دعا المعهد الملكي للعلاقات الدولية (شاتهام هاوس)، دول الخليج لاغتنام الفرصة لإجراء إصلاحات ذات مغزى، باتجاه تحقيق الملكية الدستورية.
جاء ذلك في التقرير الذي أطلقه المعهد، ومقره في العاصمة البريطانية (لندن)، يوم أمس الخميس (19 فبراير/ شباط 2015)، بعنوان «الاتجاهات المستقبلية لدول الخليج».
واعتبر التقرير أن إعادة تشكيل العلاقات بين المواطنين والدولة في الخليج سيكون أمراً أساسياً لمستقبل الأمن في بلدان المنطقة وآلية علاقتها بحلفائها الغربيين.
وأشار إلى أن دول الخليج الست تشهد تغييراً جذرياً، وأن العقد الماضي شهد نمواً سريعاً في السكان والاقتصاد والنظم التعليمية، وما رافقه من تغييرات عميقة في تدفق المعلومات، والسكان، والتوقعات الاقتصادية.
وذكر التقرير بأن دول الخليج باتت تلعب دوراً متزايداً في السياسة الخارجية والاستثمار، وهو ما يجعل لدى عدد من الدول مصلحة مباشرة في ثرواتها واستقرارها.
وحمل التقرير عدداً من التوصيات لحكومات دول مجلس التعاون الخليجي وحلفاءها الدوليين، وتتركز هذه التوصيات على دعوة دول الخليج لاغتنام الفرصة لإجراء إصلاحات ذات مغزى باتجاه تحقيق الدستورية الملكية.
واعتبر التقرير أن تعذر القيام بالإصلاحات، فإن التغيرات الاقتصادية والديمغرافية والاجتماعية والسياسية، ستخلق المزيد من الضغوط على دول الخليج، وهو ما يؤدي إلى زيادة مخاطر الصراع المستقبلي في منطقة ذات أهمية استراتيجية وحيوية لبقية دول العالم.
وأوصى التقرير حكومات دول مجلس التعاون الخليجي باغتنام الفرص لتنفيذ الإصلاحات السياسية والاجتماعية بصورة تدريجية وبالتراضي نحو تحقيق المزيد من أشكال الدستورية الملكية، وإلى أن تقترن خطط التنويع الاقتصادي على المدى الطويل من خلال خطط جادة للتنمية السياسية على المدى الطويل لمعالجة آثار التحولات في الدور الاقتصادي للدولة.
ودعا التقرير إلى إلغاء تجريم أنشطة المعارضة السلمية، سواء فيما يتعلق بالدعوة إلى ملكية دستورية أو الانتخابات البرلمانية أو انتقاد سياسات الحكام، وإلى اعتماد آليات مؤسسية أقوى، بما في ذلك البرلمانات والهيئات القضائية والوزارات.
وأكد التقرير على أن تكون الشفافية والانفتاح في السبطة أولوية رئيسية، وذلك بما يتماشى مع توقعات الجيل الأصغر سناً، وإلى ضمان الاندماج الاجتماعي والاقتصادي والأولوية، بالموازنة بين الهويات الطائفية أو العرقية.
وأشار إلى أن إجراء إصلاحات ذات مغزى ومستدامة، يجب ألا يقتصر على إجراء التغييرات في القوانين والمؤسسات الرسمية فقط وإنما يشمل ذلك التغيير في طرق التفكير.
أما بشأن التوصيات الموجهة للحلفاء الدوليين لدول الخليج، فأكد التقرير على ضرورة وضع وتنفيذ استراتيجية يكون محورها هو الإنسان، وإلى تنويع قاعدة العلاقات مع دول الخليج من دون اقتصارها على النخبة منهم، وأن من شأن ذلك أن يكون له دور حاسم في تطوير العلاقات طويلة الأجل، والشراكات الاستراتيجية المستدامة والتي ستحقق قيمة إضافية واضحة لكلا الجانبين.
وأشار التقرير كذلك إلى أن التنسيق في أمور الدفاع مع دول الخليج ينبغي أن يوضع في سياق سياسي أوسع، مع عدم النظر إلى مسألة احترام حقوق الإنسان على أنها خلاف مع الضرورات الأمنية، وإنما كجزء من ضمان الأمن المستدام.
وشدد التقرير على أن الجهات الفاعلة الخارجية يجب أن تكون لديها معرفة دقيقة قبل إصدار أحكامها بشأن الأنظمة السياسية مختلفة، وأن الدبلوماسيين يحتاجون أيضاً أن يدركوا أن الطبيعة المعقدة للثقافة السياسية في الخليج هي محل نقاش ساخن داخل المنطقة، وألا يروا أن الحكومات المحلية هي المتحدثة الوحيدة عن الشعب.
وشدد التقرير على ضرورة توجيه المشاركة الاقتصادية نحو التعليم والتنوع الثقافي، مشيراً في هذا الإطار إلى أن التعاون الاقتصادي يحتمل أن يكون مربحاً للجانبين، وأن الشركاء التجاريين الدوليين الرئيسيين في منطقة الخليج في حاجة أيضاً للاستماع إلى الانتقادات المحلية من المشاركة الاقتصادية مع الغرب، وخصوصاً فيما يتعلق بالإنفاق الباهظ على قطاع الدفاع.
ودعا التقرير إلى التعاون في مجالات الرعاية الصحية والتعليم والإسكان، واستدامة الموارد والصناعات الثقافية، والتي من شأنها أن تخلق عدداً أكبر من الوظائف المحلية من تلك التي تخلقها قطاعات الدفاع والمالية والطاقة، مشيراً إلى أن الشركات الدولية تسعى للحصول على وجود طويل الأمد في الخليج، وأن هناك حاجة لتوظيف السكان المحليين وكذلك الأجانب الذين يشكلون معظم القوى العاملة.
وعلى صعيد إعادة تشكيل التعاون الأمني، قال التقرير إن الشراكة مع دول الخليج ضد التطرف والحلفاء الدوليين بحاجة إلى طرح قضايا حساسة مثل الطائفية والتعصب الديني والقمع السياسي، وأنه على الحكومات الغربية تجنب الانجرار في مساعدة الحكومات في الكشف عن الجرائم التي ينظر إليها في بلدانهم كحقوق، وخصوصاً على صعيد أحكام السجن المطولة التي يلقاها المدونون الشباب بسبب «إهانة الحكام».
وأوصى التقرير بأن يتم اعتماد خطاب جديد بشأن أمن الخليج، يأخذ في الاعتبار ضرورة أن يشعر الناس بالأمن، على سبيل المثال من خلال وجود مساءلة للشرطة من قبل الهيئات القضائية المستقلة، ووضع حد للاعتقالات الطويلة من دون محاكمة.
وجاء في التقرير: «من الضروري أن يستمع صناع السياسة الغربية إلى الرأي العام المحلي، الذي لا تنقل لهم الحكومات الخليجية رأيه دائماً. سكان الخليج يريدون حماية الناس في منطقتهم، وخصوصاً العراقيين والسوريين والفلسطينيين، من عنف الدولة والجماعات الإرهابية».
العدد 4549 - الخميس 19 فبراير 2015م الموافق 29 ربيع الثاني 1436هـ