يعود مفهوم تمكين المرأة (Empowerment of Women ) إلى ستينيات القرن الماضي، حيث ارتبط ظهوره ببروز الحركات الاجتماعية المنادية بالحقوق المدنية والاجتماعية للمواطنين، وتم استخدامه منذ ذلك الوقت بمعانٍ متعددة في مجالات الاقتصاد والعمل السياسي والاجتماعي وبرامج التنمية المستدامة وغيرها، ما جعله يشكل محوراً أساسياً في حقوق المرأة التي تضمنتها منظومة الالتزامات الدولية سواءً في الإعلانات أو المؤتمرات أو الاتفاقيات الدولية.
وتبلور مصطلح «تمكين المرأة» من خلال مواثيق منظمة الأمم المتحدة واتفاقياتها ذات الاهتمام بحقوق الإنسان عموماً والمرأة خصوصاً، وذلك منذ تأسيس ميثاق الأمم المتحدة العام 1945 الذي أكد على عدم التفريق بين الناس بسبب الجنس، وأن للرجال والنساء حقوقاً متساوية؛ فضلاً عن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان العام 1948 الذي تناول الحقوق المتساوية للإنسان بغض النظر عن جنسه؛ وكذلك العهدين الدوليين لحقوق الإنسان، الخاص بالحقوق المدنية والسياسية العام 1966، والثاني الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية العام 1966، والذي أبرز المساواة بين الجنسين في كافة الحقوق، إضافةً إلى اتفاقية حقوق المرأة السياسية العام 1953 التي اعتمدت مبدأ المساواة بين الرجال والنساء في الحقوق الواردة في ميثاق الأمم المتحدة، ثم اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة العام 1979، وبما تضمنته بنودها من عدم التمييز في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وغيرها من الاتفاقيات والإعلانات التي لها صدى في أوضاع المرأة وتمكينها.
التمكين نتاج المؤتمرات
تشير دراسة «تمكين المرأة وسبل تدعيم مشاركتها في التنمية بدول مجلس التعاون» لنورية علي حُمّد، (المكتب التنفيذي، المنامة، 2008)، إلى أن أهم المؤتمرات التي تطرقت إلى قضية «تمكين المرأة» وتحقيق المساواة والمشاركة في التنمية تمثلت بـ «المؤتمر الدولي للسكان والتنمية» بالقاهرة العام 1994، إذ نصت مبادئه على تعزيز المساواة والإنصاف بين الجنسين وتمكين المرأة والقضاء على العنف الموجه ضدها بجميع أشكاله، وإن كفالة قدرة المرأة بالسيطرة على حقوقها، يمثل حجر الزاوية في برامج السكان والتنمية». وكذلك مؤتمر «القمة العالمي للتنمية الاجتماعية في كوبنهاجن» العام 1995، والإعلان في برنامجه عن تحقيق المساواة في فرص التعليم والعمل، إضافةً إلى «المؤتمر العالمي الأول للمرأة في المكسيك» العام 1975، و»المؤتمر العالمي الثاني للمرأة في كوبنهاجن» العام 1980، و»المؤتمر العالمي الرابع للمرأة في نيروبي بكينيا» العام 1985.
أضف لما سبق «المؤتمر العالمي الرابع للمرأة في بيجين» العام 1995، الذي شكل فيه شعار تمكين المرأة هدفاً أساسياً، لاسيما وقد حددت في سياقه عناصر التمكين المتمثلة، بتوفير إمكانية الوصول الشاملة إلى الخدمات الصحية، ومنح المرأة إمكانية وصول متساوية إلى الأرض والائتمان والعمل وإتاحة حقوق شخصية وسياسية فعالة وتعليم الفتيات والشابات، باعتبار أن التعليم يشكل المدخل الحيوي لتمكين المرأة.
كما تضمن مؤتمر بيجين جدولاً بالإجراءات والتدابير اللازمة والمساعدة من الحكومات للتغلب على مختلف العقبات التي تعيق تحقيق المساواة بين الجنسين، إلى جانب متابعة الاهتمام بقضية التمكين في «مؤتمر «بيجن+5» العام 2000، و»مؤتمر اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الاسكوا) ببيروت» لمتابعة قرارات بيجين.
هنا تجدر الإشارة إلى أن جميع دول مجلس التعاون وبما فيها اليمن، قد تقدمت بتقاريرها الوطنية لهذا المؤتمر الذي عقد بتسمية «بيجين+10» العام 2004، إضافةً إلى ذلك جاءت الأهداف التنموية للألفية التي شكل ولا يزال «تمكين المرأة» فيها هدفاً ومحوراً مهماً، وتحقيق المساواة في النوع الاجتماعي أمر جوهري في التخفيف من الفقر.
التمكين بصفته هاجساً
ومنه غدا «تمكين المرأة» اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً وثقافياً هاجساً قوياً في أغلب المجتمعات المحلية منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي وحتى الوقت الحالي، وهدفاً مهماً وأساسياً في برامج المؤسسات والهيئات والمنظمات الدولية والعربية والمحلية المتعددة. فبرز اهتمام جامعة الدول العربية وتفاعلها مع قضايا المرأة وتمكينها، وذلك التزاماً منها بتنفيذ الاتفاقيات والمواثيق الدولية، فأنشأت لجنة استشارية للمرأة، واستحدثت إدارات ووحدات مستقلة تعنى بشئون المرأة والأسرة بالأمانة العامة للجامعة، ثم تشكّلت «منظمة المرأة العربية» منذ العام 2003، والتي عنت بالنهوض بأوضاع المرأة العربية، وأعدت التقارير والدراسات عبر المتابعة والتقويم بهدف تمكين المرأة العربية وتعزيز قدراتها في كافة الميادين، والتوعية بأن تكون شريكاً على قدم المساواة في عملية التنمية، وتركيز جهود التنسيق والتعاون بين الدول العربية من أجل إنجاز غايات التمكين.
في هذا الصدد تشير دراسة نورية حُمّد إلى ما شهدته قضايا المرأة العربية وحقوقها من تطور برز في بناء الهياكل الوطنية والآليات المعنية بتقدمها وتمكينها كالمجالس العليا لشئون المرأة والأسرة، واللجان الوطنية للمرأة. كما اتجهت بعض الدول نحو تطوير إدارات المرأة وقطاعاتها بوزارات الشئون والتنمية الاجتماعية، وتشجيع المنظمات الأهلية النسائية واتحاداتها للاهتمام بمسألة التمكين. إلى جانب التطور التشريعي الخاص بمشاركة المرأة في الحياة السياسية والاقتصادية من خلال تعديل التشريعات والقوانين أو استحداثها ووضع الخطط الإنمائية والاستراتيجيات الوطنية المتنوعة.
والتمكين في هذه الحالة يأخذ أبعاداً اجتماعية واقتصادية وسياسية وثقافية، وله مقاييس تنطوي على مشاركات واسعة للمرأة في المجتمعات عموماً، وبالطبع فإن هذه الأبعاد غير متكافئة في مجتمعاتنا بسبب ما تواجهه من تحديات ومعوقات لها علاقة بالمحددات الاجتماعية والثقافية والموروثات، ما يعني الحاجة إلى أهمية بذل جهود مضاعفة وتطوير مستمر في مبادرات التنمية بكل أنماطها التي تشكّل عملية تمكين المرأة، وذلك على الرغم مما تحقق من جهود في مجال دعم وتعزيز أوضاع المرأة في التعليم والعمل والمشاركة السياسية، ما جعلها –أي المرأة- موضوعاً مهماً وحاضراً في السياسات والاستراتيجيات الوطنية.
مفهوم التمكين EMPOWERMENT
ثمة تعريفات يمكن استخلاصها من الأدبيات التي تناولت «التمكين»، فحسب البنك الدولي هو «توسيع قدرات الأفراد وإمكاناتهم في المشاركة والتأثير والتحكم والتعامل مع المؤسسات التي تتحكم في حياتهم، إضافةً إلى امتلاك إمكانية محاسبة هذه المؤسسات»، كما إنه «عملية تتضمن توفير الوسائل الثقافية والتعليمية الهادفة كي يتمكن الأفراد من المشاركة في اتخاذ القرارات والتحكم في الموارد التي تحت أيديهم، وهو عملية محورية مهمة في أبعاد النوع الاجتماعي». (انظر «الدليل التدريبي لقضايا النوع الاجتماعي»، إصدار اتحاد نساء اليمن، 2005».
أما من جانبها، فقد عرفته «الأسكوا» بـ «العملية التي تصبح المرأة من خلالها فردياً وجماعياً، واعيةً بالطريقة التي تؤثر فيها علاقات القوة في حياتها، فتكتسب الثقة بالنفس وقوة التصدي للتمييز وعدم المساواة بينها وبين الرجل». وبالتالي فإن مقاربة مفهوم التمكين من الناحية العملية، تعنى ما تعنيه من مشاركة الرجال والنساء في عملية التنمية المستدامة، لاسيما وإن مفهوم التنمية لا ينحصر في الرعاية الاجتماعية للنساء فقط، وإنما تستهدف التنمية الاجتماعية تأهيل النساء لامتلاك عناصر القوة الاقتصادية التي تؤهلهن للاعتماد على الذات في تحسين أوضاعهن المعيشية والمادية، ومشاركتهن في اتخاذ القرارات التي تمس جميع جوانب حياﺗهن.
ماذا يعني ذلك؟
يعني بالمختصر المفيد، أن التمكين يعد مدخلاً مهماً يثبت أن المرأة عضو فاعل في المجتمع، وشريك للرجل في عملية التنمية الاجتماعية والاقتصادية، وهذا حتماً يستوجب توافر القدرات والمهارات الدافعة لعملية التغيير في بنية المجتمع. والأهم من هذا وذاك تتطلب وعياً نوعياً للمرأة ومشاركتها في أنشطة المجتمع بهدف تضييق الفجوة النوعية.
العدد 4552 - الأحد 22 فبراير 2015م الموافق 03 جمادى الأولى 1436هـ