مؤخراً، وجدتُ نفسي غارقاً في تفكير وتأمُّل، عندما كنتُ أقرأ مقالاً في الـ «واشنطن بوست» لديفيد إجنيشس حول اتفاقية محتملة عبر المحيط الهادي للولايات المتحدة الأميركية في آسيا، وبالتحديد مع الصين. ما أثارني ليس بُنية المقال ولا أفكاره، بقدر ما أثارَني حديث الكاتب عن أسرار التفاوض التي واكبت (ولا تزال) تلك الاتفاقية.
فمن الأشياء التي ذكرها إجنيشس أن مفاوضات تلك الاتفاقية استدعت أن يلتقي مندوبون عن اثنتي عشرة دولة في نيويورك لحل المسائل الخلافية المتبقية، والتي قُلِّصَت بفضل جولات سابقة من المفاوضات الشاقة بعدما كانت تصل إلى ألفَيْ مسألة خلافية! دقّقوا في الرقم: ألفَا مسألة «كانت» محل خلاف بين دول تريد أن تتفق.
الغريب أن المسائل الخلافية المتبقية، تتمثل في «النزاعات الزراعية مع اليابان والخلافات حول منتجات الألبان والدواجن مع كندا»! ثم والأغرب من ذلك، أن مفاوضات تلك الاتفاقية استدعت أن يكون هناك تحالف «موضوعي» بين الحكومة الصينية، وبين نواب جمهوريين في الكونغرس الأميركي مع الرئيس باراك أوباما كي تُحَل الخلافات القائمة.
رغبة الأميركيين في تلك الاتفاقية هي أنها ستمكِّنهم من تعزيز صادراتهم بـ 123 مليار دولار كل عام بحلول العام 2015، مع إضافة 600 ألف وظيفة جديدة لمواطنيهم. أما الصينيون فإنهم يريدون الدفع بالتجارة الحرة لتعزيز صادراتهم وضرب سياسة الحماية، وإقامة نطاق اقتصادي إقليمي يساهمون هم في وضع أسسه لضمان نتائجه.
الذي يهمني من كل ذلك هو الكيفية التي تُجرِي بها الأطراف الدولية، وبالتحديد الولايات المتحدة الأميركية مفاوضاتها لتعزيز المصالح المتبادلة. ويحق لكل مَنْ يريد أن يكون واقعياً أن يُسقِط مثل تلك المشاهد التفاوضية الدقيقة على ما يجري بين إيران ودول 5+1 بشأن البرنامج النووي، في الوقت الذي تستعد فيه الأطراف للدخول إلى الجولة الثالثة عشرة.
فإذا كنا نتحدث عن 2000 من المسائل الخلافية في اتفاقية اقتصادية، فإن ذلك قد يكون حاصلاً هو الآخر في المفاوضات التي تجري بين الأطراف الدولية مع إيران، مع ملاحظة حساسية الملف النووي وتعقيداته الفنية والأمنية والقانونية والسياسية.
وإذا كان هناك حديث عن خلاف في الزراعة مع اليابان، وفي الدواجن ومنتجات الألبان مع كندا، فهذا يعني أن أدق التفاصيل يمكن أن تُطرَح في ملف يُشكل هاجساً للأمن العالمي كالملف النووي الإيراني. هذا ما يجب أن نلتفت إليه والمفاوضات تقترب من شهر مارس/ آذار، والخروج باستنتاجات حولها.
ما يرشح حول تلك المفاوضات هو خلافات حول منشآت نووية إيرانية كـ «فردو»، أو حديث عن «آراك» حيث الماء الثقيل، أو مستوى تخصيب اليورانيوم، لكن هذه المسائل لها تفرُّعات فنية عديدة، وتبعات قانونية لا حصر لها. وفي الوقت نفسه، هناك عشرات المسائل المتعلقة بالأمن، كون الملف النووي له جانب أمني إقليمي أيضاً، ويتطلب اشتراطات واتفاقات ضرورية.
لذلك، فإن دولاً عديدة لها صلة مباشرة أو غير مباشرة بهذا الاتفاق النووي المزمع توقيعه. هناك باكستان والهند ومنطقة التوازن بينهما. هناك أفغانستان التي بها نظام سياسي ناشئ مرتبط بالنفوذ الأميركي، ومع وجود قوتين نوويتين بجواره سيعني أن الظروف الأمنية المطوِّقة له عبر الحدود لها مصالح وصداقات وعداوات من نوع خاص.
أيضاً، هناك دول الخليج الست، وفي الشمال هناك منطقة القوقاز، وفي غرب آسيا هناك العراق وسورية وعلى غربها تركيا ومنطقة الهلال الخصيب. والأهم من كل ذلك هناك «إسرائيل»، التي يعنيها أكثر من أي طرف آخر الملف النووي لإيران. كل ذلك يجب أن يكون محكوماً بتوازن دقيق، فيما يخص الحالة الأمنية والسياسية لكل تلك النطاقات.
لذلك، نرى أن المفاوضات التي تجري هي ذات طبيعة معقدة جداً وشاملة، بعضها واضح ومنشور، وبعضها يُكتّم عليه بشدة. وقد صرحت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الإيرانية مرضية أفخم في مؤتمرها الأسبوعي الأخير بأنه «لن يكون هناك أي تفاهم قبل وضوح كل التفاصيل، وهذا يعني بأنه إذا حصل تفاهم ما فإن تفاصيل ذلك التفاهم على الأمور الرئيسية يجب أن تكون واضحة، وبالتالي فإن اتفاقاً على مرحلتين ليس وارداً». انتهى.
الإيرانيون لا يريدون التوقيع على أي بند غير واضح، أو أنه قد يُفسَّر بطريقة أخرى لاحقاً، إلى الحد الذي كانوا يتفاوضون فيه عن الأقواس وعلامات التنصيص. لذلك، فهم يخوضون معركةً مع الوقت والنص في آن. ولا يُعلَم حجم المسائل المعلنة والسرية التي تم الاتفاق عليها، لكن الذي يظهر أن أشياء كثيرة حُلَّت وما بقي هو الأهم من بين مسطرة المهم.
في المرحلة الأخيرة، ألقى المرشد الأعلى للثورة آية الله علي خامنئي بثقله وراء تلك المفاوضات وتفصيلاتها. وأضحت لقاءاته العامة مجالاً لطرح رؤيته حولها وحول المسائل العالقة فيها، حيث كان موقفه مزدوجاً. ففي الوقت الذي كان يصرح فيه علناً بأنه يدعم الفريق المفاوض، كان يؤكّد أيضاً بأن عدم الاتفاق هو أفضل لإيران من وجود اتفاق سيء.
وبطبيعة الحال، فإن كلمة «سيء» تحمل العديد من الدلالات، بل إنه قال يوم الأربعاء الماضي خلال لقائه وفوداً من محافظة أذربيجان، بأنه يعتقد «إذا تم حل المسألة النووية كما يملي الأعداء فإن العقوبات لن يتم إلغاؤها» كما قال. مشدّداً على ضرورة عدم اعتماد الميزانية السنوية لإيران على النفط بل على «الإنتاج الداخلي والضرائب».
في المحصلة وما هو مهم، أن يُعرَف هو أن آية الله خامنئي ومن خلفه نظامه السياسي، يضعون الاحتمال الأسوأ في تلك المفاوضات. والمرشد الأعلى كأنه يعيد ما كانت تقوله الروائية الانجليزية البارعة ماري آن إيفانس (1819– 1880): «على المرء أن يحاول إعداد نفسه للحياة دون سعادة سواءً جاءت أم لم تجئ».
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 4550 - الجمعة 20 فبراير 2015م الموافق 01 جمادى الأولى 1436هـ
محايد
الايرانيين عانو من الحرب والحضر لسنوات طويله ولكنهم تعاملو مع تلك الضروف بذكاء ودهاء قل نظيره في التاريخ فاخذو يجمعون اوراق القوه بصمت وصبر حتى تمكنو تماما من قدرتهم ليساومو خصومهم للحصول على اعلى مايمكن الحصول عليه لانهم يعلمون انهم لن يحصلو على كل شيى بل ما يريدونه هم وسيتركون هامش لامريكا وحلفائها لان صاحب النصف ربحان ويبقى الخاسر الوحيد هم العرب الذين تاخذهم المياه في جريها حيث تجري دون ارادتهم وكما قال الفنان البحريني (حنًا رجال البلد نرقص لها في الشدايد )
اللهم
اللهم ايد وسدد خطى السيد على خمنائى وحفضهه الينا انه القائد الي يعرف كيف يتصرف فى اموور المسلمين واقتصاد البلد اللهم احفضهه
شيل عنك هالأفكار
معذرةً يا اخي ، انت مع السياسة الايرانية كمن قال للإمام علي كم شعرة في رأسي ولحيتي
غريب امركم
دائماً تنظرون للأفكار المختلفة بريبة وشك!!!!!
هاده إيران ياصاحبي
عماقريب تصبح دوله عظمى وبدون أذني شك هيه الآن في نظري المتواضع وهيه في طريقها لغزو الفضاء الخارجي وتقدمها في كل مجالات الحياة من طب وإلى اخره ولكن نقطه الانطلاق من ما قاله سماحة السيد الخمنائي واصراره على نجاح الاتفاق أو الوصول إلى اتفاق ترضى به الجمهوريه اولأ ولا اتفاق فاشل هزيل ترضخ به إيران وهادا منطق القوي الواثق من نفسه
الواضح هو ان
كل المسألة النووية مرتبطة بملفين اثنين: اسرائيل وامن الخليج
يكفيهم انهم قاوموا الحصار لأكثر من 3 عقود ولم ينكّسوا رأسهم
شعب بدأ يعتمد على نفسه رغم الصعوبات لكنه صاحب كرامة وعزّة نفس لا يخضع لهذه الدول التي لا ترى الا لنفسها الحقّ في السيطرة على كل مقدّرات الشعوب وها هي هذه الدول تتلاعب بخيرات .......و............. لا حول ولا قوة لأنها ليس لديها قاعدة شعبية تستند اليها وتقف ضد اطماع امريكا وغيرها
مقالك أعجبني ،،،شكرا لك
ينقصه الاسقاط على واقع خلافاتنا التي نعتقد انها كثيرة وكبيرة وليس هناك مجال اللتقاء ،،،هي طريقة تفكير يجب ان تنمو وتنضج بدلا من هذا التناحر والتنافر
ازدواجية الغرب و وحدة السيد الخامنئي
أين الإزواجية يا عزيزي !؟
موقف الشعب الإيراني واحد وثابت كموقفنا في البحرين
نؤيد الحوار ( المفاوضات ) ولا نتوقع نتاجات كبيرة منها كما أنهم لن يتجهوا لتوقيع اتفاق مذل ، فالشعب الإيراني عصيٌ على الانكسار والثلاثون سنة الماضية خير شاهد
تصحيح وتعليق
لا تعني الازدواجية هنا من المرشد شيء سلبي بل تعني أنه يأخذ موقفين لاحتمالين قادمين
اخشوشنو
اخشوشنوا فان النعم لا تدوم