رأى الرئيس اللبناني السابق، ميشال سليمان، أن المركزية في الحكم «ترهق» الحكومات والقادة، وتبعدهم عن الشعب، وبالتالي يتم رسم سياسات لا تلبي احتياجات ورغبات الشعب، مشدداً على ضرورة هدم ما وصفها بـ «الأبراج العاجية» التي تحيط بالمسئولين، وخلق الثقة بينهم وبين الجمهور.
جاء ذلك في خطاب ألقاه سليمان في افتتاح الدورة الرابعة للمنتدى الدولي للاتصال الحكومي.
سليمان تحدث في خطابه عن «أهمية التواصل بين الحكومة والشعب»، مشيراً إلى أن «تطور المجتمع الناتج من التقدم العلمي، وبخاصة في مجالي تكنولوجيا المعلومات وتقنيات الاتصال، أثر بشكل فعال على أسلوب حياة الأفراد وذهنياتهم وتصنيف القيم لديهم.
فالمجتمع المعاصر هو مجتمع استهلاكي معولم، تطورت فيه روح الانتقاد، وتنامت كذلك الحاجة إلى فهم الأمور والمعضلات».
وأوضح أن «نزعة الانتقاد هذه، غالباً ما تنقلب إلى روح عدائية تجاه الحكومات والقادة. وفيما أصبح التسلط مرفوضاً، فالتهاون وقلة الاكتراث والديماغوجية، باتت مرفوضة بشكل أكبر». وأشار إلى أن «تنامي نزعة الإرهاب والتطرف وإلغاءالآخر وقتله، التي قوبلت بالانعزال والتقوقع ورفض الآخر، ما هو إلا انعكاس سيء لهذا الدفق من الأنباء والمعلومات والإعلام». وقال: «هذا التحول في السلوك العام، فرض تغيراً في طبيعة العلاقات بين الشريكين، الحكومة والجمهور، ورسم أسلوباً مميزاً في ممارسة الحكم، يعتمد بشكل أساسي على الاتصال بين الشريكين».
وفيما يتعلق بـ «أسلوب الحكم (القيادة) المعاصر»، فاعتبر سليمان أن «تحقيق الاتصال الناجح والمفيد بين الحكومة والشعب، لا يجد سبيلاً إلا عبر ممارسة مميزة عصرية تعتمد على اللامركزية، المشاركة والاتصال».
وأردف قائلاً: «إن المركزية في الحكم ترهق الحكومات والقيادات، وتبعدهم عن الواقع الذي يعيشه الشعب، وبالتالي عن تكوين رؤية شاملة للأهداف. فيما تتيح اللامركزية، الاتصال اللصيق بالشعب وحاجاته وآرائه. واللامركزية في هذا المعنى، تخفف الأعباء عن الحكومة المركزية، وعبر إدامة الاتصال مع القاعدة، تحقق الليونة وتعمل على ربح الوقت وزيادة التحفيز، وتأتي قراراتها أكثر ملاءمة للأوضاع المتغيرة، ولكن يقتضي الاحتفاظ بوسائل الاسترجاع، لمعرفة الأحداث التي تجري والمستجدات، والقدر المناسب من الصلاحيات، لتمكين الحكومة المركزية من القيام بواجب تنفيذ متطلبات العقد الاجتماعي، عندما يتجاوز الوضع قدرة الحكومات اللامركزية».
وأضاف «هذه اللامركزية تتطلب أيضاً إشراك المختصين والمسئولين والهيئات الشعبية في صنع القرارات».
وفيما يتعلق بـ «الاتصال»، أوضح الرئيس اللبناني السابق أن «الحياة البشرية تقوم على الاتصال، أي العلاقات الإنسانية، بما في ذلك العلاقات العاطفية والدينية والعسكرية والسياسية، كذلك التجارية والمهنية والعائلية والاجتماعية، فإذا كان على الحكومة من جهة إقناع الجمهور بأهدافها، فعلى الجمهور من جهة ثانية، دفع الحكومة إلى تبني هواجسه وتطلعاته، وتلبية حاجاته المتزايدة»، مؤكدا أنه «لا سبيل إلى ذلك إلا في الاتصال».
وأضاف «يشكل انعدام تقنية الاتصال، وتهرب الحكام والقادة والحكومات من الدخول في الاتصال مع الجمهور والفئات العاملة، ابتعاداً ذهنياً ومادياً (جسدياً) ويخلق حواجز تؤدي إلى البيروقراطية في الإدارة والمؤسسات».
وشدد على ضرورة الاعتماد ليس فقط على التقنيات الحديثة في وسائل الاتصال، بل أيضاً على الطرق المتنوعة وحتى التقليدية منها، التي مارسها منذ القدم الملوك والأمراء والشيوخ ورؤساء العشائر عبر اللقاءات والتجوال بين الناس بالأزياء التنكرية.
وبيّن أن من أبرز الوسائل والأساليب هي «اللقاءات والاجتماعات وجلسات الحوار (الديوانيات) والخطابات، والإعلام بالاتجاهين عبر الوسائل المرئية والمسموعة والمكتوبة والإعلام الإلكتروني، وشبكات التواصل الاجتماعي والهواتف النقالة، إلى جانب الهيئات الناظمة الموازية مثل حكومات الظل، برلمانات الشباب، وسيط الجمهورية، النقابات، المجالس الاقتصادية المدنية، الجمعيات وهيئات المجتمع المدني، وغيرها من الوسائل.
وعن «التحديات التي تواجه الاتصال الحكومي»، رأى سليمان أن «تأثير الإعلام أدى إلى غياب الوسيط بين الجمهور والقيادات، وبالتالي إلى الشعور بالعزلة لدى الأفراد، وعلى الحكومات والقادة واجب إزالة الحواجز والمسافات المادية والنفسية، التي تفصلهم عن المواطنين عبر الاتصال».
وطالب بـ «إزالة الرقابة الصارمة عن الإعلام، وعدم تكبيل الصحافة بعقائد ديكتاتورية»، مشدداً على ضرورة «هدم الأبراج العاجية التي تحيط بالمسئولين، والابتعاد عن الغطرسة، واعتماد الشفافية عبر إتاحة السبل للجمهور، من خلال الاتصال، التعرف إلى عادات وتقاليد القادة الذين يتولون شئونه، كما الاطلاع على طريقة حياتهم ومعيشتهم وفهم عواطفهم وردود فعلهم».
العدد 4552 - الأحد 22 فبراير 2015م الموافق 03 جمادى الأولى 1436هـ
منو
ودينا في داهية..غير المركزية