دخلت المفاوضات المصرية - الإثيوبية حول أزمة «سد النهضة» مرحلة جديدة. وأكد وزير الموارد المائية والري المصري حسام مغازي أمس، أنه سيتم الإعلان عن اسم المكتب الاستشاري المنفذ لدراسات «سد النهضة» في 4 مارس (آذار) المقبل، من بين 4 شركات تقدمت لمصر وإثيوبيا رسميا بعرض لدراسات المشروع، منها شركتان فرنسيتان وواحدة أسترالية ورابعة هولندية، وستصل نفس العروض للسودان خلال ساعات، على أن يتم توقيع عقد بدء الدراسات بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا منتصف مارس، بحسب ما أفادت صحيفة الشرق الأوسط اليوم الأحد (22 فبراير/ شباط 2015).
وأوضح أنه من المقرر أن يقوم المكتب الاستشاري الفائز بالانتهاء من الدراسات في مدة أقصاها 12 شهرا، وقبل افتتاح المرحلة الأولى من المشروع الإثيوبي، فيما قال نادر نور الدين أستاذ الموارد المائية بجامعة القاهرة، لـ«الشرق الأوسط»، إن هناك مخاوف من حجب أديس أبابا للمعلومات عن المكتب الاستشاري وعدم الالتزام بتوصياته، مطالبا باتفاقية مكتوبة بين البلدين تحدد حصة مياه كل منهما.
في غضون ذلك، قالت مصادر مصرية، إن وزراء المياه بدول حوض النيل اتفقوا خلال اجتماعهم أمس، في الخرطوم على عقد اجتماع استثنائي لمبادرة دول حوض النيل خلال يونيو (حزيران) المقبل في دار السلام بتنزانيا، لاستكمال المشاورات والتأكيد على دفع أسس التعاون وحسم القضايا الخلافية حول الإطار القانوني للمبادرة والاتفاقية الإطارية (عنتيبي).
وشاركت القاهرة في اجتماع وزراء مياه النيل بالعاصمة السودانية الخرطوم، بوفد رسمي رأسه وزير الموارد المائية والري، بعد تجميد أنشطتها في المبادرة ما يقرب من 5 سنوات، وذلك عقب التوقيع المنفرد لدول حوض النيل على الاتفاق الإطاري المعروف باتفاقية عنتيبي في مايو (أيار) عام 2010.
من جانبه، أكد حسام مغازي وزير الري المصري خلال اجتماع أمس، أن «مصر حرصت على تلبية الدعوة السودانية للمشاركة والعودة لاجتماعات المبادرة وفعاليات احتفالية نهر النيل تأكيدا على دعمها لتنمية شعوب الحوض، وعرض وجهة النظر المصرية وأسباب ابتعاد مصر وتجميد الأنشطة بالمبادرة خلال السنوات الماضية للبدء في التواصل والتباحث حول النقاط الخلافية العالقة والشواغل المصرية»، معربا عن أمله في تفهم دول الحوض للتحديات والتهديدات التي تواجه الموقف المصري شديد الحساسية تجاه مياه النيل، باعتبارها دولة المصب الأخيرة والأكثر جفافا بين دول العالم، حيث تعتمد على مياهه بنسبه 97 في المائة مع مواجهة نمو سكاني مضطرد، إضافة إلى التغيرات المناخية وتأثيراتها السلبية، مطالبا بتوحيد الجهود نحو المنفعة المشتركة وعدم التسبب في إحداث الضرر من خلال مسارات التعاون الإقليمي والثنائي.
وقالت مصادر مصرية في وزارة الري، إن «اليماهو تيجنو وزير المياه الإثيوبي قال خلال اجتماع أمس، إن التعاون بين دول حوض النيل ضرورة لتحقيق التعاون المشترك، لأنه مسألة مطلوبة»، وإنه أعرب عن أمله في التمكن من حل الخلافات، «حتى نخرج أسرة واحدة للتحرك إلى الأمام فيما يتعلق بمسألة حوض النيل»، على حد قوله.
وأكدت المصادر المصرية نفسها أن «وفد القاهرة أكد خلال اجتماعه أمس، أن بلاده تعمل حاليا على إعادة تقييم الوضع الفعلي لمبادرة حوض النيل، وإعادة النظر في القضايا العالقة من أجل سرعة التوصل إلى حل عاجل لها حتى تعود الأمور إلى نصابها الطبيعي». وأعربت المصادر عن تطلعها إلى حكمة دول الحوض ونواياها الطيبة من أجل إعطاء الأولوية للتفكير في وضع الحلول الممكنة لمواجهة التحديات القائمة وحسم هذه الخلافات وتبديد الشواغل المصرية. وقالت المصادر المصرية، إن مشاركة مصر في اجتماع مجلس وزراء حوض النيل غير الرسمي لا يعني موافقة مصر على التوقيع على الاتفاقية الإطارية (عنتيبي).
في السياق ذاته، عقد حسام مغازي وزير الموارد المائية والري المصري، اجتماعا ثلاثيا مع وزيري المياه السوداني والإثيوبي، على هامش اجتماع مبادرة حوض النيل، حيث تم استعراض موقف الشركات التي أرسلت العروض الخاصة بدراسات سد النهضة. وأكد مغازي أن «الاجتماع أكد الالتزام بالفترة الزمنية الخاصة بتنفيذ الدراسات المطلوبة، وأن اللجنة الثلاثية تلقت عروضا من 4 شركات عالمية، وأنه بعد الحصول على العروض ستبدأ أعمال التقييم الفني للمكاتب الاستشارية لمدة 10 أيام، حيث سينعقد اجتماع آخر للجنة في السودان في 4 مارس المقبل، لتقييم العروض وفقا لخبراء كل دولة، وعقب ذلك يتم الإعلان عن المكتب الفائز. وكانت الأزمة بين مصر وإثيوبيا تصاعدت بشكل حاد منذ عام 2011، عندما شرعت إثيوبيا في تشييد سد عملاق على نهر النيل بتكلفة 4.7 مليار دولار على مسافة تتراوح ما بين 20 و40 كلم جنوب الحدود السودانية مع إثيوبيا، ويتوقع اكتمال تشييده خلال عام 2017 وتقول القاهرة إنه «قد يقلص من حصتها في مياه النيل بنسبة تتجاوز 10 في المائة».
وتم الاتفاق في أواخر أغسطس (آب) الماضي خلال اجتماع لوزراء الدول الثلاث في الخرطوم، على تكليف مكتب استشاري لإعداد دراسة تفصيلية حول تأثيرات السد على مصر والسودان في مدة أقصاها 6 أشهر تنتهي في مارس المقبل، وتكون نتائجها ملزمة للجميع. كما جرى الاتفاق في اجتماع عقد في سبتمبر (أيلول) الماضي بأديس أبابا على الشروط المرجعية لعمل اللجنة واختيار المكتب الاستشاري.
وأوضح وزير الري المصري أمس، أنه من المقرر أن ينتهي المكتب الاستشاري الفائز من الدراسات في مدة أقصاها 12 شهرًا، لافتا إلى أن اختيار المكتب الاستشاري خطوة هامة في خارطة الطريق التي وقعت عليها مصر والسودان وإثيوبيا، مؤكدا أن الجانب الإثيوبي تعهد بتقديم البيانات التي يحتاجها المكتب الاستشاري.
من جهته، أعرب خبير المياه في مصر نادر نور الدين، عن تخوفه من المدة التي أعلنتها مصر للانتهاء من الدراسات، مشيرا إلى أنه يبدو أن هناك أزمة ثقة كبيرة بين البلدين، في عدم اختيار المكتب الاستشاري حتى الآن، مضيفا لـ«الشرق الأوسط» أن «الجانب المصري لم يعقب على طلب إثيوبيا بمد فترة إعداد الدراسة التفصيلية حول تأثير السد إلى 18 شهرا؛ بل تم قصرها على 6 فقط تنتهي في مارس».
ولفت نور الدين إلى أن «بدء تشغيل المرحلة الأولى لسد النهضة فيما بين شهري يوليو (تموز) وأكتوبر (تشرين الأول) المقبل، وسيتم تشغيل توربينين من إجمالي 16 توربينا، وهي الفترة التي سيكون فيها المكتب الاستشاري لا زال يقوم بالدراسات»، وكشف عن أن «المكتب الاستشاري توصياته غير ملزمة للجانب الإثيوبي، لأنه ليس مكتبا تحكيميا»، مؤكدا أن «القاهرة ستفقد وقتا طويلا في هذه الدراسات دون أن يكون لها رأي ملزم». وطالب خبير المياه المصري باتفاقية مكتوبة بين الدول الثلاث تحدد مقدار التدفقات المائية المحددة لها، وقتها تستطيع أي دولة تنفيذ أي سدود، دون أن تضر بالدول الأخرى.