابات الأميركية المتقدم ذكرها، فإن واشنطن وحليفاتها لا يريدون أن يستفيد النظام السوري من الانتصار على «داعش» والجماعات الإرهابية الأخرى بتعزيز بقائه. ومن المفارقات التاريخية أن هذه الأطراف نفسها هي التي سلّحت هذه الجماعات الإرهابية وموّلتها لمقاتلة النظام السوري وجيشه، تحت وهم إمكانية إسقاطه سريعاً، متشجعةً ومأخوذةً بما حصل من سقوط سريع للنظام التونسي فالنظام المصري في بدايات ما عُرف بالربيع العربي العام ٢.١١، وغير مبالية بعقيدة هذه الجماعات الإرهابية أو بأجندتها السياسية إذا ما حلّت محل النظام المراد إسقاطه، مكرّرةً ذات أخطائها القاتلة في ثمانينيات القرن الماضي عندما موّلت وسلّحت هي وحليفاتها الخليجيات المجاهدين العرب والأفغان بغية إسقاط النظام اليساري الموالي للاتحاد السوفياتي، وطرد قواته من أفغانستان غير مبالية بعقيدة المجاهدين الأفغان والعرب بعد إسقاط النظام وأجندتهم السياسية. وكما نعلم، من هؤلاء «المجاهدين» تم تكوين تنظيم «القاعدة» بقيادة المليونير الراحل المسحوب جنسيته السعودية أسامة بن لادن.
من هنا يمكننا فهم حسابات واشنطن بأن الحرب على «داعش» ودولتها قد يستغرق ثلاث سنوات، لأن في الحروب الحديثة لا يمكن تحقيق النصر بدون السلاح البري. والإدارة الأميركية إذ تبشر على لسان منسق التحالف الدولي آلن جون عن قرب شن الحرب البرية في نهاية مارس/ آذار من خلال تدريب مكثف للقوات العراقية وتزويدها بالأسلحة والمعدات، ومن خلال ما بشّرت به قبلاً بدعم المعارضة السورية المسلحة المعتدلة، فإنها لا تغالط نفسها بهذه الفرضيات غير الواقعية، بل تمارس تضليلاً ديماغوجياً سياسياً هي أول من تعلم استحالة تحقيق تلك الفرضيات.
فلا يمكن للقوات العراقية البرية أن تحقق نصراً سريعاً نهائياً ضد «داعش» بأسلحتها الحالية وفي ظل الوضع السياسي الداخلي المأزوم، ناهيك عن الانقسام الطائفي الذي ما فتئت «داعش» تستفيد منه وتجد حاضنة اجتماعية لها من خلاله. وحتى إذا ما تمكنت القوات العراقية من تحقيق مثل هذا النصر فسيبقى نصراً محدوداً من غير أن يوازيه نصر على الأرض السورية التي تحت سيطرة «داعش» نفسها، وهذا النصر بدوره لا يمكن أن يتحقق كما تروج الولايات المتحدة على أيدي تحالف المعارضة السورية عبر إسناد له مهمتان في آن واحد: إسقاط النظام من جهة وإسقاط دولة «داعش» من جهة أخرى. إنما يتحقق فقط من خلال تحالف دولي لا يستبعد سورية تحت مظلة الأمم المتحدة وتشارك فيه قوات برية من كل الأطراف، ونبذ المراهنة على إمكانية سقوطه الوشيك، بل ترك هذه المسألة للشعب السوري ليقرر مصيره بنفسه بعيداً عن أية تدخلات خارجية.
لكن مشكلة الولايات المتحدة التي امتلكت شيئاً من البصيرة أثناء الحرب العالمية الثانية عندما تحالفت مؤقتاً مع عدوها اللدود الاتحاد السوفياتي ضد خطر الغول النازي الذي كان يهدّد أوروبا والعالم بأسره، باتت وبعد خطأها القاتل بدعم تلك الجماعات الإرهابية لإسقاط النظام السوري، باتت تفتقد اليوم الشجاعة الأدبية والسياسية للتراجع عن وهم إمكانية إسقاطه الوشيك، وتصر على المكابرة ودفن رأسها في الرمال بعدم التحالف ولو مرحلياً مع النظام السوري من أجل دحر العدو المشترك الذي بات لا يهددهما وحدهما بل ويهدّد بدرجات متفاوتة، أمن واستقرار المنطقة العربية والشعوب الغربية جمعاء.
العدد 4553 - الإثنين 23 فبراير 2015م الموافق 04 جمادى الأولى 1436هـ
الغز..الدور التركي?
لا يمكن هزيمة داعش والأب الروحي ..تركيا موجود..
داعش و ... و بشار
داعش و ... و بشار كلهم ينتمون للإرهاب