بدعوةٍ من أكاديمية الصين للعلوم الاجتماعية، ووكالة الأنباء الصينية، ومجموعة النشر الدولية الصينية وأكاديمية فوجيان للعلوم الاجتماعية، عقد المؤتمر الدولي لطريق الحرير البحري للقرن الحادي والعشرين في الفترة 11 - 12 فبراير/ شباط 2015، وتلاه يوم خصص لجولة ثقافية لمعرفة حضارة وآثار مدينة شوانجو «مدينة الزيتون»، كما أسماها الرحالة العربي المغربي ابن بطوطة، الذي زار المنطقة وعاش فيها في أوائل القرن الرابع عشر، قبل وصول الرحالة الإيطالي ماركو بولو بعدة سنوات، وترك آثار الحضارة العربية في المنطقة وبها متحف بالغ الروعة عن الحضارة العربية وتفاعلها مع الحضارة الصينية، فضلاً عن المدافن العديدة لكبار الشخصيات العربية الذين تولوا مناصب عليا في تلك المدينة وفي الإقليم.
لقد أخذت شواهد الدفن لتوضع في المتحف العربي في المدينة التي كانت من أهم مدن الصين في ذلك العصر، ومنفذها البحري، مثل بكين وشنغهاي في هذه المرحلة، ولكنها بالمقاييس الصينية مدينة متوسطة الحجم، أما بالمستوى الحضاري والثقافي العربي والتقدم الصناعي والتراث والمتاحف، فهي لا تقل عن مدن كبرى عريقة في المنطقة العربية، إن لم تتفوق على معظمها من ناحية البنية الأساسية والتقدم الصناعي.
شارك في المؤتمر حوالي 300 شخصية صينية وأجنبية، وكانت المشاركة العربية تتمثل في عضو مجلس الشورى العماني فوزية ناصر الفارسي، ومن السعودية صالح الصقيري وحمود النجيدي من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، ورئيس أرامكو السعودية الآسيوية إبراهيم البوعينين، ومحمد نعمان جلال من كل من مصر والمستشار السياسي بوزارة خارجية مملكة البحرين، ورئيس الجمعية الإفريقية في مصر السفير أحمد حجاج، والمهندس سامح الشحات (مصري مقيم في لندن) ويعمل مستشاراً في هيئة استشارية إقتصادية في الصين.
لقد كانت مساهمات المشاركين من عمان والسعودية ومصر مساهمات ملموسة في المداخلات والأطروحات التي قدّموها، وفي التواجد في العديد من اللجان بل وفي المناسبات الاجتماعية، ما يعكس التقدم الفكري والحضاري الذي تعيشه سلطنة عمان وخصوصاً بروز دور للمرأة العمانية المثقفة والناشطة السياسية؛ ودور جامعة الإمام محمد بن سعود في نشر الوعي العلمي، وبالطبع دور مصر كمركز حضاري عربي وإسلامي معروف ويحظى الخبراء والباحثون منها بموضع تقدير خاص، وهذا ما لمسناه طوال فترة المؤتمر.
كما كانت المشاركة من الدول الإسلامية كبيرة، خصوصاً إن معظم تلك الدول تقع في إطار طريق الحرير البحري، فقد حضر على بن عياض مستشار أول السفارة الإيرانية في الصين، ومن تركيا إبراهيم اوزترك أستاذ الاقتصاد بجامعة اسطنبول، كما حضر رئيس مجلس إدارة مؤسسة مرمرة للأعمال الخيرية دكتور سوفير؛ وخبراء من الهند وبنجلادش وباكستان وماليزيا واندونيسيا والفلبين واليابان واستراليا والولايات المتحدة وتايلاند وفيتنام وميانمار والاتحاد الأوروبي ونيبال وسريلانكا وأسبانيا وإيطاليا وكندا وغيرها.
أما الصينيون فقد كانوا ينتمون لمختلف جامعات الصين ومراكز الأبحاث والفكر فيها، وكثير من مؤسساتها الصناعية ذات الصلة بالتصدير. وأيضاً كان هناك عدد من كبار المسئولين، في مقدمتهم كبار شخصيات الحزب الشيوعي الصيني، حيث تم الافتتاح الرسمي للمؤتمر من قبل عضو المكتب السياسي والمسئول الإعلامي في اللجنة المركزية للحزب ليو تشى باو؛ ومسئول الدعاية وعضو اللجنة المركزية للحزب جيانج جيانجوا، ورؤساء الجهات المنظمة، وهم أمين عام الحزب في إقليم فوجيان ورئيس الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية ورئيس أكاديمية فوجيان، ورئيس المؤسسة الصينية للنشر ورئيس دائرة الإعلام باللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني.
افتتح المؤتمر أمين عام الحزب الشيوعي في إقليم فوجيان، ورئيس وكالة أبناء الصين، ورئيس أكاديمية الصين للعلوم الاجتماعية، ورئيس مجموعة النشر الدولية الصينية، ورئيس أكاديمية فوجيان للعلوم الاجتماعية، ورئيس دائرة الإعلام باللجنة المركزية للحزب الشيوعي. أما اليوم الثاني فكان الافتتاح الرسمي والأهم للمؤتمر حيث تحدّث فيه بالكلمة الرئيسة ليو تشى باو، عضو المكتب السياسي وأمين اللجنة المركزية للحزب ورئيس دائرة الإعلام والدعاية بالحزب، وهو من الشخصيات الـ 25 الرفيعة المستوى في الحزب. ثم تحدث نائب رئيس لجنة الإصلاح والتنمية، ونائبة وزير التجارة ورئيس مؤسسة كون Kuhn للإعلام (أميركي الجنسية) والسفير المصري الأسبق لدى الصين (محمد نعمان جلال)، ثم رئيس جمعية الدبلوماسية العامة بالصين ورئيس مركز أبحاث التنمية بمجلس الوزراء، ورئيس اتحاد الأعمال السنغافوري، ورئيس مؤسسة مرمرة التركية، وهي مؤسسة خيرية خاصة كبرى، ونائب رئيس مركز الدراسات الإستراتيجية في ميانمار.
انقسم المؤتمر في اليوم الثاني إلى ثلاث لجان عمل أو طاولات مستديرة، كما أطلق عليها هذه التسمية، وترأس كل طاولة شخصية صينية وشخصية من الدول المشاركة، وقد ترأس الكاتب طاولةً على مدى يومين متتاليين، فضلاً عن إلقاء كلمة في اليوم الثاني بحضور ليو تشي باو، الشخصية الحزبية الرئيسة في المؤتمر.
دارت مناقشات المؤتمر حول ثلاثة محاور:
المحور الأول: القيم والمغزى لطريق الحرير البحري في القرن الحادي والعشرين، وترأس الكاتب هذا المحور مع نائب رئيس أكاديمية الصين للعلوم الاجتماعية.
المحور الثاني: العمل للتنمية المشتركة والازدهار، وترأس أعمال المحور من تركيا رئيس مؤسسة مرمرة أكان سوفير، مع نائب رئيس مجموعة النشر الصينية الدولية.
المحور الثالث: البحث عن فرص جديدة للتنمية وآفاق جديدة للتعاون، وترأسها الكسندر لوكين من روسيا، مع رئيس أكاديمية فوجيان.
وبالنظر لكثافة المناقشات والمداخلات، فلا يتسع المقام للتعرض لها تفصيلاُ، ونكتفي بأن نسوق عدداً من الملاحظات التي تتعلق بالمؤتمر وأعماله، وفي مقدمتها:
الأولى: إن المؤتمر ضم خبراء ومتخصصين في قضايا الصين والتنمية، وفي قضايا طريق الحرير وعلاقات الصين مع العالم الخارجي، وكثيرٌ منهم متفهم لضرورة إحياء طريق الحرير البحري كأداة من أدوات التطور العالمي، في عالم تتقارب أطرافه، وتتداخل مصالحه في إطار من الاعتماد المتبادل، بينما قلة من المشاركين، لأسباب تاريخية أو التنافس السياسي في آسيا، أثاروا بعض الشكوك والمخاوف من صعود الصين كقوة عظمى تبتلع الدول الصغرى حولها، كما حدث في التاريخ الاستعماري العالمي. وآخرون شعروا بأن صعود الصين سيؤثر عليهم وعلى مكانتهم ودورهم في العالم، وكان من أبرز من تحدث في هذا الصدد خبراء من فيتنام والهند بوجه خاص.
الثانية: إن بعض المفكرين الهنود تحدّثوا عن ضرورة الأخذ في الاعتبار مصالح الولايات المتحدة في آسيا والمحيط الهادي، وأنه لا ينبغي إطلاق العمل في طريق الحرير البحري دون تشاور مكثف مع كافة الأطراف، لأن هذا الطريق ليس للصين بمفردها، بل سيمر عبر العديد من الدول والمناطق. كما سوف تتأثر به العديد من الدول ممن لا تنتمي إلى المنطقة، ولكن لها مصالحها في هذه المنطقة مثل الولايات المتحدة. ومن المفارقة أن الذي أثار ذلك هو أحد الباحثين الهنود.
الثالثة: أكد بعض المسئولين الصينيين وبعض الباحثين والخبراء، أن الصين تسعى للتعاون مع العالم، وإنها لم تكن دولة استعمارية في الماضي، ولن تكون كذلك في المستقبل، مستدلين على ذلك بالاختراعات الصينية القديمة مثل اختراع الصين للورق والبارود والحرير والطباعة وغيرها. ومع ذلك فإن اهتماماتها كانت منصبة على التجارة مع العالم، دون أن تستعمره، بل ودون أن تصدر أسلحةً لتدمير العالم وإنّما صدّرت السلع لإثراء العالم، وأقامت سور الصين العظيم لحماية بلادها من البرابرة كما كان يطلق على بعض دول الجوار في العصور القديمة.
الرابعة: حاول الصينيون تهدئة مخاوف بعض الخبراء من دول الهند الصينية، وخصوصاً الهند وطمأنتهم على أنها تعمل في إطار المشاركة والتشاور مع كل الأطراف المعنية؛ وأن هدفها التجارة والكسب للجميع وليس للصين فقط؛ وإنها سوف تستمر في نهج التشاور وتطوير الأفكار للمصلحة والمنفعة المشتركة... وتسعى لإزالة أي غموض في المصطلحات التي أشار إليها بعض الباحثين في مداخلاتهم. وللحديث تتمة.
إقرأ أيضا لـ "محمد نعمان جلال"العدد 4550 - الجمعة 20 فبراير 2015م الموافق 01 جمادى الأولى 1436هـ