يقال إن للحرية جناحين هما الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، لذا فلا حرية بلا عدالة اجتماعية، ولا عدالة اجتماعية بلا تشاركية في القرار والثروة. فالعدالة الاجتماعية تفهم على أنها توفير مناخ عادل وحصة تشاركية في ثروات الدولة، بهدف إزالة الفوارق التمييزية الكبيرة بين طبقات المجتمع، ومعها تبقى العدالة الاجتماعية حصان الشعوب في السباق، فعليه أن يكمل المسير حتى لو خارت قواه.
العدالة الاجتماعية أول من نادت بها الأديان السماوية مفهوماً وتطبيقاً، وما الرسل والكتب السماوية إلا انعكاساً للعدالة والرحمة، لكن العدالة الاجتماعية غيبت ببطش الحكومات وسيطرتها، فظهرت بتناولها الجديد مع أوروبا الحديثة كنتاج طبيعي لصراعات طبقات المجتمع، الناتجة عن النظام الإقطاعي الذي يعتبر من أقسى الأنظمة التي عاشتها أوروبا وأكثرها عنصرية وطبقية، إذ اعتمد دخلها على النظام الضرائبي الذي أحدث صراعاً حاداً وتمايزاً كبيراً في المجتمع بين طبقة العمال الذين يدفعون الضرائب وطبقة النبلاء المستهلكين للضرائب. لذا سارعت الطبقة المثقفة الوليدة من صراع الطبقات إلى تبني النظريات الفلسفية التي تساعدهم للخروج من شرنقة الإقطاع فولدت اتجاهات فكرية تطالب بالعدالة والحرية والمساواة.
للعدالة الاجتماعية أركان وأسس لا تقوم إلا بها، وهي في الوقت ذاته مقياس لمعرفة مدى تحققها في أي مجتمع، وهي تتحقق في المساواة بين الجميع على أساس المواطنة، والتوزيع العادل للثروات، واحترام حقوق الإنسان. وتوفر العدالة الاجتماعية يحقق التنمية المستدامة، وممارسة الحرية في الفكر والعقيدة والعمل، واتخاذ القرار والمشاركة فيه، والشعور بالمواطنة والانتماء، واحترام الذات، وممارسة الشعائر الدينية في جو من التسامح والألفة. كما أنها مجال خصب لتحقيق مبدأ تكافؤ الفرص في مناحي الحياة العامة والخدمات الأساسية، حيث تكون المكافأة بالاستحقاق، وأن لا يُقدّم «أهل الحظوة» على «أهل الخبرة».
تعتبر العدالة المكانية أو التوزيع الاجتماعي المكاني إحدى جوانب العدالة الاجتماعية التي تم تناولها في العام السابق، إذ يتطلب من الحكومات العمل على تحقيق توزيع جغرافي متساوٍ لاحتياجات وطلبات المجتمع، وأن لا يكون التوزيع المكاني بمثابة فرز للمواطنين يتم على أساسها توزيع فرص العمل مع اختلاف إمكانية الوصول إلى الرعاية الصحية وجودة الهواء الصحي، إذ يشير الأمين العام للأمم المتحدة بمناسبة اليوم العالمي للعدالة الصحية الاجتماعية في العشرين من فبراير من العام السابق «إن الفجوة بين أشد الناس فقراً وأكثرهم ثراءً في أنحاء العالم هي فجوة واسعة وآخذة في الازدياد. وهي لا تفصل فقط بين البلدان، وإنما بين الناس داخل البلد الواحد، بما في ذلك العديد من أكثر البلدان رخاء. والاحتفال باليوم العالمي للعدالة الاجتماعية هو مناسبة لتسليط الضوء على قدرة التضامن العالمي على فتح باب الفرص أمام الجميع، ولا ينبغي مطلقاً لظروف مثل مسقط رأس الشخص أو محل إقامته أو جنسه أو أصله العرقي أن تحدّد مستوى دخله أو فرص حصوله على التعليم الجيد أو الرعاية الصحية الأساسية أو العمل الكريم أو المأوى الملائم أو مياه الشرب، أو فرصه في أن يشارك في الحياة السياسية، أو في أن يحيا حياة لا يتهدده فيها العنف البدني ولا يتعرض فيها فعلياً لهذا اللون من العنف».
العدالة الاجتماعية هي استحقاقات جماعية، وهناك غضب شعبي عارم في الوطن العربي من غياب العدالة الاجتماعية، وانعدام المساواة والتكافؤ، وضياع فرص الحياة نحو الأفضل، مما يؤدي إلى تراكم الضغوط، وفقاً لما يشير إليه المستعرب الياباني نوبواكي نوتوهارا في كتابه «العرب وجهة نظر يابانية» بقوله إن «مشكلة العرب الأساسية هي غياب العدالة الاجتماعية، تهميش المواطن وإذلاله وانتشار القمع بشكل لا يليق بالإنسان». عندها يفقد المواطن ثقته في الدولة وعدالتها فيهرب منها إلى ملجأ آخر يحتويه ويتشارك معه الطرح والمنهج العملي، يحس من خلاله بالانتماء والاحتواء، وذاته التي فقدها.
لكن يبقى السؤال واجماً: هل لازالت الفرصة سانحة أمامنا لتوجيه البوصلة نحو الطريق الصحيح؟ أم أننا أضعنا الطريق نفسه؟
إقرأ أيضا لـ "رملة عبد الحميد"العدد 4549 - الخميس 19 فبراير 2015م الموافق 29 ربيع الثاني 1436هـ