أصدر معهد البحرين للتنمية السياسية كتاباً جديداً بعنوان "التعليم والتنشئة السياسية في العالم العربي .. نماذج البحرين، الأردن، الكويت، العراق، مصر" وذلك ضمن سلسلة إصداراته التي تهدف لنشر الثقافة السياسية وترسيخ مبادئ الديمقراطية، وتفعيلاً لأهداف ومبادئ المعهد في تنمية الوعي السياسي من خلال دعم وتشجيع العمل البحثي الهادف.
ويتناول الكتاب الذي يتألف من ستة فصول ويقع في 252 صفحة من القطع الكبير، دراسة للباحث رضا محمد هلال، حول موضوع التعليم والتنشئة السياسية فى العالم العربي، باعتبار التعليم حقاً مشروعاً لكل فرد في معظم، إن لم يكن كل، دساتير الأنظمة السياسية في العالم، وبشكل يجسّد الأهمية الكبيرة التي يحظى بها التعليم في الحياة اليومية، ليس فقط في اكتساب المهارات اللازمة لتأهيل الفرد لسوق العمل، وإنما أيضاً لتنشئته اجتماعياً وسياسياً على نحو يجعله قادراً على الاندماج في المجتمع.
ويلقي الكتاب الضوء على أهمية المدرسة بوصفها الوسيلة الأبرز للتحصيل العلمي بعد تضاؤل دور الأسرة في معظم بلدان العالم الحديث، وتليها الجامعة ودور العبادة ووسائل الإعلام والأحزاب والنوادي الثقافية والاجتماعية والرفاق، وهي الوسائل التي حاولت النظم السياسية استغلالها كأدوات للتنشئة السياسية، ومن أبرزها المناهج الدراسية، والتي ترتبط بشكل قوي بالنظام السياسي والاجتماعي السائد، وتنعكس عملية وضعها على النظام القائم وأفكاره وأيدلوجيته السياسية.
ويحاول الباحث من خلال الدراسة، التي أصدرها معهد البحرين للتنمية السياسية وبتكليف منه، التعرّف على القيم السياسية والاجتماعية والثقافية التي اهتمت بها المناهج الدراسية فى بعض الدول العربية من خلال شقّين، الأول ينصب حول الإطار النظري، والذي يعرض فيه الباحث تعريف التنشئة السياسية وأهميتها وأدواتها، والإطار الثاني هو الإطار التطبيقي، والذي قدّم من خلاله تحليلاً لمضمون بعض المناهج الدراسية في بعض الدول العربية ومن أبرزها: البحرين ومصر والكويت والأردن والعراق- مسلّطاً الضوء على القيم السياسية التي تضمنتها تلك المناهج.
وتكمن أهمية الدراسة في كونها تسعى لمعرفة القيم التي تبثها المقررات الدراسية في الأجيال الصاعدة في الدول العربية، بالنظر إلى أن ما يتم تلقيه من قيم ومبادئ سيظل مؤثراً على توجهاتهم المستقبلية وآرائهم السياسية.
كما أن الدراسة تسد فراغاً في المكتبة العربية التي تفتقر إلى مثل هذا النوع من الدراسات، خاصة أنها راعت اختيار دولتين يسود فيهن الحكم الملكى الدستورى هي (البحرين والأردن) ، واختيار دولتين أخريتين يصنفان ضمن الأنظمة الجمهورية (مصر والعراق)؛ مما يتيح عمليات المقارنة والوقوف على عناصر التشابه والتباين فيما بينهما فيما يتعلق بالقيم السياسية والاجتماعية والثقافية التى يتم تنشئة الأطفال عليها فى الدول العربية.
وبهذه المناسبة، أكّد المدير التنفيذي لمعهد البحرين للتنمية السياسية ياسر العلوي، أن اهتمام المعهد "انصب منذ إنشائه على تنمية الوعي السياسي ونشر الثقافة الديمقراطية، كإحدى دعائم المشروع الإصلاحي لعاهل البلاد حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، والتي ترسّخت بفضل الخطوات الإيجابية التي اتخذتها البحرين لتعزيز أجواء الديمقراطية والحرية والانفتاح، وفتح المجال واسعاً أمام الجميع للمشاركة بفعالية في مسيرة العمل الوطني."
وأضاف العلوي "إن المشروع الإصلاحي جاء شاملاً في أهدافه ورؤيته نحو تعزيز دور الفرد والمجتمع في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وكان التعليم أحد أهم القطاعات التي أولتها البحرين اهتماماً بالغاً، حيث يعد التعليم حجر الأساس في عملية التنمية الشاملة، ومن هنا تركّز الاهتمام على مفهوم التنشئة السياسية، وغرس القيم الديمقراطية، وثقافة حقوق الإنسان وغيرها، منذ مرحلة مبكّرة عبر مختلف مراحل التعليم، بهدف إكساب الفرد المعلومات والحقائق والأفكار والقيم والمبادئ السياسية.
وأشار العلوي إلى أن دراسة " التعليم والتنشئة السياسية في العالم العربي .. نماذج البحرين، الأردن، الكويت، العراق، مصر" للباحث الدكتور رضا محمد هلال تأتي إنطلاقاً من دعم معهد البحرين للتنمية السياسية للجهود البحثية الرصينة في مجالات التنمية السياسية والديمقراطية وغيرها من المعارف السياسية التي تُسهِم في ترسيخ الوعي والثقافة الديمقراطية لدى مختلف مكونات المجتمع.
وأكد العلوي أن "هذا الإصدار يأتي من منطلق الإيمان بأهمية التنشئة السياسية في بناء مجتمع قوي ومتماسك يؤمن بقيم الديمقراطية والحرية والمساواة والتسامح واحترام الآخر، وينبذ قيم العنف والتطرف والإرهاب والكراهية" مشدّدا على أهمية "ضرورة أن يبدأ غرس هذه القيم منذ الصغر عبر المؤسسة التعليمية، التي تعد الأكثر التصاقاً بالفرد عبر مراحل تطوره المختلفة، بهدف الإسهام في تنشئة الأجيال المستقبلية على قيم المواطنة الصالحة التي تؤهّلهم لكي يشكلوا دعامة قوية للمجتمع في حاضره ومستقبله."
وعبّر العلوي عن تطلعه أن تشكِّل هذه الدراسة إضافة جديدة ضمن سلسلة الإصدارات والمؤلفات التي يصدرها معهد البحرين للتنمية السياسية، ويتيحها لعموم الجمهور والمهتمين في المملكة بشكل مجاني، تجسيداً لدوره في تعزيز الوعي السياسي للمواطن البحريني، منوهاً إلى أهمية موضوع الدراسة في تسليط الضوء على أهمية التعليم في عملية التنشئة السياسية في العالم العربي.
جدير بالذكر، أن معهد البحرين للتنمية السياسية معهد وطني يهدف في المقام الأول إلى نشر ثقافة الديمقراطية ودعم وترسيخ مفهوم المبادئ الديمقراطية السليمة، وقد تأسس بموجب المرسوم رقم (39) لسنة 2005 وهو يعمل على رفع مستوى الوعي السياسي والتنموي والنهوض بالمسيرة السياسية في مملكة البحرين، وزيادة المعرفة بين جميع أفراد المجتمع وتوعيتهم بالعمل السياسي وبحقوقهم وواجباتهم التي كفلها الدستور ونظمتها التشريعات ذات العلاقة.