في إجراء مباغت وغريب، أقدمت السلطات السودانية على إغلاق 14 صحيفة يومية، يوم الاثنين الماضي في العاصمة الخرطوم!
هذه الخطوة قام بها جهاز الأمن والمخابرات، ولذلك اختار لها أن تكون فجراً، لكي يمنع وصول الصحف الـ 14 لأيدي القراء. فمن المؤكد أنها كانت تحتوي على مواد خبرية أو مقالات أو آراء خطيرة تهدّد اللحمة الوطنية السودانية، وتهدّد الأمن القومي، وتهدّد وحدة السودان وسلامة أراضيه!
في السابق، كانت السلطات السودانية تقدم على إغلاق صحيفة واحدة أو صحيفتين كل شهر، أما هذا الشهر فاختارت أن تقلب المعادلة، بأن تغلق 12 صحيفة في يوم واحد، بالإضافة إلى صحيفتين اجتماعيتين على غير العادة، هما «حكايات» و «الدار»، فتنجز عمل سنة كاملة في يوم واحد!
من خلال تتبع الصحف التي تمت مصادرتها، يبدو من أسمائها أنها كلها سياسية وبالتالي تستحق الإغلاق! مثل «الرأي العام»، «أول النهار»، «أخبار اليوم»، «آخر لحظة»، «المجهر السياسي»، وخصوصاً «الإنتباهة»، «التيار»، «الصيحة»، فماذا يقصدون بالانتباهة؟ وماذا يقصدون بالصيحة والتيار؟
الإجراء كان مفاجئاً لأنه شمل أغلب الصحف، وحتى المخابرات نفسها لم تقدّم أية أسباب أو تبريرات لهذه المجزرة الصحافية، وكان أكثر الناس استغراباً الصحافيون أنفسهم، حيث لم يصدّقوا ما حصل! ولأنهم لم يستوعبوا ما حصل بادروا إلى الدعوة لاجتماع طارئ في الاتحاد السوداني للصحافيين!
نائب رئيس الاتحاد محمد الفاتح قال إن الاجتماع سيعقد «لمعرفة ملابسات الحادثة التي تعد نادرةً بكل المقاييس»، إلى جانب التعرف على عدد النسخ المصادرة التي تشكل خسائر مادية فادحة للصحف التي تعاني من صعوبات مالية أصلاً.
منظمة «صحفيون لحقوق الإنسان» وصفت الحادثة بأنها «سابقة نوعية في تأريخ مصادرة الصحف بعد الطباعة». واعتبرت تنامي ظاهرة مصادرة الصحف «بما فيها تلك التابعة للدولة أو التي تُعبِّر عن جهاز المخابرات نفسه»، يُمثِّل تصعيداً غير مسبوق في مواجهة حرية النشر والتعبير.
بعض الصحافيين رجح أن يكون السبب نشر خبر اختفاء صحافي بصحيفة «الدار» الاجتماعية، ووُجد لاحقاً في ولاية نهر النيل، وقالت الشرطة إنه كان «تائهاً». وكانت هناك حالات أخرى، تم الاعتداء فيها على صحافيين وصحافيات سودانيات، تناولتها الصحافة العالمية ومنظمات حقوق الإنسان.
صحافيون آخرون أرجعوا سبب المصادرة إلى خبر يتعلق بتعرض رئيس «حركة العدل والمساواة»، للمنع من دخول القصر الرئاسي. بينما ذهبت مصادر أخرى إلى أن السبب خبر يتعلق بإعلان مفوضية الانتخابات بشأن إجراء الاقتراع خلال 3 أيام بشكل سلبي في انتخابات 2010! ومع أن الأخير يبدو صعباً على التصديق، إلا أن كل الاحتمالات تبقى واردةً!
وزير الإعلام دافع عن هذه المجزرة الصحافية غير المسبوقة على مستوى العالم أجمع، قائلاً بأنها مبرّرة قانونياً، وبشّر السودانيين باستمرار مصادرة الصحف ما استمر قانون جهاز الأمن الحالي، الذي تطالب الأحزاب بتعديله من ضمن 68 قانوناً آخر. وفوق ذلك، يتطلب وقف مصادرة الصحف واحترام حرية النشر والتعبير، تعديل الدستور نفسه!
ولأن الدستور يحتاج إلى أغلبية شعبية، والأغلبية الشعبية المطلقة لا يملكها إلا الرئيس عمر البشير، وحزبه الحاكم الذي جدّد ترشيحه للرئاسة للمرة العاشرة أو الحادية عشرة، فإن الصحافيين السودانيين لا يأملون بأي تغيير في هذا النهج التسلطي، أو احترام حرية الرأي!
الأشقاء السودانيون لن ينسوا أن النظام الحالي الذي نجح في تقسيم بلادهم إلى سودانين حتى الآن، صادر 14 صحيفة في يوم واحد، بسبب «خبرٍ صغيرٍ» عن اختفاء صحافي، يمكن أن يهدّد نشره وحدة البلاد واستقلاله وسلامة أراضيه!
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 4549 - الخميس 19 فبراير 2015م الموافق 29 ربيع الثاني 1436هـ
مقال يلامس القلب
الله يذكرك بالخير يا نزيهة سعيد.
هذا ما يعانيه كل الصحافيين في العالم العربي
الكل يتم التضييق عليه وملاحقته وبعضهم تعرض للسجن والتنكيل.
هذه هي
الديمقراطية العربية
اختك مثلك
والحرية والديمقراطية عندنا هي الاعلى في العالم!!!!!
مبارك
عدل شغلهم يعني اللي يعيش في السودان يروح يزرع احسن من هالقراطيس اللي مامنها فايدة
مع ان الموضوع لا يهمني
ومع ذلك قراته بسبب اسلوبك المشوق في الكتابة يا صاحب القلم الذهبي والسرد الدقيق الممتع شكرا لك وجمعة طيبة