العدد 4550 - الجمعة 20 فبراير 2015م الموافق 01 جمادى الأولى 1436هـ

«تداخل» مخيلة الفنان فؤاد البنفلاح مع هندسة عميقة

في معرضه المقام بهند جاليري حتى 28 فبراير الجاري

فؤاد البنفلاح
فؤاد البنفلاح

في معرض «تداخل» للنحات فؤاد البنفلاح، عضو جمعية البحرين للفنون التشكيلية، أنت أمام 17 منحوتة خشبية تنعكس من أبعادها الهندسية الدقة والمهارة، ومن ألوانها الخشبة الروعة والجمال، أَعمَلَ فيها الفنان إبداعه ومخيلته وجهده الفكري وخبرته الفنية مضيفاً إلى جهوده الفنية السابقة فعالية جديدة.

يستمر المعرض الشخصي «تداخل» للفنان فؤاد البنفلاح في صالة هند جاليري بالمحرق حتى 28 فبراير/ شباط 2015. وافتتح المعرض مساء يوم الثلثاء (10 فبراير 2015)، برعاية الرئيس الفخري لجمعية البحرين للفنون التشكيلية الشيخ راشد بن خليفة آل خليفة، بحضور مجموعة من الفنانين والمهتمين والأصدقاء.

تداخل بين الروح والجسد

ابتداءً من العنوان «تداخل» يبدأ التأويل يشتغل على مستوى مجموعة من الثنائيات المتجانسة غير المنفصلة لتدخل في دائرة التداخل على مستوى الدلالة والتي منها تداخل الروح والجسد، النظري والعملي، الداخل والخارج، الشكل والمضمون من غير توقف فثمة مجموعة من الملكات الفنية الإبداعية والعقلية الهندسية تتداخل وتتضافر مع بعضها البعض لتصنع هذا المعرض. أما على مستوى الشكل فثمة مجموعة من الأخشاب تتداخل بألوانها المختلفة في بعضها البعض لتكوّن كتلاً ثم تتشكل منها هذه المنحوتات في صورة حلقات متداخلة ذات أبعاد هندسية مختلفة.

وعبّر عنوان المعرض «تداخل» في صيغة تفاعل والمادة اللغوية من «الدال، والخاء واللام» عن طبيعة هذا المعرض بكونه تفاعلاً بين مجموعة من الملكات الفنية الإبداعية في فن النحت، ففي هذه الأعمال النحتية الجميلة، تتداخل المخيلة المبدعة والقدرة على التصوّر الذهني مع تصوير وتفريغ كل ذلك على الورق بالرسم الفني الهندسي، مع المهارة اليدوية في النحت، بالإضافة إلى طبيعة الشخصية المصرة والمنجزة كل هذه العناصر تتداخل مع بعضها لتقدم لنا هذا المعرض.

هكذا تتداخل في المعرض كل من المخيلة الإبداعية مع الخبرة الفنية في النحت، بالإضافة إلى المهارة الهندسية، حيث تتجلى عبر الأبعاد والزوايا في كل عمل، بما يعكس شخصية قوية دؤوبة ممعنة في إصرارها على الإنجاز على غم صعوبة العبور من زاوية لأخرى لضيق الأمكنة والمسافات في تفاصيل كل منحوتة وأخرى.

كما عبر عنوان المعرض «تداخل» في صورته الخارجية العملية وعلى مستوى الشكل عن دخول الأشياء في بعضها البعض، فكل منحوتة هي عبارة عن مجموعة من الحلقات الخشبية المربعة الشكل أو المثلثة أو النجمية أو غيرها تتداخل في بعضها البعض؛ ما يتطلب الكثير من الدقة والتأني في التصوّر والتصوير، والمهارة في النحت حتى تصل إلى هذا المستوى من الدقة والإبداع مثيرة في متلقيها عبر هذا التداخل حالة من الدهشة الإبهار والإمتاع الفني الأخاذ.

لحظات من التأمل والدهشة

تصطف المنحوتات أمامك في المعرض لتستلب منك لحظات من التأمل والانجذاب، حتى تكتشف أنك في حالة من الانبهار والإعجاب، فأنت أمام أخشاب ربما كانت مهملة وعادية ولا تقول الكثير، ولكنها بعد انتقالها لمخيلة الفنان، وتقلبها بين يديه، ها هي تتحول إلى أعمال فنية تقول الكثير، ولكن في وقار يستلب من المتلقي الذهاب في فسحة من التأمل والتفكير العميق الذي يعود عليه بالتقدير الفني للعمل وللفنان نفسه، الذي صب روحه في هذه الأعمال فهذه الأخشاب البسيطة والمهملة والمرمية في الطريق بحسب إشارة الجاحظ المعاني مطروحة في الطريق، وما كانت لتكون أمامك بهذا البهاء والجمال وكل هذا الإيحاء لولا التقطتها يد الفنان وأسبغت عليها ما في المخيلة من إبداع وقدرة على التصور والتجريد.

حينما يعزف الخشب

تصطف هذه المنحوتات أعمالاً فنية تجسد مخيلة نشطة وخبرة دؤوبة حيث نقلت الخشب من حالة إلى حالة، من صمت مهمل إلى كلام كثير، حيث أصبحت تعكس شخصية الفنان نفسه في حذقه وإصراره ودأبه، وكأن روحه قد صُبت ونحتت في قالب هذا العمل، فمن يشاهدها يحس كم هو الجهد الذي بذله البنفلاح في محاورة هذه الأخشاب ومعاركها حتى وصلت على مستوى الشكل إلى هذا القدر من الجمالية الأخاذة، والتي أصبحت كأنها موسيقى تعزف لحناً ممتعاً في تموجها الفني بزواياها وأبعادها الهندسية وألوانها الخشبية الأخاذة تماماً كما هي قصيدة الناي لجلال الدين الرومي حيث يحكي الناي الخشبي عبر موسيقاه قصة رحلته من عالم حي إلى عالم حي آخر، من عالم الأشجار إلى عالم الإنسان حيث كان نبتة ثم شجرة ثم مزماراً ثم موسيقى جميلة أخاذة ممتعة، وهكذا هي رحلة هذه المنحوتات التي تعزف موسيقاها بصرياً عبر زواياها الهندسية المبهرة وألوانها الخشبية الجميلة المتداخلة.

مخيلة فنية وعقل هندسي

إلى جانب هذه المخيلة الفنية ثمة عقل يعمل ويشتغل في كل المراحل حيث لم تكن المنحوتات تستجيب للعمليات الإبداعية بعيداً الفكر، فثمة معادلات هندسية عبر الزوايا والأبعاد التي تتجلى في كل عمل من الأعمال، إذ وظف الفنان إمكاناته الهندسية وتخصصه في الرياضيات ليتقدم بمنحوتاته خطوة مختلفة إلى الأمام حيث يكتنز العمل الفني، بالإضافة إلى الحالة الجمالية بقدرة على تمثّل تخصصه في الرياضيات وتشغيله حسابياً وهندسياً في جعل الأعمال بثمانية أبعاد على مستوى الشكل الهندسي، حتى أصبحت الأعمال تعكس في كل جهة جئتها شكلاً آخر، وفي كل زاوية تعطيك بعداً مختلفاً وصورة أخرى، تحتاج أن تتأملها أكثر في كل مرة تحدق فيها.

تحية مزجاة

في الختام لك أن تُزجِي تحيةً لصاحب صالة عرض هند جاليري الفنان علي المحميد الذي أخذته الحماسة ومحبة زميله النحات فؤاد البنفلاح لأن يضع بصمته معك في هذه القراءة عبر سرده لك تفاصيل بعض الأعمال، ومدى مهارة صاحبها، حيث رافقه من مرحلة لأخرى، وليكشف لك بعض أسرار هذه المنحوتات، وكيف تشكّلّت، وليفسر لك كيف اصطفت بقايا بعض المنحوتات في المعرض لتسرد لك رحلة هذه الأعمال وترى بنفسك مدى حرص الفنان على تفاصيل عمله بعد أن أنجز هذا المعرض.

يذكر أن النحات فؤاد البنفلاح من مواليد 1955، بهذا المعرض الأخير «تداخل» يكون قد قدم 17 فعالية فنية بين معارض شخصية وأخرى جماعية، في البحرين ودول متعددة، ابتداءً من 2002 وهو حاصل على شهادة البكالوريوس في الرياضيات حيث يظهر توظيفه للهندسة في فن النحت الذي تخصص فيه على المستوى الفني والإبداعي.

العدد 4550 - الجمعة 20 فبراير 2015م الموافق 01 جمادى الأولى 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً